0 / 0

حكم استعمال لوحة الرجل الفيتروفي في دراسة التشريح البشري

السؤال: 222046

هل يحرم رسم ودراسة علم التشريح البشري ، حيث قد تُستخدم صورة الرجل ” الفيتروفي ” للفنان ليوناردو دافنشي مثلاً . وهذا يعني أن الصورة قد تمثل جسداً عارياً تماماً ، فقط لأغراض تعليمية وفنية ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

لوحة ” الرجل الفيتروفي ” (Vitruvian Man) رسمها الإيطالي ” ليوناردو دافينشي ” في العام ( 1490م ) ، تشتمل على صورة رجلين عاريين في وضع متراكب ، أحدهما داخل دائرة ، والآخر داخل مربع ، كلاهما ممدودا الذراعين أفقيًا ، وكتب تحت الرسم نصا معكوسا لا يقرأ إلا بالنظر إليه في المرآة . حاول في هذه اللوحة إظهار إيمانه بفكرة ( النِّسَب ) في هذا الكون ، أي أن جميع الخلق يترابط فيها بينه بنسب ثابتة في الهيئة والشكل ، فمثلا الذراع طوله ست مرات عرض كف اليد ، ومركز الإنسان ومركز الدائرة ونقطة تلاقى قطري المربع هي سرة الإنسان ، ونحو ذلك من الأطوال وبيان التناسب بينها . وقد كانت هذه النظرة محل عناية خاصة لدى ” ليوناردو دافينشي ” ، يرمز فيها إلى التناسب ما بين جسد الإنسان والكون ، والتلاحم ما بين الفن والعلوم ، لذلك كانت هذه اللوحة شعارا لما يسمى بـ ” عصر النهضة ” في التاريخ الأوروبي ، واتخذت شعارا من قبل العديد من الشركات الطبية ، ورمزا تاريخيا للحداثة والعلوم .
للتوسع ينظر الرابط الآتي :
http://en.wikipedia.org/wiki/Vitruvian_Man

وأما من جهة الحكم الشرعي لاستعمال مثل هذه الصور ، فلا بد من العلم أن الشريعة الإسلامية تحفظ المقاصد الأساسية ، والمصالح الضرورية ، وتراعي حاجات الناس وما يصلح شؤونهم ؛ حتى لو كان الأمر محرما تحريم وسائل ، فإن هذا التحريم يزول ويرتفع في حالة الحاجة التي تحفظ على الإنسان صحته وسلامته ، وهذا ما يعبر عنه الفقهاء بقولهم : ” الضرورات تبيح المحظورات ” ، وقولهم : ” الحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة ” ، فأجازوا – بناء على الأدلة الشرعية – للطبيب النظر إلى العورات لحاجة العلاج ، فمن باب أولى أن تجيز النظر إلى الرسم والصورة لحاجة تعلم العلاج .

يقول العز بن عبد السلام رحمه الله :
” كشف العورات والنظر إليها مفسدتان محرمتان على الناظر والمنظور إليه ، لما في ذلك من هتك الأستار ، ويجوزان لما يتضمنانه من مصلحة الختان ، أو المداواة ، أو الشهادات على العيوب ” انتهى باختصار من ” قواعد الأحكام ” (1/115) .

وجاء في قرار ” المجمع الفقهي الإسلامي ” رقم : 48 (10/1) : التأكيد على إباحة تشريح جثث الموتى ؛ لغرض تعليم الطب ، فقالوا : ” يجوز تشريح جثث الموتى [ لغرض ] تعليم الطب وتعلمه ، كما هو الحال في كليات الطب ” انتهى باختصار . وقد ذكروا بعض القيود المهمة لجواز التشريح .

فمن باب أولى أن يفتى بجواز النظر إلى رسوم معينة لغرض تعليم التشريح البشري .
وقد سبق تقرير ذلك بالتفصيل في موقعنا ، في الفتوى رقم : (92820) ، (40054) ، (130353) .

ولا فرق – في تقديرنا الفقهي – بين نظر المرأة إلى هذه الرسوم وبين نظر الرجل ، فالمرأة التي تتعلم الطب تحتاج أيضا إلى التعرف على جميع تفاصيل جسم الإنسان ، فهو وحدة واحدة ، ترتبط تركيبة الذكر والأنثى بالخلقة الواحدة ، والأجهزة المشتركة ، والطبيب الذي يبحث أن يفتح الله عليه فهم حقيقة عمل الجسم البشري لا بد أن يتعرف ويدرس جميع أجهزته وطبيعة خلقه ، سواء كان ذكرا أم أنثى ، ولا يمكن أن يتوصل إلى دراسة الطب إلا بذلك ، فهذه الضرورة أولى بدرجات من مخالفة النظر إلى صورة العورة ، ولهذا تقدم الشريعة مصلحة تعليم الطب على مفسدة النظر إلى رسم العورة .

على أنه ، لا ينبغي أن يغيب عن البال : أن الضرورة تقدر بقدرها ، فما ساغ لمصلحة الدراسة ، لا يجوز التوسع في استعماله ونشره والنظر إليه لغير هذه المصلحة المعتبرة .
وما أمكن دراسته والتعرف عليه ، وتحصيل مصلحة الدراسة على وجهها ، من دون النظر إلى العورات ، أو مباشرتها : لم يحل فيه انتهاك مثل هذه العورات ، مباشرة ، أو رسما ، أو نظرا ، ولو كان إلى صورة مرسومة .

وأما الأغراض الفنية : فليست في حد الضرورة ، بل ولا الحاجة المعتبرة شرعًا ، فلا يباح انتهاك العورات لأجلها .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android