نعلم أن التركيز في الفترة المكية كان منصبَّاً على تقوية إيمان المسلمين ، وأريد أن أعرف تعاليم تلك الفترة والآيات التي نزلت آنذاك ، أريدها مرتبة ترتيباً زمنياً .
ترتيب نزول السور المكية والمدنية
السؤال: 221099
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
تقدم في جواب السؤال رقم : (113148) الكلام بالتفصيل عن السور المكية والمدنية ، والفرق بينها ، وخصائص كل منها .
وبينا أن الغالب في السور المكية : تقرير التوحيد والعقيدة السليمة ، خصوصا ما يتعلق بتوحيد الألوهية والإيمان بالبعث ؛ لأن غالب المخاطبين ينكرون ذلك ، مع قوة الحجة ، وكثرة الأدلة وتوافرها واستفاضتها لتقرير التوحيد .
ويمكن إجمال مميزات وخصائص السور المكية فيما يلي :
– تأسيس العقيدة الإسلامية في النفوس بالدعوة إلى عبادة الله وحده والإيمان برسالة محمد صلي الله عليه وسلم وباليوم الأخر ، وإبطال المعتقدات الوثنية الجاهلية وعباده غير الله ، وإيراد الحجج والبراهين على ذلك .
– تشريع أصول كثير من العبادات والمعاملات والآداب والفضائل العامة .
– الاهتمام بتفصيل قصص الأنبياء والأمم السابقة ، وبيان ما دعا إليه الأنبياء السابقون من عقائد ، ومواقف أممهم منهم ، وما نزل بالمكذبين من عذاب دنيوي جزاء تكذبيهم .
– قصر السور والآيات ، مع قوة اللفظ وإيجاز العبارة وبلاغة المعنى ، ليناسب تحدي أهل الفصاحة واللسان من كفار قريش والعرب .
ثانيا :
ذكر غير واحد من أهل العلم ترتيب نزول سور القرآن المكية ، وكذلك المدنية .
فقال مجد الدين الفيروز آبادي رحمه الله :
” اتَّفقوا على أَنَّ أَوّل السُّور المكِّية اقرأ باسم رَبِّكَ الذي خَلَقَ ، ثمَّ ن والقلم وَمَا يَسْطُرُونَ ، ثمَّ سورة المزمِّل ، ثمَّ سورة المدَّثِّر ، ثمَّ سورة تبَّت ، ثم إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ، ثم سَبِّحِ اسْمِ رَبِّكَ الأَعْلَى ، ثمَّ والليل إِذَا يغشى ، ثم وَالفَجْرِ ، ثم وَالضُّحَى ، ثمَّ أَلَمْ نَشْرَح ، وَزعمت الشِّيعة أَنَّهما واحدَة ، ثمَّ وَالعَصْرِ ، ثم وَالعَادِيَّاتْ ، ثم الكوثر ، ثم أَلهاكم ، ثم أَرأَيت ، (ثم الكافرون) ، ثمَّ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ ، ثم الفلق ، ثم الناس ، ثم قل هو الله أَحد ، ثمَّ وَالنَّجْم ، ثم عَبَس ، ثم القَدر ، ثمَّ والشمس وَضُحَاهَا ، ثم البروج ، ثم وَالتِّينِ ، ثم لإِيلاَفِ ، ثم القارعة ، ثم لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ القيامة ، ثم ويْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ ، ثم وَالمُرْسِلاَتِ ، ثم ق والقرآن المجيد ، ثم لاَ أُقْسِمُ بهذا البلد ، ثم والسماء والطارق ، ثم اقْتَرَبَتِ السَّاعَة ، ثم ص ، ثم الأَعراف ، ثم قُلْ أُوْحِىَ ، ثم يس ، ثم الفرقان ، ثم الملائكة ، ثم مريم ، ثم طه ، ثم الواقعة ، ثم الشعراءُ ، ثم النمل ، ثم القَصَص ، ثم بني إِسرائيل ، ثم يونس ، ثم هود ، ثم يوسف ، ثم الحِجْر ، ثم الأَنعام ، ثم الصَّافَّات ، ثم لقمان ، ثم سبأ ، (ثم الزمر) ، ثم المؤمن ، ثم (حَم السجدة) ، ثم (حَم عسق) ، ثم الزخرف ، ثم الدُّخَان ، ثم الجاثية ، ثم الأَحقاف ، ثم الذاريات ، ثم الغاشية ، ثم الكهف ، ثم النَّحل ، ثم سورة نوح ، ثم سورة إِبراهيم ، ثم سورة الأَنبياءِ ، ثم قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُون ، ثم (الم السَّجدة) ، ثم الطور ، ثم (تبارك الملك) ، ثم الحاقَّة ، ثم سأَل سائل ، ثم عَمَّ يَتَسَآءَلُون ، ثم النازعات ، ثم إِذَا السماء انفطرت ، ثم إِذَا السماء انشقت ، ثم الرُّوم ، ثم العنكبوت ، ثم المطفِّفين .
فهذه خمس وثمانون سورة نزلت بمكة ” انتهى من ” بصائر ذوي التمييز ” (1/98-99) .
وذكر هذا الترتيب بتمامه الزركشي رحمه الله في ” البرهان في علوم القرآن ” (1/193-194) إلا أنه قال آخره بعد ذكر سورة الروم :
” وَاخْتَلَفُوا فِي آخِرِ مَا نَزَلَ بِمَكَّةَ ، فَقَالَ ابن عباس : الْعَنْكَبُوتِ . وَقَالَ الضَّحَّاكُ وَعَطَاءٌ : الْمُؤْمِنُونَ . وَقَالَ مُجَاهِدٌ : وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ .
فَهَذَا تَرْتِيبُ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ بِمَكَّةَ ، وَعَلَيْهِ اسْتَقَرَّتِ الرِّوَايَةُ مِنَ الثِّقَاتِ ، وَهِيَ خَمْسٌ وَثَمَانُونَ سُورَةً ” انتهى .
وهو ما نقله الماورديّ وأَبو القاسم النِّيسابوريّ في تفسيرهما ، كما في ” البصائر ” (1/97) .
وانظر ” الإتقان ” للسيوطي (1/43) .
أما السور المدنية : فذكروا أن أَوَّل ما نزل بالمدينة : سورة البقرة ، ثم سورة الأَنفال ، ثم سورة آل عمران ، ثم الأَحزاب ، ثم الممتحِنة ، ثم النساءُ ، ثم زلزلت ، ثم الحديد ، ثم سورة محمد صلَّى الله عليه وسلم ، ثم الرعد ، ثم الرحمن ، ثم هَلْ أتى عَلَى الإنسان ثم الطلاق ، ثم لم يكن ، ثم الحشر ، ثم إِذا جاءَ نصر الله ، ثم النور ، ثم الحج ، ثم المنافقون ، ثم المجادلة ، ثم الحجرات ، ثم التحريم ، ثم الجمعة ، ثم التغابن ، ثم الصف ، ثم الفتح ، ثم التوبة ، ثم المائدة .
قال الفيروز آبادي رحمه الله :
” فهذه جملة ما نزل بالمدينة . ولم نذكر الفاتحة لأَنَّه مختلَف فيها : قيل أُنزلت بمكة ، وقيل بالمدينة ؛ وقيل بكلٍّ مرة ” انتهى من ” بصائر ذوي التمييز ” (1/99) .
وروى أبو جعفر النحاس في ” الناسخ والمنسوخ ” عن أبي عَمْرِو بْن الْعَلَاءِ ، قال : سَأَلْتُ مُجَاهِدًا عَنْ تَلْخِيصِ آيِ الْقُرْآنِ الْمَدَنِيِّ مِنَ الْمَكِّيِّ فَقَالَ : سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ : ” سُورَةُ الْأَنْعَامِ نَزَلَتْ بِمَكَّةَ جُمْلَةً وَاحِدَةً ، فَهِيَ مَكِّيَّةٌ إِلَّا ثَلَاثَ آيَاتٍ مِنْهَا نَزَلْنَ بِالْمَدِينَةِ : قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ إِلَى تَمَامِ الْآيَاتِ الثَّلَاثِ . وَمَا تَقَدَّمَ مِنَ السُّوَرِ مَدَنِيَّاتٌ . وَنَزَلَتْ بِمَكَّةَ : سُورَةُ الْأَعْرَافِ وَيُونُسَ وَهُودٍ وَيُوسُفَ وَالرَّعْدِ وَإِبْرَاهِيمَ وَالْحِجْرِ وَالنَّحْلِ – سِوَى ثَلَاثِ آيَاتٍ مِنْ آخِرِهَا فَإِنَّهُنَّ نَزَلْنَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ فِي مُنْصَرَفِهِ مِنْ أُحُدٍ – وَسُورَة بَنِي إِسْرَائِيلَ وَالْكَهْفِ وَمَرْيَمَ وَطه وَالْأَنْبِيَاءِ وَالْحَجِّ – سِوَى ثَلَاثِ آيَاتٍ : هَذَانِ خَصْمَانِ إِلَى تَمَامِ الَآيَاتِ الثَّلَاثِ فَإِنَّهُنَّ نَزَلْنَ بالمدينة – وسورة المؤمنين وَالْفَرْقَانِ وَسُورَةُ الشُّعَرَاءِ – سِوَى خَمْسِ آيَاتٍ مِنْ أخراها نَزَلْنَ بِالْمَدِينَةِ : وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ إِلَى آخِرِهَا – وَسُورَةُ النَّمْلِ وَالْقَصَصِ وَالْعَنْكَبُوتِ وَالرُّومِ وَلُقْمَانَ – سِوَى ثَلَاثِ آيَاتٍ مِنْهَا نَزَلْنَ بِالْمَدِينَةِ: وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ إِلَى تَمَامِ الْآيَاتِ – وَسُورَةُ السَّجْدَةِ – سِوَى ثَلَاثِ آيَاتٍ: أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً إِلَى تَمَامِ الْآيَاتِ الثَّلَاثِ – وَسُورَةُ سَبَأٍ وَفَاطِرٍ وَيس وَالصَّافَّاتِ وَص وَالزَّمْرِ – سِوَى ثَلَاثِ آيَاتٍ نَزَلْنَ بِالْمَدِينَةِ : قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا إِلَى تَمَامِ الثلاث آيات – والحواميم السبع وق والذاريات وَالطُّورُ وَالنَّجْمُ وَالْقَمَرُ وَالرَّحْمَنُ وَالْوَاقِعَةُ وَالصَّفُّ وَالتَّغَابُنُ – إِلَّا آيَاتٌ مِنْ آخِرِهَا نَزَلْنَ بِالْمَدِينَةِ – وَالْمُلْكُ وَن وَالْحَاقَّةُ وَسَأَلَ وَسُورَةُ نُوحٍ وَالْجِنِّ وَالْمُزَّمِّلِ – إِلَّا آيَتَيْنِ : إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ – وَالْمُدَّثِّرِ إِلَى آخِرِ الْقُرْآنِ ، إِلَّا إِذَا زُلْزِلَتِ وإذا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ فَإِنَّهُنَّ مَدَنِيَّاتٌ . وَنَزَلَ بِالْمَدِينَةِ سُورَةُ الْأَنْفَالِ وَبَرَاءَةٍ وَالنُّورِ وَالْأَحْزَابِ وَسُورَةُ مُحَمَّدٍ وَالْفَتْحِ وَالْحُجُرَاتِ وَالْحَدِيدِ وَمَا بَعْدَهَا إِلَى التَّحْرِيمِ ” .
قال السيوطي رحمه الله :
” هَكَذَا أَخْرَجَهُ بِطُولِهِ وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ ، رِجَالُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْعَرَبِيَّةِ الْمَشْهُورِينَ ” انتهى من ” الإتقان في علوم القرآن ” (1/39-40) .
وقد اختلف العلماء في سورتي الفلق والناس ، هل نزلتا بمكة أو المدينة ؟ على قولين ، وأصحهما : أنهما نزلتا بالمدينة ، يدل عليه حديث ابن عباس المتقدم آنفا .
قال ابن الجوزي رحمه الله في تفسير سورة الفلق :
” فيها قولان : أحدهما : أنها مدنية ، رواه أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال قتادة في آخرين .
والثاني : أنها مكية ، رواه كريب عن ابن عباس ، وبه قال الحسن ، وعطاء ، وعكرمة ، وجابر . والأول أصح ، ويدل عليه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم سحر وهو مع عائشة ، فنزلت عليه المعوذتان ” انتهى من ” زاد المسير ” (4/507) .
أما معرفة متى نزلت كل سورة على التحديد : فمتعذر ؛ لأنه لم يرد توقيف صحيح ، فيما نعلم ، بمثل ذلك .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة