0 / 0

توبة المسرف على نفسه ، وهل يخبر زوجته بما قد كان منه

السؤال: 219917

أنا كنت ملتزم دينيا إلى حد ما ، ثم حدثت لي انتكاسه غير عادية في حياتي ، وفي كل شيء ، بسبب الشهوة والجنس ، حتى مارست كل شيء …. ولا أعرف كيف الخلاص من هذا الأمر ، وفشلت كثيرا في محاولات السيطرة . والمشكلة هي أنني سيتم زواجي بعد أشهر قليلة ، ولا أعرف هل أقول لزوجتي كل ما سبق أم لا؟ وثانيا : هل لي من توبة ؟ وهل سيقبلني الله عنده من التائبين بعد ما فعلت ..؟! أنا أعيش في هم وغم وتنغيص على حياتي في كل شيء ، وحزن دائم ، بسبب كل ما فعلته سابقا ، وما قد أفعله مستقبلا ، لا أعرف ما الذي علي فعله ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :

لا شك أن الزنا هو من أقبح القبائح ، وأشنع الفواحش التي تجلب غضب الله وعقابه على  فاعله ، وقد اتفقت على تشنيعها والتنفير منها الشرائع السماوية جميعا ، بل والفطر السوية أيضا ؛ حتى لقد روى البخاري (3849) عن عمرو بن ميمون الأودي ، وهو من كبار التابعين ، قال : ( رَأَيْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قِرْدَةً اجْتَمَعَ عَلَيْهَا قِرَدَةٌ ، قَدْ زَنَتْ ، فَرَجَمُوهَا ، فَرَجَمْتُهَا مَعَهُمْ ) !!

وينظر جواب السؤال رقم 20983 ورقم 128111 ورقم 115486

ثانيا

من أسرف على نفسه بالذنوب ثم تاب توبة صادقة ، تامة الشروط : بأن أقلع عن الذنب وندم على ما فات ، وعزم على عدم العودة إليه ، تاب الله عليه وإن كانت ذنوبه مثل زبد البحر ، فإن قدر أنه وقع في الذنب مرة أخرى ، فإنه يعود للتوبة مجددا ولا ييأس من رحمة الله ، ثم لا يتجرأ عليه ، ولا يأمن من مكر الله ؛ بل يسير إلى ربه بين الأمرين ؛ قال تعالى ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) الزمر : 53 .

وقد قيل للحسن البصري رحمه الله : ألا يستحي أحدنا من ربه ، يستغفر من ذنوبه ثم يعود ثم يستغفر ثم يعود؟ فقال : ” ود الشيطان لو ظفر منكم بهذا، فلا تملوا من الاستغفار ” . انتهى من كتاب ” التوبة لابن أبي الدنيا ” (ص/ 119) .

ومن كرمه وإحسانه سبحانه ، أنه يبدل سيئات التائب حسنات ، مهما كان ذنبه ، ومهما عظم جرمه ، كما قال سبحانه : ( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ) الفرقان/68- 70.

وما ذاك إلا لأن الله عز وجل يحب توبة عبده ، ويفرح بها أشد من فرح رجل وجد بعيره من غير قصد وقد أضاعه في صحراء قاحلة ، قال صلى الله عليه وسلم ( الله أفرح بتوبة عبده من أحدكم ، سقط على بعيره ، وقد أضله في أرض فلاة ) رواه البخاري (6309) ومسلم (2675) .

وكم من مذنب مسرف على نفسه ، مستوجب للقتل والتقطيع إربا ، تاب ، فتاب الله عليه ، وقد جاء عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال : ( كان في بني إسرائيل رجل قتل تسعة وتسعين إنسانا ، ثم خرج يسأل ، فأتى راهبا فسأله فقال له : هل من توبة ؟ قال : لا ، فقتله ، فجعل يسأل ، فقال له رجل : ائت قرية كذا وكذا ، فأدركه الموت ، فناء بصدره نحوها ، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ، فأوحى الله إلى هذه أن تقربي ، وأوحى الله إلى هذه أن تباعدي ، وقال : قيسوا ما بينهما ، فوجد إلى هذه أقرب بشبر ، فغفر له ) أخرجه البخاري برقم (3470) ومسلم برقم (2766) .

