تنزيل
0 / 0

لا حرج في إطلاق وصف ” السيد ” في المخاطبات الإدارية عند الحاجة

السؤال: 220853

أعمل في دائرة حكومية ، وعند إعداد خطابات إدارتي للإدارات الأخرى أكتب في الخطاب : السيد / مدير الإدارة كذا . وبعض مدراء هذه الإدارات – ولربما معظمهم – من حليقي اللحى ومسبلي الثياب ، وأحدهم من الشيعة .
ما حكم مخاطبة مثل هؤلاء بلقب ” السيد ” .
علما أن هذا الأسلوب متعارف عليه في الخطابات منذ زمن بعيد ، والعمل عليه جار في أغلب المراسلات إن لم يكن جميعها ، وتغييره إلى ألقاب أخرى قد يصعب الآن ؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

سبق في الموقع مجموعة من الفتاوى الموسعة التي فيها المنع من وصف الفاسق أو
المنافق بالسيادة ، ومنع إطلاق كلمة ” السيد ” إلا على من هو أهل لها من أهل التقى
والصلاح والخير .
يمكنك مراجعة هذه الفتاوى بالأرقام الآتية : (12625)
، (112022) ، (131191)
، (132136) ، (135664)
.

ولكن ذلك لا يشمل ، فيما
يظهر المخاطبات الإدارية التقليدية التي تحصل في الأعمال والشركات ، بغض
النظر عن المخاطب وتدينه ومذهبه وعقيدته ، وذلك لأسباب عدة :

الأول : أن محل النهي هو
إطلاق وصف ” السيد ” على سبيل التعظيم والتبجيل ، كما قال ابن علان الصديقي
(1057هـ) : ” النهي عن مخاطبة الفاسق والمبتدع بسيد ونحوه مما يدل على تعظيمه ؛ لأن
المعنى فيه تعظيم من أهانه الله ” انتهى بتصرف يسير من ” دليل الفالحين ” (8/542) .
والواقع أن كلمة ” السيد ” في الخطابات الإدارية لم تعد تحمل ذلك الوصف الحقيقي
للسيادة التي كان العرب الأوائل يطلقونها ، فقد كانت هذه الكلمة علامة شرف وسمة
ارتفاع بين الناس ، إما لسيادة النسب الشريف إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وإما
لرئاسة في القوم وعلو مكانة حقيقية ، وإما لتملك العبيد والرقيق .
وأما اليوم فأصبحت تستعمل للمجاملة بين جميع الناس ، ولا تحمل الدلالة نفسها من
معناها الحقيقي ، بل صرفت عرفا وعادة إلى معنى عام يقصد به مطلق التكريم والملاطفة
، وليس للتعظيم أو التسويد الحقيقي .
بل إنها في مجال المخاطبات الإدارية ، والمكتوبات الحكومية : لا تخرج عن برتوكول ،
و”روتين” متبع ، لا يتعلق بشخص المخاطب بها ، بل بمنصبه ، ولذلك تكتب عادة لمن لا
يعرفه الكاتب والمخاطب أصلا !!

ولهذا فلا حرج في
استعمالها مطلقا في المخاطبات الإدارية أو المجاملات الإدارية أو الدعوات التشريفية
بين الناس ، من غير تكلف بحث في عقائد الناس أو استقامتهم .

يقول الإمام النووي رحمه
الله – عن النهي أن يقول السيد لمملوكه : عبدي – :
” الظاهر أن المراد بالنهي من استعمله على جهة التعاظم والارتفاع ، لا للوصف
والتعريف ” انتهى من ” شرح النووي على مسلم ” (15/ 7) .

الثاني : على فرض التسليم
بالمنع المطلق من إطلاق كلمة ” السيد ” على غير التقي صاحب الأهلية ، فإن هذا المنع
وقع لدى العلماء على سبيل الكراهة ، وليس على سبيل الجزم والتحريم ، بل من باب
التأدب بالألفاظ ، وليس من باب الحلال والحرام .

