منذ سبعة أشهر طلقت زوجتي ، والتي هي أم لولدين بيننا ، كنت أحبُّها حبّاً شديداً ، لكن نظراً لبعض الوسواس : طلقتها ، وندمت على ذلك ، بعد ذلك بمدة : تزوجتْ من شخص آخر ، ثم طلقها ، فحمدتُ الله على ذلك ، فتزوجتها من جديد ، منذ عدة أيام وجدتها تبكي ، فعندما سألتها في ذلك قالت : إنها ما تزوجت ذلك الرجل إلا ليطلقها ، وقد أخبرته بذلك بعد الزواج ، وقالت له : أنا لا أحبك ، وإنما أحب رجلاً آخر ، فقال لها : طالما أنك تحبين رجلاً آخر فأنتِ طالق .
طبعاً أنا لا أعلم شيئاً عن هذا ، حتى أني لا أعرف زوجها الذي تزوجته ، فهل زواجنا هذا صحيح ، أم أننا ندخل من ضمن الذين لعنهم النبي صلى الله عليه وسلم ( لعن الله المحلِّل والمحلَّل له ) ؟
إذا تزوجت المطلقة ثلاثا بنية أن تعود للأول وسألت الطلاق من الثاني فهل يحل ذلك ؟
السؤال: 222341
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
سبق في جواب السؤال رقم : (222367) بيان نكاح التحليل ، وأنه نكاح محرم من كبائر الذنوب ، ولا يصح ، وأن المرأة لا تحل به لا للزوج الثاني ، ولا لزوجها الأول ، لأنه نكاح فاسد غير معتد به شرعا ،
وإذا نوى الزوج الثاني التحليل فهو حرام ، سواء اتفق على ذلك مع الزوج الأول أو المرأة أو وليها ، أو لم يتفق مع أحد .
وأما إذا نوت المرأة التحليل ولم يعلم بذلك الزوج الثاني فقد اختلف العلماء في حكم ذلك النكاح ، هل يكون نكاح تحليل لا يصح ، أو يكون نكاحا صحيحا ؟
فمنهم من يرى أنه لا تأثير لنية المرأة ؛ لأنها لا تملك الفراق من زوجها ، ويقولون : ” من لا فُرقة بيده لا أثر لنيَّته ” ، وهو قول الحنفية ، والمالكية ، والحنابلة ، وأحد أقوال الشافعي .
والقول الثاني : أن لنيتها تأثيراً ، ويكون نكاح تحليل محرم ، كما لو نوى الزوج الثاني ، وقد ورد ذلك عن بعض التابعين .
فعن إبراهيم النخعي أنه قال : ” إذا همَّ الزوج الأول , أو المرأة , أو الزوج الأخير , بالتحليل : فالنكاح فاسد.
وعن الحسن وإبراهيم النخعي أنهما قالا : ” إذا هم أحد الثلاثة بالتحليل فقد فسد العقد رواهما سعيد ” .
” إقامة الدليل على إبطال التحليل ” ( ص 8 ، 9 ) .
والصواب في حكم هذه المسألة التفصيل :
فإذا نوت المرأة الرجوع إلى زوجها الأول إذا فارقها الثاني ولم تطلب الطلاق من الثاني ولم تتسبب فيه ، فهذه النية لا تؤثر في العقد ، ولا تأثم بها .
أما إذا تزوجت بقصد الرجوع إلى الأول وسعت في مفارقة الزوج الثاني إما بطلب الطلاق أو الخلع أو تؤذيه ولا تؤديه حقه حتى يطلقها ، فإذا فعلت ذلك كان العقد في حقها محرما ، وإذا فارقها ذلك الزوج فلا يحل لها أن ترجع إلى الأول ، لأن عقدها مع الثاني لم يكن نكاحا صحيحا .
وهذا ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، وبّيَّن أن قول جمهور العلماء بأن نية المرأة لا تؤثر ، بّيَّن أن هذا إذا نوت فقط ، ولم تفعل شيئا ، وأما إذا فعلت ما يكون سببا للطلاق من الثاني فإن الحكم يختلف ، ويكون هذا النكاح في حقها نكاح تحليل .
فقال رحمه الله :
” والكلام في هذا الموضع يظهر ببيان حال المرأة في النية ، وهي مراتب :
الأولى : أن تنوي أن هذا الزوج الثاني إن طلقها ، أو مات عنها ، أو فارقها بغير ذلك : تزوجت بالأول ، فهذا قصد محض لما أباحه الله ، لم يقترن بهذا القصد فعل منها في الفرقة ، وإنما نوت أن تفعل ما أباحه الله ، إذا أباحه الله ، فهذا مثل أن ينوي الرجل أن فلانا إن طلق امرأته ، أو مات عنها : تزوجها ، أو تنوي المرأة التي لم تطلَّق أنها إن فارقها هذا الزوج تزوجت بفلان .
