0 / 0
57,84905/10/2014

لماذا ظلم الإسلام الرجل فأوجب عليه نفقة مطلقته حتى تتوفى أو تتزوج ؟

السؤال: 221900

لماذا الإسلام غير منصف مع الرجال ، أنا غير متزوج ، لكنني أريد طرح هذا السؤال : لو أن رجلاً تزوج امرأة فكانت وقحة معه ، وآذته عاطفياً وذهنياً ، وجعلته يبكي كل أسبوع ، وكسرت قلبه ، وكرّهته في العيش ، والزوج رجل طيب لا يسيء إليها على الإطلاق ، وقد يأتي الطلاق حلاً في مثل هذه الحالة ، لكن هنا يظهر الإشكال ولب السؤال ، لأنه سيُلزم – أي الزوج – بالنفقة عليها حتى تتزوج رجلاً غيره ، ومن يدري ما طول هذه المدة ، وما مقدار المبلغ الذي يُدفع !
دعونا نفترض أن دخله الشهري مائة ألف ، فكم يدفع لها ، البعض يقول ينبغي أن يدفع ثلاثين ألف ، ولا فرق بين أن يكون الرجل مظلوماً أو ظالماً ، يجب عليه أن يستمر في الدفع إلى أن تتزوج أو يسبق الموت إلى أحدهما ، ولن أتحدث بالطبع عن المهر الذي غرمه لها وتجشم دفعه ، فهذا أمر قد حُسم !
أليس لهذا الرجل مسئوليات أخرى يريد القيام بها ، كالوالدين ورغبة الزواج مرة أخرى ! بل هو نفسه كإنسان يريد أن يحيا حياة خالية من هذا الضغط ، ضغط الزوجة السابقة ، والثلاثين الألف التي يجب عليه أن يحتمل همّها كل شهر ! كيف سيتزوج ويكوّن بيتاً جديداً وهو ما انفك يوجّه كل طاقاته للزوجة السابقة !

فما هي الأحكام الشرعية في مثل هذه الحالات ، وهل على الزوجة عقوبات أم لا ، وهل سترد إلى الزوج كل الأموال التي أخذتها منه يوم القيامة ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

العدل أساس الشريعة الإسلامية ، والإنصاف سمتها ووسمها ، ذلك أنها شريعة أحكم الحاكمين ، ومن لا يظلم مثقال ذرة ، شريعة الخالق جل وعلا ، العالم بخفايا النفوس ، وما يصلح الناس وما ينفعهم ، وحين يجتمع كمال الحكمة وكمال العلم فسيكون حتما كمال العدل والإنصاف .

يقول الله عز وجل : ( وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) المائدة/50 ، ويقول سبحانه وتعالى : ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) يونس/44 ، ويقول نبينا عليه الصلاة والسلام : ( إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ ) رواه أبوداود (2870) ، والترمذي (2120) ، وقال حسن صحيح . وحسنه ابن عبد البر في ” التمهيد ” (24/439) ، وابن حجر في ” التلخيص الحبير ” (3/1082) .

والواجب عليك التأني والتثبت من الأحكام التي تظنها صحيحة قبل الاعتراض ؛ ذلك أن الشريعة الإسلامية لم توجب على المطلق أن ينفق على طليقته ما تبقى من عمرها إلى أن تموت أو تتزوج ، فهذا ليس من حكم الإسلام في شيء ، ولم يفرضه القرآن الكريم ، ولا السنة النبوية ، ولم يجتهد في تقريره أحد من علماء الإسلام المعتبرين ، بل الحكم الشرعي المستقر بين الفقهاء هو أن حقوق المطلقة المالية تنحصر فيما يأتي :
أولا : ما تبقى لها من مهرها المعجل والمؤجل .
ثانيا : إذا كان الطلاق رجعيا : استحقت نفقة تكفي حاجاتها الأساسية مدة العدة فحسب ، فإذا انقضت العدة فلا نفقة لها ، أما المطلقة طلاقا بائنا ، فلا نفقة لها إطلاقا إلا إذا كانت حاملا .
ثالثا : متعة الطلاق ، وهي مبلغ يفرضه القاضي لمرة واحدة ، تعويضا للمرأة عن الطلاق ، وجبرا لخاطرها ، يقدره القاضي بحسب يسار المطلق أو إعساره ، وقد قال بوجوبه فقهاء الشافعية ، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية ، خلافا لجمهور الفقهاء .

يقول الخطيب الشربيني رحمه الله :
” يجب لموطوءةٍ : متعةٌ في الأظهر الجديد ؛ لعموم قوله تعالى : ( وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ) البقرة/241 ، وخصوص قوله تعالى : ( فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنّ ) الأحزاب/28 ، وكلهن مدخولات بهن . [ ولأن ] جميع المهر وجب … [ بالدخول ] ، فخلا الطلاق عن الجبر ” انتهى بتصرف يسير من ” مغني المحتاج ” (4/398) ، وما بين المعقوفتين إضافة للتوضيح . وانظر: ” الفتاوى الكبرى ” (5/476) .
رابعا : إذا كان لها أبناء صغار منه ، فلها أجرة على الحضانة والرضاعة .
وقد سبق الحديث عن هذه الحقوق المالية في ثلاث فتاوى منشورة على موقعنا تحت الأرقام الآتية : (82641) ، (126281)، (146851) .

وبهذا تعلم أن لا محل لما ذكرت من نفقة شهرية واجبة على المطلقة حتى تتزوج أو تتوفى ، فليست هذه النفقة من شريعة الله سبحانه في شيء ، وإنما هي من تشريعات البشر ، التي دائما ما تؤدي بهم إلى الخلل والاضطراب ، فهي تشريعات ناقصة ظالمة ، وتشريعات الله سبحانه هي الكاملة العادلة .

ولا يجوز قياس هذا الظلم الواقع على الزوج المطلِّق على المتعة التي أوجبها فقهاء الشافعية رحمهم الله ، فهذا الظلم خارج عن القدرة ، يستمر مع المطلق سنين طويلة ، يستنفد طاقاته المالية ، ويرهق كاهله إلى القدر الذي يحرمه الزواج الجديد ، فيلجأ إلى المنكر والمعصية ، أو يضطر إلى تعليق زوجته ورفض طلاقها حتى ترفع أمرها إلى القضاء ، وهكذا في دوامة لا آخر لها .
في حين أن المتعة إنما شرعت لحكمة محددة وواضحة ، وهي جبر خاطر المطلقة ، وهذا يحصل بمبلغ محدد معقول ، يفرضه القاضي أو يتفق عليه الطرفان ، وتقديرها ذكره الله عز وجل في كتابه فقال سبحانه : ( وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ ) البقرة/236 ، وقال تعالى : ( وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ) البقرة/241 . فالأمر راجع لحال الزوج ، يسارا وإعسارا .

والخلاصة : أن المطلقة لا تجب لها أي نفقة ، إلا إذا كانت رجعية حتى تنتهي عدتها ، أو كانت حاملا أو حاضنة لأطفاله ، فتجب لها الأجرة مقابل رعايتها فحسب .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android