وينظر جواب السؤال رقم (13990) ، ورقم (45887) .

ثالثا :

وأما ما ذكرته من إخبار الزوجة بما قد كان منك ، فهذا من وسوسة الشيطان لك ، يريد أن يزرع بذور الشقاق بينك وبين زوجتك ، حتى إذا ما تم زواجكما ، وأنستما إلى بعضكما ، جاء فسقى هذه البذرة ، فأنبتت بينكما المصائب والمتاعب ، فالحذر الحذر من اتباع خطوات الشيطان وقد قال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ) سورة النور : 24 .

فلا ينبغي لرجل عاقل أن يقدم على إخبار زوجته – ولا غيرها – بما قد كان منه ، من أمور قد سترها الله عليه ، فإن من إحسان الله تعالى على عبده أن يستره ، ولا يكشف أمره ، ولهذا كان من القبيح أن يفضح الإنسان نفسه وقد ستره الله ، بل ينبغي أن يستتر بستر الله تعالى .

قال صلى الله عليه وسلم : ( اجتنبوا هذه القاذورة التي نهى الله عز وجل عنها ، فمن ألم فليستتر بستر الله عز وجل ) والحديث رواه البيهقي وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (663)/.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في التعليق على قصة ماعز رضي الله عنه :

” ويؤخذ من قضيته : أنه يستحب لمن وقع في مثل قضيته أن يتوب إلى الله تعالى ويستر نفسه ، ولا يذكر ذلك لأحد كما أشار به أبو بكر وعمر على ماعز . وأن من اطلع على ذلك يستر عليه بما ذكرنا ، ولا يفضحه ، ولا يرفعه إلى الإمام كما قال صلى الله عليه وسلم في هذه القصة ” لو سترته بثوبك لكان خيرا لك ” ، وبهذا جزم الشافعي رضي الله عنه ، فقال : أحب لمن أصاب ذنبا فستره الله عليه : أن يستره على نفسه ويتوب ، واحتج بقصة ماعز مع أبي بكر وعمر . وفيه : أنه يستحب لمن وقع في معصية وندم أن يبادر إلى التوبة منها ، ولا يخبر بها أحدا ، ويستتر بستر الله ، وإن اتفق أنه أخبر أحدا : فيستحب أن يأمره بالتوبة وستر ذلك عن الناس كما جرى لماعز مع أبي بكر ثم عمر ” انتهى من “فتح الباري” (12/124) .

على أنه لا يحل لك أيضا : أن تقدم على الزواج من فتاة خيِّرة صالحة ، وأنت بهذه الحال ، حتى تتوب إلى ربك توبة نصوحا صادقة ، تقلع فيها عما سلف منك ومضى ، وتندم عليه ، وتعزم بصدق أنك لن تعود إلى ذلك أبدا ، وقد من الله عليك بالحلال الذي يكفيك ، وتعاهد ربك ، ذا الجلال والإكرام على ذلك .

ثم نحن نشير عليك أن تترك ذلك المكان الذي ارتكبت فيه كل ما ارتكبت ، وتيسرت لك فيه المعصية ، وتقطع سبل التواصل مع أهلها الذين شاركوك فيها وأعانوك عليها ، فتغير عنوان إقامتك ، وبريدك الإلكتروني ، ورقم هاتفك ، وتقطع كل سبيل يمكن أن يتواصل معك قرناء السوء ، أو تتواصل معهم من خلالها ؛ شريطة أن تكون صادقا في هذه القطيعة ، ولا تدع لك نسخة احتياطية ، تستعملها ، حينما تدعوك نفسك إلى ذلك .

وللفائدة يرجى مراجعة السؤال رقم (83093) .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android