0 / 0
133,16406/08/2014

الفرق بين مذهب الحنفية والجمهور في مواقيت الصلاة

السؤال: 220820

ما الفرق بين أوقات الصلوات على المذهب الحنفي وأوقاتها العادية ، ولماذا تفصل كل المساجد التي تتبع مذهب أبي حنفية بين أذان العصر وصلاته بساعة كاملة ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

الفرق بين مذهب الإمام أبي حنيفة ومذهب الجمهور في مواقيت الصلاة يتلخص في مسألتين :
الفرق الأول : وقت بداية العصر
فقد وقع فيه الخلاف على قولين :
القول الأول :
أنه يبدأ إذا انتهى وقت الظهر ، وذلك عند مصير ظل كل شيء مثله ، سوى فيء الزوال ، وقد سبق شرح معنى مصير ظل كل شيء مثله في جواب السؤال رقم : (9940) .
وهو قول جمهور أهل العلم من المالكية والشافعية والحنابلة ، وأبي يوسف ومحمد بن الحسن من الحنفية ، بل قال السرخسي في ” المبسوط” (1/141) : ” وهو رواية “محمد” عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى ، وإن لم يذكره في الكتاب نصا ” انتهى ، كما هو اختيار الطحاوي من الحنفية.
وأدلته عديدة صحيحة ، نذكر منها أصرحها :
الدليل الأول :
حديث إمامة جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وفيه :
( أَنَّه صَلَّى بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ العَصرَ حينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيءٍ مِثلَهُ ) .
رواه أبو داود (393) والترمذي (149، 150) وقال حديث حسن صحيح ، وصححه الألباني في ” صحيح أبي داود ” .
الدليل الثاني :
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم :
” كَانَ يُصَلِّي العَصرَ وَالشَّمسُ مُرتَفِعَةٌ حَيَّةٌ ، فَيَذهَبُ الذَّاهِبُ إِلَى العَوَالِي ، فَيَأتِي العَوَالِي وَالشَّمسُ مُرتَفِعَةٌ ” رواه البخاري (550) ، ومسلم (621) وفي رواية أخرى عندهما : ” أنه يأتي مسجد قباء والشمس مرتفعة ” إشارة إلى بقاء حرها وضوئها ، وأقرب العوالي مسافة ميلين ، وأبعدها مسافة ستة أميال ” انظر ” فتح الباري” (2/39) .
قال النووي رحمه الله :
” لا يمكن أن يذهب بعد صلاة العصر ميلين وثلاثة ، والشمس بعد لم تتغير بصفرة ونحوها ، إلا إذا صلى العصر حين صار ظل الشيء مثله ، ولا يكاد يحصل هذا الا في الأيام الطويلة ” انتهى من ” شرح مسلم ” (5/122) .
أما القول الثاني :
فيذهب إلى أن وقت العصر يبدأ عند مصير ظل كل شيء مثليه ، سوى فيء الزوال ، وهو قول الإمام أبي حنيفة رحمه الله تعالى ، وعليه معظم المتأخرين من الحنفية ، ولذلك يتأخر أذان العصر في البلاد التي تعتمد مذهب الإمام أبي حنيفة .
واستدلوا بثلاثة أدلة :
الدليل الأول :
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( إِنَّمَا بَقَاءُكُم فِيمَا سَلَفَ قَبلَكُم مِنَ الأُمَمِ كَمَا بَينَ صَلاةِ العَصْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمسِ ، أُوتِيَ أَهلُ التَّورَاةِ التَّورَاةَ فَعَمِلُوا ، حَتّى إِذَا انتَصَفَ النَّهَارُ عَجَزُوا ، فَأُعطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا ، ثُمَّ أُوتِيَ أَهلُ الإِنجِيلِ الإِنجِيلَ فَعَمِلُوا إِلَى صَلاةِ العَصرِ ثُمَّ عَجَزُوا ، فَأُعطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا ، ثُمَّ أُوتِينَا القُرآنَ فَعَمِلنَا إِلَى غُرُوبِ الشَّمسِ ، فَأُعطِينَا قِيرَاطَينِ قِيرَاطَينِ ، فَقَالَ أَهلُ الكِتَابَينِ : أَيْ رَبَّنَا ! أَعطَيتَ هَؤُلاءِ قِيرَاطَينِ قِيرَاطَينِ ، وَأَعطَيتَنَا قِيرَاطًا قِيرَاطًا ، وَنَحنُ كُنَّا أَكثَرَ عَمَلًا ؟ ! قَالَ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : هَل ظَلَمتُكُم مِن أَجرِكُم مِن شَيْءٍ ؟ قَالُوا : لا ، قَالَ : فَهُوَ فَضلِي أُوتِيهِ مَن أَشَاءُ ) رواه البخاري (557) .
يقول الإمام الكاساني رحمه الله – وهو من كبار فقهاء الحنفية –:
” دل الحديث على أن مدة العصر أقصر من مدة الظهر ، وإنما يكون أقصر أن لو كان الأمر على ما قاله أبو حنيفة ” انتهى من ” بدائع الصنائع ” (1/315) .
ولكن أجاب الحافظ ابن حجر عن هذا الاستدلال بقوله :
” المعروف عند أهل العلم بالفن أن المدة التي بين الظهر والعصر أطول من المدة التي بين العصر والمغرب إذا فرعنا على أن أول وقت العصر كما قال الجمهور ، ( ويجاب ) بأنه ليس في الخبر نص على أن كلا من الطائفتين أكثر عملا ، لصدق أن كلهم مجتمعين أكثر عملا من المسلمين ” انتهى من ” فتح الباري ” (2/53) وذكر أجوبة أخرى على استدلالهم بالحديث .
ويقول ابن حزم رحمه الله :
” وقت الظهر أطول من وقت العصر أبدا في كل زمان ومكان ” انتهى من ” المحلى ” (2/222)، ثم شرح ذلك فلكيا ، لمن أحب أن يرجع إليه .
ويقول ابن القيم رحمه الله :
” ويالله العجب ! أي دلالة في هذا على أنه لا يدخل وقت العصر حتى يصير الظل مثلين ، بنوع من أنواع الدلالة ، وإنما يدل على أن صلاة العصر إلى غروب الشمس أقصر من نصف النهار إلى وقت العصر ، وهذا لا ريب فيه ” انتهى من ” إعلام الموقعين ” (2/404) .
فلم يبق وجه للاستدلال بالحديث .
الدليل الثاني :
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( إِذَا اشتَدَّ الحَرُّ فَأَبرِدُوا بِالصَّلَاةِ ، فَإِنَّ شِدَّةَ الحَرِّ مِن فَيحِ جَهَنَّمَ ) رواه البخاري (536) ، ومسلم (615).
يقول الإمام الكاساني رحمه الله :
” الإبراد يحصل بصيرورة ظل كل شيء مثليه ؛ فإن الحر لا يفتر ، خصوصا في بلادهم ” انتهى من ” بدائع الصنائع ” (1/315) .
وأجيب عنه بأن الإبراد يحصل بقرب مصير ظل كل شيء مثله ، وهذا الذي كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، فإن تكملة حديث أنس السابق قال فيه : ( حَتَّى سَاوَى الظِّلُّ التُّلُولَ ) البخاري (629) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
” ظاهره أنه أخرها إلى أن صار ظل كل شيء مثله ” انتهى من ” فتح الباري ” (2/29) ، وانظر ” الشرح الممتع ” (2/98) .
الدليل الثالث :
يقول الإمام السرخسي :
” ولأنا عرفنا دخول وقت الظهر بيقين ، ووقع الشك في خروجه إذا صار الظل قامة ، لاختلاف الآثار ، واليقين لا يزال بالشك ” انتهى من ” المبسوط ” (1/141) .
وهذا الدليل يمكن الجواب عنه بأن اليقين في خروج وقت الظهر متحصل بالأدلة الصحيحة الصريحة السابقة ، وهو الذي أخذ به أهل العلم .
يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى :
” ولم ينقل عن أحد من أهل العلم مخالفة في ذلك إلا عن أبي حنيفة ، قال القرطبي : خالفه الناس كلهم في ذلك ، حتى أصحابه ، يعني الآخذين عنه ؛ وإلا فقد انتصر له جماعة ممن جاء بعدهم ” انتهى من ” فتح الباري ” (2/36) .
وبهذا يتبين الخلاف في المسألة ، وأن مذهب الحنفية يؤخر صلاة العصر عن مذهب الجمهور ، ووضحنا دليل كل قول وما أجاب به العلماء .
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
” يسن في صلاة العصر تعجيلها في أول الوقت ، وذلك لما يلي :
1. لعموم الأدلة الدالة على المبادرة إلى فعل الخير ، كما في قوله تعالى ( فَاستَبِقُوا الخَيرَاتِ) البقرة/148.
2. ما ثبت أن الصلاة في أول وقتها أفضل .
3. ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي برزة الأسلمي : أنه كان يصلي العصر والشمس مرتفعة . البخاري (547) ، ومسلم (647) ” انتهى من ” الشرح الممتع ” (2/104) .
ولمزيد من المصادر والمراجع ينظر : ” المحلى ” (2/197) ، ” نهاية المحتاج (1/364) ، ” فتح القدير ” (1/227) ، و ” حاشية الدسوقي ” (1/177) ، ” الموسوعة الفقهية ” (7/173) .
وانظر جواب السؤال رقم : (179769) .

الفرق الثاني : وقت بداية العشاء ( نهاية المغرب )
فقد اختلف الحنفية والجمهور في هذه المسألة أيضا ، على قولين :
القول الأول : أن بداية العشاء هو غروب الشفق الأبيض وليس الأحمر ، والأبيض يتأخر بنحو من ثنتي عشرة دقيقة عن الشفق الأحمر ، وهذا قول الإمام أبي حنيفة رحمه الله .
وقد استدل الحنفية على ذلك بما يأتي :
الدليل الأول :
حديث محمد بن الفضيل ، حدثنا الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا : ( وَإِنَّ أَوَّلَ وَقْتِ الْمَغْرِبِ حِينَ تَغْرُبُ الشَّمْسُ ، وَإِنَّ آخِرَ وَقْتِهَا حِينَ يَغِيبُ الْأُفُقُ ) رواه الإمام أحمد في ” المسند ” (12/94) ، والترمذي في ” السنن ” (151) .
قالوا : ” غيبوبته بسقوط البياض الذي يعقب الحمرة ، وإلا كان باديا “
ولكن اتفق أئمة الحديث المتقدمون على وقوع الوهم في هذه الرواية ، وأن محمد بن الفضيل أخطأ فجعل الحديث مرفوعا ، وإلا فالمعروف عن الأعمش أنه رواه عن مجاهد مرسلا . هكذا حكم البخاري ، ويحيى بن معين ، وأبو حاتم ، والترمذي ، والدارقطني . تراجع النقول عنهم في طبعة مؤسسة الرسالة من ” المسند ” (12/94-95)
الدليل الثاني : أقوال الصحابة الكرام
يقول الكمال ابن الهمام رحمه الله :
” وقد نقل عن أبي بكر الصديق ، ومعاذ بن جبل ، وعائشة ، وابن عباس رضي الله عنهم في رواية ، وأبي هريرة ، وبه قال عمر بن عبد العزيز ، والأوزاعي ، والمزني ، وابن المنذر ، والخطابي ، واختاره المبرد وثعلب ” انتهى من ” فتح القدير ” (1/223) .
الدليل الثالث :
أنه الأحوط ، وفيه الأخذ باليقين ، كما جاء في ” فتح القدير ” (1/223) : ” أقرب الأمر أنه إذا تردد في أنه الحمرة أو البياض لا ينقضي بالشك ، ولأن الاحتياط في إبقاء الوقت إلى البياض لأنه لا وقت مهمل بينهما ، فبخروج وقت المغرب يدخل وقت العشاء اتفاقا ، ولا صحة لصلاة قبل الوقت ، فالاحتياط في التأخير ” انتهى من ” فتح القدير ” (1/223) .
القول الثاني : أن بداية العشاء هو غروب الشفق الأحمر ، وهذا قول جماهير الفقهاء  .
يقول الإمام النووي رحمه الله :
” مذهبنا أنه الحمرة ، ونقله صاحب التهذيب عن أكثر أهل العلم ، ورواه البيهقي في السنن الكبير عن عمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب ، وابن عمر ، وابن عباس ، وأبي هريرة ، وعبادة بن الصامت ، وشداد بن أوس رضي الله عنهم ، ومكحول ، وسفيان الثوري ، ورواه مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وليس بثابت مرفوعا ، وحكاه ابن المنذر عن ابن أبي ليلى ، ومالك ، والثوري ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبي يوسف ، ومحمد بن الحسن ، وهو قول أبي ثور ، وداود .
احتج أصحابنا للحمرة بأشياء من الحديث والقياس ، لا يظهر منها دلالة لشيء يصح منها ، والذي ينبغي أن يعتمد أن المعروف عند العرب أن الشفق الحمرة ، وذلك مشهور في شعرهم ونثرهم ، ويدل عليه أيضا نقل أئمة اللغة . قال الأزهري : الشفق عند العرب الحمرة . قال الفراء : سمعت بعض العرب يقول : عليه ثوب مصبوغ كأنه الشفق ، وكان أحمر . وقال ابن فارس في المجمل : قال الخليل : الشفق الحمرة التي من غروب الشمس إلى وقت العشاء الآخرة . قال وقال ابن دريد أيضا : الشفق الحمرة … فهذا كلام أئمة اللغة وبالله التوفيق ” انتهى من ” المجموع شرح المهذب ” (3/ 43) ، وللتوسع ينظر ” الحاوي الكبير ” (2/23-25) ، ” المغني ” لابن قدامة (1/278) .
والخلاصة : أن أذان العشاء يتأخر عند الحنفية ، عنه لدى الجمهور ، بنحو ثنتي عشرة دقيقة كما في ” الموسوعة الفقهية الكويتية ” (7/175)، وأذان العصر يتأخر عند الحنفية بنصف ساعة وأكثر ، بحسب اختلاف البلدان والفصول ، والأصوب في جميع ذلك مذهب الجمهور .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android