فهذه الصور كلها لم تتعلق بهذا العقد ، ولا بفسخه ، فلم تؤثر فيه .
المرتبة الثانية : أن تتسبب إلى أن يفارقها مثل أن تسأله أن يطلقها ، أو أن يخلعها ، وتبذل له مالاً على الفرقة ، أو تظهر له محبتها للأول ، أو بغضها المقام معه حتى يفارقها .
فإن كانت حين العقد تنوي أن تتسبب إلى الفرقة بهذه الطرق : فهذه أسوأ حالاً من التي حدث لها إرادة الاختلاع لتتزوج بغيره مع استقامة الحال ، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد قال : ( المُخْتَلِعات والمُنْتَزِعَات هُنَّ المُنَافِقَات ) : فالتي تختلع لتتزوج بغيره لا لكراهته : أشد ، وأشد ، ومن كانت من حين العقد تريد أن تختلع وتنتزع لتتزوج بغيره : فهي أولى بالذم والعقوبة ؛ لأن هذه غارَّة للرجل [أي خادعة له]، مدلِّسة عليه ، ولو علم أنها تريد أن تتسبب في فرقته : لم يتزوجها ، فكيف إذا علم أن غرضها أن تتزوج بغيره . وهذه الصورة لا يجب إدخالها في كلام أحمد رضي الله عنه ، فإنه إنما رخص في مطلَق نية المرأة ، ونية المرأة المطلَّقة إنما تتعلق بأن تتزوج الأول ، وذلك لا يستلزم أن تنوي اختلاعا من الثاني لتتزوج الأول ، فإن هذا نية فعل محرم في نفسه لو حدث … والمرأة إذا تزوجت قاصدة للتسبب في الفُرقة : فهذا التحريم لحقِّ الزوج ؛ لما في ذلك من الخلابة والخديعة له … والعقد هنا ثابت من جهة الزوج ، بأنه نكح نكاح رغبة ، ومن جهة المرأة فإنها لا تملك الفرقة ، فصار الذي يملك الفرقة لم يقصدها ، والذي قصدها لم يملكها ، لكن لما كان من نية المرأة التسبب إلى الفرقة : صار هذا بمنزلة العقد الذي حرم على أحد المتعاقدين لإضراره بالآخر .
المرتبة الثالثة : أن تتسبب إلى فرقته ، مثل أن تبالغ في استيفاء الحقوق منه ، والامتناع من الإحسان إليه ، لست أعني أنها تترك واجباً تعتقد وجوبه ، أو تفعل محرَّماً تعتقد تحريمه ، لكن غير ذلك مثل أن تطالبه بالصداق جميعه ، ليفسخ ، أو يُحبس ، أو …. .
المرتبة الرابعة: أن تتسبب إلى فرقته بمعصية مثل أن تنشز عليه ، أو تسيء العشرة ، بإظهار الكراهة في بذل حقوقه ، أو غير ذلك ، مما يتضمن ترك واجب ، أو فعل محرم ، مثل طول اللسان ، ونحوه : فإن هذا لا ريب أنه من أعظم المحرمات ، وكل ما دل على تحريم النشوز ، وعلى وجوب حقوق الرجل : فإنه يدل على تحريم هذا …
المرتبة الخامسة : أن تفعل هي ما يوجب فرقتها ، مثل أن ترتد …
المرتبة السادسة : أن تقصد وقت العقد الفرقة بسبب تملكه بغير رضى الزوج ، مثل أن تتزوج بفقير تنوي طلب فرقته بعد الدخول بها : فإنها تملك ذلك في إحدى الروايتين عن أحمد وغيره ، فإنها إذا رضيت بمعسر ثم سخطته : ففي ثبوت الفسخ قولان معروفان .
لكن نيتها تؤثر في جانبها خاصة فلا يحصل لها بهذا النكاح حلُّها للأول ، حيث لم تقصد أن تَنْكِح ، وإنما قصدت أن تُنْكح ، والقرآن قد علَّق الحلَّ بأن تَنْكِحَ زوْجاً غيره ، وقد تقدم أن قوله : ( حتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ) : يقتضي أن يكون هناك نكاح حقيقة من جهتها لزوج هو زوج حقيقة ، فإذا كان محلِّلا لم يكن زوجاً بل تيساً مستعاراً ، وإذا كانت قد نوت أن تفعل ما يرفع النكاح : لم تكن ناكحة حقيقة .
وهذه المراتب التي ذكرناها في نية المرأة لا بد من ملاحظتها ، ولا تحسبن أن كلام أحمد وغيره من الأئمة أن نية المرأة ليست بشيءٍ يعم ما إذا نوت أن تفارق بطريقٍ تملكه ؛ فإنهم عللوا ذلك بأنها لا تملك الفرقة ، وهذه العلة منتفية في هذه الصورة ، ثم إنهم قالوا : إن نية المرأة ليست بشيء ، فأما إذا نوت وعمِلت ما نوت : فلم ينفوا تأثير العمل مع النية … فأما إذا نوت فعلاً محرَّماً ، أو خديعة ، أو مكراً ، وفعلت ذلك : فهذا نوع آخر ، وبهذا التقسيم يظهر حقيقة الحال في هذا الباب ، ويظهر الجواب عما ذكرناه من جانب من اعتبر نية المرأة مطلقاً ، والمسألة تحتمل أكثر من هذا ، ولكن هذا الذي تيسر الآن ” انتهى من ” الفتاوى الكبرى ” (6 / 304 – 320 ) باختصار .
وهو الذي رجحه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ، حيث قال :
” وماذا لو نوته الزوجة ، فوافقت على التزوج بالثاني من أجل أن تحل للأول ؟ فظاهر كلام المؤلف : أنه لا أثر لنية الزوجة ؛ ووجهه : أنه ليس بيدها شيء ، والزوج الثاني لا يطلقها ؛ لأنه تزوجها نكاح رغبة ، فليس على باله هذا الأمر ، فإن لم تنوه هي ، ولكن نواه وليها : فكذلك .
ولهذا قال بعض الفقهاء عبارة تعتبر قاعدة ، قال : ” مَن لا فُرقة بيده : لا أثر لنيته ” ، فعلى هذا تكون الزوجة ووليها لا أثر لنيتهما ؛ لأنه لا فُرقة بيدهما .
وذهب بعض أهل العلم إلى أن نية المرأة ووليها : كنية الزوج ، وهو خلاف المذهب ، وسلموا بأنه لا فرقة بيدهما ، لكن قالوا : بإمكانهما أن يسعيا في إفساد النكاح ، بأن تنكِّد على الزوج حتى يطلقها ، أو يغروه بالدراهم ، والنكاح عقد بين زوج وزوجة ، فإذا كانت نية الزوج مؤثرة : فلتكن نية الزوجة مؤثرة أيضاً .
فعندنا ثلاثة : الزوج ، والزوجة ، والولي ، والذي تؤثر نيته منهم هو : الزوج ، على المذهب ، والقول الراجح : أن أي نية تقع من واحدٍ من الثلاثة : فإنها تبطل العقد ؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم : ( إنما الأعمال بالنيات ) والولي حينما عقد لم ينوِ نكاحاً مستمراً دائماً ، وكذلك الزوجة .
فإذا قال قائل : امرأة رفاعة القرظي تزوجت عبد الرحمن بن الزَّبير رضي الله عنهما ، وجاءت تشكو للرسول عليه الصلاة والسلام أن ما معه مثل هدبة الثوب ، فقال لها : ( أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة ؟ ) ، فقالت : ” نعم ” : ألا يدل ذلك على أن نية الزوجة لا تؤثر ؟ نقول : هذه الإرادة ، هل هي قبل العقد ، أو حدثت بعد أن رأت الزوج الثاني بهذا العيب ؟ الذي يظهر : أنها بعد أن رأته ؛ لأن كون الرجل يتزوجها ويدخل بها ، وليس عندها أي ممانعة ، ثم جاءت تشتكي : فظاهر الحال : أنه لولا أنها وجدت هذه العلة ما جاءت تشتكي ، والله أعلم ، وإن كان الحديث فيه احتمال ” .
انتهى من ” الشرح الممتع على زاد المستقنع ” ( 12 / 177 ، 178 ) .
فهذا القول هو الراجح ، وبه يُعلم الجواب على سؤالك ، فما دامت الزوجة قد تزوجت بنية التحليل وفعلت ما هو سبب لطلاقها ، وهو إخبارها الزوج الثاني بأنها لا تحبه وتحب غيره ، فنكاحها من الثاني لم يكون صحيحا في حقها ، ولا تحل به لزوجها الأول .
وأنت وزوجها الثاني لا إثم عليكما ، ولكن لا يحل لك التزوج بها ، فعليك أن تفارقها .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة