الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
العدل أساس الشريعة الإسلامية ، والإنصاف سمتها ووسمها ، ذلك أنها شريعة أحكم الحاكمين ، ومن لا يظلم مثقال ذرة ، شريعة الخالق جل وعلا ، العالم بخفايا النفوس ، وما يصلح الناس وما ينفعهم ، وحين يجتمع كمال الحكمة وكمال العلم فسيكون حتما كمال العدل والإنصاف .
يقول الله عز وجل : ( وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) المائدة/50 ، ويقول سبحانه وتعالى : ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) يونس/44 ، ويقول نبينا عليه الصلاة والسلام : ( إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ ) رواه أبوداود (2870) ، والترمذي (2120) ، وقال حسن صحيح . وحسنه ابن عبد البر في ” التمهيد ” (24/439) ، وابن حجر في ” التلخيص الحبير ” (3/1082) .
والواجب عليك التأني والتثبت من الأحكام التي تظنها صحيحة قبل الاعتراض ؛ ذلك أن الشريعة الإسلامية لم توجب على المطلق أن ينفق على طليقته ما تبقى من عمرها إلى أن تموت أو تتزوج ، فهذا ليس من حكم الإسلام في شيء ، ولم يفرضه القرآن الكريم ، ولا السنة النبوية ، ولم يجتهد في تقريره أحد من علماء الإسلام المعتبرين ، بل الحكم الشرعي المستقر بين الفقهاء هو أن حقوق المطلقة المالية تنحصر فيما يأتي :
أولا : ما تبقى لها من مهرها المعجل والمؤجل .
ثانيا : إذا كان الطلاق رجعيا : استحقت نفقة تكفي حاجاتها الأساسية مدة العدة فحسب ، فإذا انقضت العدة فلا نفقة لها ، أما المطلقة طلاقا بائنا ، فلا نفقة لها إطلاقا إلا إذا كانت حاملا .
ثالثا : متعة الطلاق ، وهي مبلغ يفرضه القاضي لمرة واحدة ، تعويضا للمرأة عن الطلاق ، وجبرا لخاطرها ، يقدره القاضي بحسب يسار المطلق أو إعساره ، وقد قال بوجوبه فقهاء الشافعية ، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية ، خلافا لجمهور الفقهاء .
يقول الخطيب الشربيني رحمه الله :
” يجب لموطوءةٍ : متعةٌ في الأظهر الجديد ؛ لعموم قوله تعالى : ( وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ) البقرة/241 ، وخصوص قوله تعالى : ( فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنّ ) الأحزاب/28 ، وكلهن مدخولات بهن . [ ولأن ] جميع المهر وجب … [ بالدخول ] ، فخلا الطلاق عن الجبر ” انتهى بتصرف يسير من ” مغني المحتاج ” (4/398) ، وما بين المعقوفتين إضافة للتوضيح . وانظر: ” الفتاوى الكبرى ” (5/476) .
رابعا : إذا كان لها أبناء صغار منه ، فلها أجرة على الحضانة والرضاعة .
وقد سبق الحديث عن هذه الحقوق المالية في ثلاث فتاوى منشورة على موقعنا تحت الأرقام الآتية : (82641) ، (126281)، (146851) .
وبهذا تعلم أن لا محل لما ذكرت من نفقة شهرية واجبة على المطلقة حتى تتزوج أو تتوفى ، فليست هذه النفقة من شريعة الله سبحانه في شيء ، وإنما هي من تشريعات البشر ، التي دائما ما تؤدي بهم إلى الخلل والاضطراب ، فهي تشريعات ناقصة ظالمة ، وتشريعات الله سبحانه هي الكاملة العادلة .
ولا يجوز قياس هذا الظلم الواقع على الزوج المطلِّق على المتعة التي أوجبها فقهاء الشافعية رحمهم الله ، فهذا الظلم خارج عن القدرة ، يستمر مع المطلق سنين طويلة ، يستنفد طاقاته المالية ، ويرهق كاهله إلى القدر الذي يحرمه الزواج الجديد ، فيلجأ إلى المنكر والمعصية ، أو يضطر إلى تعليق زوجته ورفض طلاقها حتى ترفع أمرها إلى القضاء ، وهكذا في دوامة لا آخر لها .
في حين أن المتعة إنما شرعت لحكمة محددة وواضحة ، وهي جبر خاطر المطلقة ، وهذا يحصل بمبلغ محدد معقول ، يفرضه القاضي أو يتفق عليه الطرفان ، وتقديرها ذكره الله عز وجل في كتابه فقال سبحانه : ( وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ ) البقرة/236 ، وقال تعالى : ( وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ) البقرة/241 . فالأمر راجع لحال الزوج ، يسارا وإعسارا .
والخلاصة : أن المطلقة لا تجب لها أي نفقة ، إلا إذا كانت رجعية حتى تنتهي عدتها ، أو كانت حاملا أو حاضنة لأطفاله ، فتجب لها الأجرة مقابل رعايتها فحسب .
والله أعلم .