0 / 0

هل يأثم المرء إذا حكم بخطأ أحد من أهل العلم في بعض المسائل الشرعية ؟

السؤال: 220570

هل نكون مذنبين بحق أحد من الأئمة الأربعة أو غيرهم ، إذا وصلنا للقناعة بأنهم أخطؤوا في بعض اجتهاداتهم ، سواء بالعثور على اجتهادات أخرى أقرب إلى الصواب ، بفضل سهولة انتشار كتب الفقه والعلم في زمننا الحاضر ، أو بفضل الإدراك المتأخر ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
ما من أحد إلا ويؤخذ منه ويرد عليه ، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وكل مجتهد يخطئ ويصيب ، بما في ذلك أئمة العلماء .
ولم يزل أهل العلم رحمهم الله تعالى يجتهدون ، ويخطئ بعضهم بعضا ، ويقول بعضهم القول اليوم ويرجع عنه بعد ذلك ، وتجد للعالم في المسألة الواحدة القولين المختلفين ، قال زفر: ” كنا نختلف إلى أبي حنيفة ومعنا أَبُو يوسف وَمُحَمَّد بن الحسن، فكنا نكتب عنه، فقال يوما أَبُو حنيفة لأبي يوسف: ويحك يا يَعْقُوب، لا تكتب كل ما تسمع مني، فإني قد أرى الرأي اليوم فأتركه غدا ، وأرى الرأي غدا وأتركه بعد غد ” انتهى من ” تاريخ بغداد ” (15/ 554) .

وقال الإمام مالك رحمه الله :
” إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ ، أُخْطِئُ وَأُصِيبُ ، فَانْظُرُوا فِي رَأْيِي ، فَكُلَّمَا وَافَقَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ فَخُذُوا بِهِ , وَكُلَّمَا لَمْ يُوَافِقِ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ فَاتْرُكُوهُ ” انتهى من ” جامع بيان العلم وفضله ” (1/ 775) .

وقال الإمام الشافعي رحمه الله :
” مَا مِنْ أَحَدٍ إلَّا وَتَذْهَبُ عَلَيْهِ سُنَّةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَتَعْزُبُ عَنْهُ، فَمَهْمَا قُلْت مِنْ قَوْلٍ أَوْ أَصَّلْت مِنْ أَصْلٍ فِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – خِلَاف مَا قُلْت فَالْقَوْلُ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهُوَ قَوْلِي ” وَجَعَلَ يُرَدِّدُ هَذَا الْكَلَامَ ” . انتهى من ” إعلام الموقعين ” (2/ 204) .

وقال الإمام أحمد رحمه الله :
” ليس أحد إلا ويؤخذ من رأيه ، ويترك ، يعني : ما خلا النبي صلى الله عليه وسلم ” انتهى من ” مسائل الإمام أحمد ” رواية أبي داود (ص 368) .

وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله :
” الواجب عَلَى كل من بلغه أمر الرسول صلى الله عليه وسلم وعرفه : أن بيينه للأمة وينصح لهم، ويأمرهم باتباع أمره ، وإن خالف ذلك رأي عظيم من الأمة ، فإن أمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- أحق أن يعظم ويقتدى به من رأي معظم ، قد خالف أمره في بعض الأشياء خطأ .
ومن هنا رد الصحابة ومن بعدهم من العُلَمَاء عَلَى كل من خالف سنة صحيحة ، وربما أغلظوا في الرد ، لا بغضًا له ؛ بل هو محبوب عندهم ، معظم في نفوسهم ؛ لكن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أَحَبّ إليهم ، وأمره فوق أمر كل مخلوق .
فَإِذَا تعارض أمر الرسول – صلى الله عليه وسلم – وأمر غيره فأمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- أولى أن يقدم ويتبع ، ولا يمنع من ذلك تعظيم من خالف أمره ، وإن كان مغفورًا له ؛ بل ذلك المخالف المغفور له : لا يكره أن يخالَف أمرُه إذا ظهر أمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- بخلافه ؛ بل يرضى بمخالفة أمره ومتابعة أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا ظهر أمره بخلافه ” انتهى من ” مجموع رسائل ابن رجب ” (1/ 245) .

وقال ابن القيم رحمه الله :
” شَيْخُ الْإِسْلَامِ حَبِيبٌ إِلَيْنَا- يعني الهروي رحمه الله – وَالْحَقُّ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْهُ . وَكُلُّ مَنْ عَدَا الْمَعْصُومِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ وَمَتْرُوكٌ ” انتهى من ” مدارج السالكين ” (2/ 38) .

ثانيا :
هذا الذي سبق ذكره : أمر مقرر ، لا تكاد تجد عاقلا منصفا يخالف فيه ؛ لكن السؤال الأهم ، والأمر الحقيق بالنظر والتأمل : من هذا الذي يبين خطأ من أخطأ من أهل العلم ، ويرده عليه ، ويبين وجه الصواب فيما ذهب إليه ؟
من الذي يمكنه أن يقول : قول الإمام الشافعي أصح من قول الإمام مالك ؟
أو قول الحنابلة أرجح من قول غيرهم ؟
أو قول فلان العالم خطأ ؟
لا يصح لأحد أن يسلك هذا السبيل إلا إذا كان على بينة تامة من أمره ، فإما أن يكون عالما مجتهدا مشهودا له بالعلم والفضل والأمانة ، أو يكون طالب علم مجيد قد اجتهد في مسألة ، وجمع فيها الأدلة وكلام أهل العلم حتى ترجح لديه بالدليل قول دون قول .

أما رجل مبتدئ في طلب العلم ، أو واعظ أو خطيب ظن من نفسه أنه يحسن الخوض في مسائل الخلاف والترجيح فيها ، أو عامي من عوام المسلمين : فمثل هؤلاء لا يجوز لهم تخطئة العالم ، كما لا يجوز لهم النظر في مسائل الخلاف ، فضلا عن الترجيح ، وإنما المشروع في حقهم هو التقليد والإتباع .
اللهم إلا أن يحكي أحدهم قول العالم في الترجيح أو التخطئة .

ومجرد وجود خلاف بين العلماء لا يسمح لكل أحد أن يرجح أو يختار ، فلا يجتهد ولا يرجح إلا من تأهل لهذا المقام ، على ما سبق ذكره .

وانتشار الكتب اليوم ، وسهولة الاطلاع عليها لا يكفي في هذا ؛ لأن العلم والفقه مَلَكة في النفس ، وتأهُّل باكتمال أداوت ذلك النظر ، وشرائطه ؛ ولا يمكن إدراك ذلك بمجرد النظر في الكتب والاطلاع فيها على مسائل الخلاف .
فالعالم يجتهد ويرجح ، وطالب العلم يذاكر ويدرس وينظر ويسأل ويتوخى الحذر ، والمبتدئ والعامي : يسأل ويقلد .
فعلى كل مسلم أن يحتاط لدينه ، وألا يتكلم في الدين بغير علم ، وألا يجترئ على تخطئة عالم وتصويب قول غيره إلا ببينة ظاهرة ودليل واضح .
وقد قيل : ” الْأُمُورُ ثَلَاثَةٌ : أَمْرٌ تَبَيَّنَ لَكَ رُشْدُهُ فَاتَّبِعْهُ ، وَأَمْرٌ تَبَيَّنَ لَكَ زَيْغُهُ فَاجْتَنِبْهُ ، وَأَمْرٌ اخْتُلِفَ فِيهِ ، فَكِلْهُ إِلَى عَالِمِهِ ” .
انظر : ” جامع بيان العلم وفضله ” (1/ 754) .
وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم : (22652) .
والله تعالى أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android