0 / 0
42,69923/09/2014

الموقف من الصوفية .

السؤال: 220230

اطلع بعض الأخوة على فتواكم رقم : ( 132603 ) وفتوى رقم : ( 20375 ) ، فردوا :
(أنكم أخذتم وجهة نظر واحدة لعلماء أفاضل ، بينما هناك علماء آخرين لهم وجهة نظر، ربما تكون مخالفة لها ، أو يرون أن فيها غلواً ، وبالتالي لا يجوز التعميم ، وهذا ما نراه كثيرا ضد الصوفية .
أئمة الصوفية يؤكدون أن طريقتنا مبنية على الكتاب والسنة ، فمن خالفهما فليس منا،
والأئمة الأربعة والعلماء يثنون على الصوفية .
وقالوا : لقد تعدّى على الصوفية الكثير من العلماء ، لا لشيء إلا أنهم يقومون بمهمات لا يقدر عليها الكثير ممن ينتسَبون للعلم !!
كثير من الفتاوى يصدر أحكامها وفتواها على الصوفيين القدامى الذين مرقوا من الدين واعتقدوا الحلول والاتحاد ، وادعوا بحديث القلب عن الله تعالى !فهؤلاء لا يوافقهم إلا من يسوقه هواه إلى تشويه الدين وتحقيق المكاسب الخاصة بهم !!
وضربوا مثالا بابن عثيمين – رحمه الله – وقوله عن جماعة التبليغ ، وهم كذلك كالصوفية عليهم هجوم من كل حدب وصوب ؟
فأجاب بصوته رحمه الله : جماعة طيبة ولها نشاطها ولا شيء عليها .
الصوفية تقوم بمقام التزكية الذي يقصر فيه الكثير من العلماء أهل الرواية ! وكما نعلم : ليس العلم بالرواية ولكن العلم بالدراية . العلم بالخشية ..
وكما نرى أحوال علمائنا ومواقفهم من الفتن التي نعيش فيها 24 ساعة متعاقبة متتالية!
فلماذا الخوض في أناس يحققون أعظم ركن من أركان الدعوة..والذي بينه ربنا في كتابه وهو التزكية ، فمن يقوم بها اليوم ؟
ثم نقيم الدنيا على الصوفية ولا نقعدها لمجرد أناس أساؤوا للصوفيين منذ زمن ولا نعطي المخلصين حقهم ونقول فيهم ما يستحقون) .
فأريد منكم الجواب على هذا الأمر.

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

كان مشايخ أهل التصوف الأولون على حال طيبة في الجملة ، وكان لهم من الحرص على السنة واتباع السلف ، ومن العمل الصالح ، ما يحمدون عليه ، خلافا للمتأخرين من الصوفية الذين حرفوا وبدلوا وأحدثوا .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
” وَهَؤُلَاءِ الْمَشَايِخُ لَمْ يَخْرُجُوا فِي الْأُصُولِ الْكِبَارِ عَنْ أُصُولِ ” أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ ” بَلْ كَانَ لَهُمْ مِنْ التَّرْغِيبِ فِي أُصُولِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالدُّعَاءِ إلَيْهَا وَالْحِرْصِ عَلَى نَشْرِهَا وَمُنَابَذَةِ مَنْ خَالَفَهَا مَعَ الدِّينِ وَالْفَضْلِ وَالصَّلَاحِ مَا رَفَعَ اللَّهُ بِهِ أَقْدَارَهُمْ وَأَعْلَى مَنَارَهُمْ، وَغَالِبُ مَا يَقُولُونَهُ فِي أُصُولِهَا الْكِبَارِ جَيِّدٌ مَعَ أَنَّهُ لَا بُدَّ وَأَنْ يُوجَدَ فِي كَلَامِهِمْ وَكَلَامِ نُظَرَائِهِمْ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمَرْجُوحَةِ وَالدَّلَائِلِ الضَّعِيفَةِ؛ كَأَحَادِيثَ لَا تَثْبُتُ وَمَقَايِيسُ لَا تَطَّرِدُ مَعَ مَا يَعْرِفُهُ أَهْلُ الْبَصِيرَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُتْرَكُ إلَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” انتهى من “مجموع الفتاوى” (3/ 377) .

وقال عليّ بن هارون ومحمد بن أحمد بن يعقوب : سمعنا الْجُنَيْد غير مرة يقول: ” علمنا مضبوطٌ بالكتاب والسنة، من لم يحفظ الكتاب، ويكتب الحديث، ولم يتفقّه، لا يُقْتَدى به ” انتهى من ” تاريخ الإسلام ” (22/ 73) .

وقال حامد بْن إِبْرَاهِيم : قَالَ الجنيد بْن مُحَمَّد : ” الطريق إِلَى اللَّه عز وجل مسدودة عَلَى خلق اللَّه تعالى إلا عَلَى المقتفين آثار رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والتابعين لسنته ، كَمَا قَالَ اللَّه عز وجل: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) ” انتهى من “تلبيس إبليس” (ص 12) .

وقال الْحُسَيْن النوري لبعض أصحابه : ” من رأيته يدعي مَعَ اللَّه عز وجل حالة تخرجه عَنْ حد علم الشرع فلا تقربنه ، ومن رأيته يدعي حالة لا يدل عليها دليل ولا يشهد لها حفظ ظاهر فاتهمه عَلَى دينه ” .
وعن الجريري قَالَ : ” أمرنا هَذَا كله مجموع عَلَى فضل واحد هو أن تلزم قلبك المراقبة ويكون العلم عَلَى ظاهرك قائما ” .
وعن أبي جَعْفَر قَالَ : ” من لم يزن أقواله وأفعاله وأحواله بالكتاب والسنة ولم يتهم خاطره فلا تعده فِي ديوان الرجال ” انتهى من “تلبيس إبليس” (ص 151) .

فإذا نظرنا إلى مثل هذا الكلام عن أوائلهم ، وقارنا أفعال أتباعهم اليوم به : وجدنا هؤلاء الأتباع أبعد ما يكون عن ذلك ، فإنه لا يكاد يوجد حدث في الإسلام إلا والصوفية ومن شابههم من أصحاب الأهواء من ورائه ، وهل عرف الناس عبادة القبور والتوسل بالأموات ، وسؤالهم الحاجات من دون الله إلا من الصوفية ؟
وهل سبق القوم أحد في إحداث الموالد والحضرات التي تقوم على الغناء والرقص والذكر المبتدع ؟
وهل كان يصد عن الجهاد في سبيل الله ، ويرى أن غزو الكافرين بلاد المسلمين عقوبة ربانية عادلة إلا أهل التصوف ؟
وهل عرف الناس العلم اللدني ، وحدثني قلبي عن ربي ، والتفريق بين الحقيقة والشريعة ، وعلم الباطن وعلم الظاهر إلا عن الصوفية ؟
وهل عرفت السياحات المبتدعة في البراري ، ومصاحبة الأحداث ، إلا عنهم ؟
وهل عرفت الدعاوى والشطح ، والكلام في دين الله بغير علم ، أو بالظن الكاذب والاستدلال بالأحاديث الموضوعة والمنكرة أكثر مما عرف عن أهل التصوف ؟
ومن نظر في تاريخ القوم لا يجد إلا ما قدمنا وآثاره وغيره من البدع المنكرة والضلالات المضلة ، ومتى عرف أهل التصوف بالفقه أو صناعة الحديث والجرح والتعديل وتفسير القرآن بالمأثور ؟ هل في المتصوفة من برع في علوم السنة إلا القليل الذي لا يكاد يذكر ؟
ومن تأمل في كتبهم ، واستقرأ حالهم ، ونظر في أخبارهم : وجد أقواما لا يعرفون عن الشريعة إلا رسمها ، يبغضون أهل السنة ، وينتمون إلى أهل البدعة ، ويعادون العلوم الشرعية ، ويدّعون العلوم اللدنية ، قد سول لهم الشيطان سوء أعمالهم ، وغرهم من أنفسهم ، فأمشاهم على الماء ، وطيرهم على الهواء ، وغرر بساداتهم حتى قالوا : رفع عنا التكليف ، وليس في وجاهتنا مقدم ولا شريف .
ومن عجب أنك تجد عامتهم قد انتسبوا إلى أهل البيت ظلما وزورا ، مع أن أكثرهم قد جاء من بلاد المغرب وإفريقية ، أو من بلاد العجم ، ثم لا نعلم أن أحدا من علماء السنة الذين حفظوا لنا السنة ودونوا دواوينها كالأئمة الأربعة وغيرهم قد انتسب إلى هذه الطرق الباطلة ، فضلا عن أن يكون رئيسا من رؤسائهم وقطبا من أقطابهم .

وقول المدَّعِي : أن الأئمة الأربعة والعلماء يثنون على الصوفية ، من أبطل قول وأسمجه ، وإذا كان أهل العلم يثنون عليهم ، فلم لم ينتسبوا إليهم ؟ وهم أشد الناس حبا للدين ، واعلم الناس بالله ورسوله .
والمعروف عن أئمة المذاهب ذمهم حال القوم ، والتحذير منه .
أما الإمام مالك رحمه الله :
فقال القاضي عياض رحمه الله :
” قال المسيبي: كنا عند مالك وأصحابُه حوله ، فقال رجل من أهل نصيبين: يا أبا عبد الله عندنا قوم يقال لهم الصوفية ، يأكلون كثيراً ، ثم يأخذون في القصائد ، ثم يقومون فيرقصون .
فقال مالك : الصبيان هم ؟ قال : لا .
قال أمجانين ؟ قال : لا ، قوم مشايخ .
قال مالك : ما سمعت أن أحداً من أهل الإسلام يفعل هذا .
قال الرجل : يأكلون ثم يقومون فيرقصون نوائب ويلطم بعضهم رأسه وبعضهم وجهه ، فضحك مالك ثم قام فدخل منزله .
فقال أصحاب مالك للرجل : لقد كنت يا هذا مشؤوماً على صاحبنا ، لقد جالسناه نيفاً وثلاثين سنة فما رأيناه ضحك إلا في هذا اليوم ” انتهى من “ترتيب المدارك” (2/ 53) .

أما الإمام الشافعي :
فقال يونس بن عبد الأعلى : سمعت الشافعي يقول : ” لو أن رجلا تصوف أول النهار لم يأت عليه الظهر إلا وجدته أحمق ” .
رواه البيهقي في “مناقب الشافعي” ( 2/ 207 ) بإسناد صحيح .
وقال أيضا : ” مَا لزم أحد الصوفية أربعين يوما فعاد عقله إليه أبدا ” انهتى من “تلبيس إبليس” (ص: 327) .
وقال أيضا : ” صَحِبْتُ الصُّوفِيَّةَ ، فَمَا انْتَفَعْتُ مِنْهُمْ إِلَّا بِكَلِمَتَيْنِ : سَمِعْتُهُمْ يَقُولُونَ : الْوَقْتُ سَيْفٌ . فَإِنْ قَطَعْتَهُ وَإِلَّا قَطَعَكَ . وَنَفْسُكَ إِنْ لَمْ تَشْغَلْهَا بِالْحَقِّ ، وَإِلَّا شَغَلَتْكَ بِالْبَاطِلِ ” انتهى من “مدارج السالكين” (3/ 124) .

أما الإمام أحمد : فهو أبعد الناس عن طريق القوم ، لشدة بُغضه للإحداث في دين الله ، وعداوته الشديدة للبدعة وأهلها .
قال عَنْ سري السقطي – وهو من كبار شيوخ الصوفية ومقدميهم – : الشيخ المعروف بطيب المطعم . ثم حكى لَهُ عنه أنه قَالَ : إن اللَّه عز وجل لما خلق الحروف سجدت الباء . فَقَالَ : ” نفِّروا الناسَ عنه [أي : عن سري] ” انتهى من “تلبيس إبليس” (ص: 152) .
مع أن السري السقطي رحمه الله كان معروفا بالزهد والصلاح .

وذكر أَبُو بَكْر الخلال فِي كتاب السنة عَن أحمد بْن حنبل أنه قَالَ : حذروا من الحارث – يعني المحاسبي – أشد التحذير ، الحارث أصل البلية يعني فِي حوادث كلام جهم ، ذاك جالسه فلان وفلان وأخرجهم إِلَى رأى جهم ، مَا زال مأوى أصحاب الكلام ، حارث بمنزلة الأسد المرابط : انظر أي يوم يثب على الناس ” انتهى من “تلبيس إبليس” (ص: 151) .

فهذه آراء الأئمة الثلاثة في الصوفية وأشياخهم ، أما الإمام أبو حنيفة رحمه الله فقد كان عصره قبل ظهور هذه البدعة التي أساءت إلى أهل الإسلام على مر العصور .
ولو كانت طريقة القوم قائمة على الكتاب والسنة كما يدعون ، فما بالنا نراهم أكثر الناس إحداثا في الدين ، وأقل الناس علما ؟
ومن تراه من أهل العلم يمتدح بعض الصوفية فإنما يمتدح بعض أحوال الذين رآهم منهم ، لما هو عليه من الزهادة في الدنيا ، والبعد عن السلطان ، والانشغال بآفات النفس ومداواتها ، ولا شك أن بعضهم له من هذا الباب حظ ، ولكن كثيرا منهم إذا خبرته في غير ذلك من أمور الدين وجدته إما جاهلا ، وإما متعالما ، وإما مدعيا علما خاصا قد اصطفاه الله به واجتباه له .
وإذا قيل : إن قدامى الصوفية مرقوا من الدين بما كانوا عليه من مذاهب فاسدة كالحلول والاتحاد ، فما ظنك بمتأخريهم ؟ ولا يقال : إن المتأخرين أحسن حالا منهم ، فإنهم لا يأخذون الطريقة والأحوال إلا عن متقدميهم ، وإلا لزم القوم بأن أساس التصوف قائم على هذه المذاهب الباطلة والآراء الضالة ، بما كان عليه أوائلهم ، وكفى في هذا بيانا لحاله .

أما مقام تزكية النفس : فما أبعد التصوف وأهله عن هذا المقام ، فإن تزكية النفس يعني تطهيرها من الذنوب ، وتنقيتها من العيوب ، وترقيتها بالعلم النافع والعمل الصالح ، والقوم مشغولون بتقديس مشايخهم ، والمغالاة في حبهم ، والمشايخ مشغولون بإلزام أتباعهم بذلك ، والادعاء الباطل لأنفسهم أنهم أهل الولاية ، حتى يصل بهم الحال إلى القول بسقوط التكليف عنهم ، ومن قرأ في تاريخ القوم وجد مصداق ذلك وبرهانه من أقوالهم وأفعالهم .
فلا يغتر مغتر بما يدعيه هؤلاء ، ويقال لهم : ( تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ) أن نتحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله في كل قول نقوله نحن وأنتم وفي كل فعل نفعله نحن وأنتم ، فإن فعلتم فأنتم منا ونحن منكم ، وإن زُغتم فنحن بُرءاء منكم وأنتم بُرءاء منا .
وانظر للفائدة جواب السؤال رقم : (47431) ، (118693) .
والله تعالى أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android