يقول الإمام النووي رحمه
الله :
” الجمع بين هذه الأحاديث أنه لا بأس بإطلاق ” فلان سيد ” ، و ” يا سيدي ” ، وشبه
ذلك ، إذا كان المسود فاضلا خيرا ، إما بعلم ، وإما بصلاح ، وإما بغير ذلك .
وإن كان فاسقا ، أو متهما في دينه ، أو نحو ذلك : كُره أن يقال ” سيد ” ” انتهى من
” الأذكار ” (ص/362) . وينظر أيضا : ” فتح الباري ” لابن حجر (5/179) .

ومن المقرر أن الكراهة قد
ترتفع مع العذر أو الحاجة ، وقد ترتفع في بعض الظروف والأحوال ، ونرى أن ما يسمى
بالبروتوكول الإداري ” الشكلي ” عذر كاف لرفع الحرج عن الموظف في استعمال هذه
الألقاب ، وعدم التضييق عليه في استحداث طريقة خاصة به في المكاتبة والمخاطبة .

الثالث : استثنى العلماء
أيضا من حكم الكراهة ما إذا وجدت المصلحة أو دفعت المفسدة ، أو اقتضى الظرف ذلك ،
كما وصف النبي صلى الله عليه وسلم هرقل بأنه ” عظيم الروم “، رغم أن العظمة
الحقيقية لا تكون إلا بالإيمان بالله ورسوله ، ولكن مصلحة التأليف للإسلام اقتضت
هذا الاستعمال ، كما قال ابن حجر : ” لم يُخلِه من إكرام لمصلحة التألف ” ينظر ”
فتح الباري ” (1/38) .

وقد قال الملا علي القاري في
حكم إطلاق ” المولى ” على غير المسلمين :
” إذا كان المراد به تعظيمه ، فلا شك في عدم جوازه . وأما إذا أريد به أحد معاني
المولى مما سبق فلا يبعد جوازه ، لا سيما عند الحاجة والضرورة ، والمخلص أن يكون
على سبيل التورية ” انتهى من ” مرقاة المفاتيح ” (7/3009) .

الرابع : أن الأصل في الحكم
بالكراهة لهذا ، ليس من الأمور القطيعة ؛ بل هو أمر طني قابل للاجتهاد والنظر ؛ إذ
مبناه على حديث واحد ؛ وهذا الحديث في ثبوته نظر قوي ، وإن صححه بعض أهل العلم ؛
فإنه لم يخرج بالأمر عن دائرة الاجتهاد والنظر .
وهذا الحديث : هو حديث قتادة، عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه ، أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال : ( لَا تَقُولُوا لِلْمُنَافِقِ سَيِّدٌ، فَإِنَّهُ إِنْ يَكُ
سَيِّدًا فَقَدْ أَسْخَطْتُمْ رَبَّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ ) رواه أبو داود (4977) .
وعلة هذا الحديث هي أن الإمام البخاري رحمه الله قال : ” لا يعرف سماع قتادة من ابن
بريدة ” انتهى من ” التاريخ الكبير ” (4/12) .

وقال الترمذي رحمه الله : ”
قال بعض أهل الحديث : لا نعرف لقتادة سماعا من عبد الله بن بريدة ” انتهى من ” سنن
الترمذي ” .

وقد أورد هذا علماء الرجال
في كتب التراجم ، كابن حجر ، والعلائي ، وغيرهم ، في معرض بيان الانقطاع بين قتادة
وعبد الله بن بريدة . ينظر كتاب ” أحاديث معلة ظاهرها الصحة ” (71-72) .

فمع الخلاف والنظر في أصل
ثبوت النهي عن ذلك ، وما ذُكر من المحامل والوجوه السابقة : لا يظهر لنا وجه في
التشديد في المنع من إطلاق ذلك ، في حالات يوقع فيها ذلك المنع في حرج ، أو مضرة ،
أو يفوت مصلحة معتبرة ، في الدين ، أو الدنيا .

وهذا تقرير عام ، بغض النظر
عن تعلق الأمر بما ذكر في السؤال من حال : مسبل الثياب ، وحالق اللحية ، ومدى دخوله
تحت النهي ، أو عدمه ؛ فهذا لا يحتاج إليه هنا .

والله أعلم .

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android