0 / 0
11,21114/10/2014

كانا يتمازحان بالمسدس فقتل صاحبه ، فماذا يلزمه ؟

السؤال: 222791

رجلان يتمازحان بمسدس ، فقال أحدها للآخر : سأقتلك . فأجابه : لا تمزح ، فالمسدس ربما يكون به طلقة . وتجادلا أفيه طلقة أم لا ، فأطلق عليه النار فقتله .
فما هي دية القتل الخطأ ؟
علماً أن المقتول يبلغ من العمر ثمانية عشر عاما ، وهو يتيم الأب ووحيد لأمه .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
أعظم من الجواب على مقدار الدية هو الجواب على شنيع هذا الفعل ، وسوء تلك النفس التي تمازح بما فيه الحتف والموت ، تستبيح القتل ، وتتهاون في أسباب الأذى والموت بما يبلغ مدى لا أبعد منه استهتارا واستخفافا وجرأة على شريعة الله سبحانه وتعالى .
فليأخذ العبرة كل من تسول له نفسه مثل هذه الأفعال الفظيعة ، وليتعلم الدرس كل المستكبرين الذين لا يراعون الحرمات ، ولا يحتاطون لدماء الناس وأعراضهم ، فيتسببون بالفجيعة للأم المكلومة التي فقدت وحيدها ، وكأنها لا يكفيها ما فجعت به في بلدها السليب لأعمال القتل والدمار ، وأهلها الذين شردتهم الحرب في بلاد الله الواسعة !!

فلنتق الله تعالى في أنفسنا أولا ، ولنعلم أننا محاسبون على أعمالنا ، وأنه لا يضيع عند الله عز وجل مثقال ذرة من ظلم وعدوان .
يقول الله عز وجل : ( وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا ) فاطر/45 .

ثانيا :
أما حساب مقدار الدية ، فهي مائة من الإبل ، يسلمها القاتل إلى أهل المقتول كاملة غير منقوصة ، مهما بلغ ثمنها وقيمتها . فإن لم تتوفر الإبل في بلادكم ، أو كانت بأعلى من سعر المثل نتيجة بعض الظروف ، أو تم التوافق مع أولياء المقتول على دفع قيمة الإبل بدلا عنها ، أو التصالح على مبلغ أقل من قيمة الدية : فلا حرج في ذلك .
يقول الله تعالى : ( ومَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ ودِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ ) النساء/92 ، فقد دل هذا القول الكريم على أن الواجب في القتل الخطأ الكفارة والدية . ولقد وضح النبي صلى الله عليه وسلم المراد بالدية في الآية الكريمة في أحاديث كثيرة ، منها في قصة قتل عبد الله بن سهل رضي الله عنه ، قال : ( فَوَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عِنْدِهِ مِائَةَ نَاقَةٍ ) رواه البخاري (7192) ، ومسلم (1669) .
وأيضا الحديث الذي رواه مالك في ” الموطأ ” (2/849) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ ، عَنْ أَبِيهِ ؛ أَنَّ فِي الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فِي الْعُقُولِ : ( أَنَّ فِي النَّفْسِ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ ) ، ودل عليه أيضا حديث ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قال : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ ، وَهُوَ عَلَى دَرَجِ الْكَعْبَةِ : ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَ وَعْدَهُ ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ ، أَلَا إِنَّ قَتِيلَ الْعَمْدِ الْخَطَإِ بِالسَّوْطِ أَوِ الْعَصَا فِيهِ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ – وَقَالَ مَرَّةً : الْمُغَلَّظَةُ – فِيهَا أَرْبَعُونَ خَلِفَةً ، فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا ) رواه أحمد في ” المسند ” (8/188) وقال المحققون : إسناده صحيح على شرط الشيخين .
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فِي دِيَةِ الْخَطَإِ عِشْرُونَ حِقَّةً ، وَعِشْرُونَ جَذَعَةً ، وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ ، وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ ، وَعِشْرُونَ بَنِي مَخَاضٍ ذُكُرٍ ) رواه أبو داود في ” السنن ” (4545) ، ولكن في إسناده ضعفا بسبب حجاج بن أرطأة ، والاختلاف في أوجه روايته بين الرفع والوقف ، وقد أعله الدارقطني في ” السنن ” (3364) ، وضعفه محققون آخرون ، منهم الألباني في ” ضعيف سنن أبي داود ” .

وقد نص فقهاء الشافعية ، وفي رواية عن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله ، أنه لا يجزئ سوى ذلك ، إما مائة من الإبل ، أو قيمتها مهما بلغت ، إلا أن يعفو أولياء المقتول .

يقول النووي رحمه الله :
” في قتل الحر المسلم مائة بعير … ومن لزمته وله إبل فمنها ، وقيل من غالب إبل بلده ، وإلا فغالب قبيلة بدوي ، وإلا فأقرب بلاد ، ولا يعدل إلى نوع وقيمة إلا بتراض ، ولو عدمت فالقديم ألف دينار أو اثنا عشر ألف درهم . والجديد قيمتها بنقد بلده ” انتهى من ” منهاج الطالبين ” (ص/279)

وقال الخطيب الشربيني الشافعي رحمه الله – في شرح ما سبق – :
” الجديد الواجب قيمتها ، أي الإبل ، وقت وجوب تسليمها ، بالغة ما بلغت ؛ لأنها بدل متلف فيرجع إلى قيمتها عند إعواز أصله ، وتقوَّم بنقد بلده الغالب ؛ لأنه أقرب من غيره وأضبط ” انتهى من ” مغني المحتاج ” (5/300) .

ويقول المرداوي رحمه الله :
” وعن [ الإمام أحمد ] : أن الإبل هي الأصل خاصة . وهذه أبدال عنها . فإن قدر على الإبل أخرجها . وإلا انتقل إليها . قال ابن منجا في شرحه : وهذه الرواية هي الصحيحة من حيث الدليل . قال الزركشي : هي أظهر دليلا ، ونصره . وهي ظاهر كلام الخرقي . حيث لم يذكر غيرها . وقال جماعة من الأصحاب ، على هذه الرواية : إذا لم يقدر على الإبل انتقل إليها . وكذا لو زاد ثمنها ” انتهى من ” الإنصاف ” (10/58) .

ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
” هذا هو ظاهر كلام الخرقي رحمه الله ، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية ، وجماعة من الأصحاب ، وهذا هو الذي عليه العمل عندنا ، فلا يزال الناس من قديم الزمان يحكمون بأن الأصل في الدية الإبل ” انتهى من ” الشرح الممتع على زاد المستقنع ” (14/119) .

وبناء على ما سبق ، فالواجب على القاتل أداء دية شبه العمد ، مائة من الإبل مغلظة ، بالأسنان الآتية : خمساً وعشرون بنت مخاض ( دخلت في السنة الثانية ) ، وخمساً وعشرون بنت لبون ( دخلت الثالثة ) ، وخمساً وعشرون حقة ( دخلت عامها الرابع )، وخمساً وعشرون جذعة ( دخلت الخامسة من العمر ) .

أو تقدير قيمتها في البلد التي وقعت فيها جريمة القتل ، ودفع تلك القيمة لأولياء المقتول .

وإنما قلنا إنها دية شبه عمد ؛ لأن القاتل قصد المقتول بالمسدس ، ولكنه ظن أنه لا يشتمل على الرصاص ، فوقع القتل ، ولو غلب على ظن القاضي أن القتل عمد فله أن يحكم بذلك ، فمثل هذا التصرف الأهوج قد يكون عمداً ، ولا يجوز أن يمر بسهولة وخاصة إذا وجدت عداوة سابقة بينهما أو ادعى أولياء الدم عليه بأنه متعمد ، فلا بد من نظر القاضي الشرعي ، ولا تؤخذ الفتوى به من موقعنا دون النظر في جميع الملابسات ، فإذا قضى القاضي بأنه ليس بعمد تؤدى دية ( شبه العمد ) كما سبق ، وليست دية ( الخطأ ) .

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
” النوع الثاني : الخطأ الذي يشبه العمد . قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ألا إن في قتل الخطأ شبه العمد ما كان في السوط والعصا مائة من الإبل ، منها أربعون خلفة في بطونها أولادها ) سماه شبه العمد ؛ لأنه قصد العدوان عليه بالضرب ؛ لكنه لا يقتل غالبا . فقد تعمد العدوان ، ولم يتعمد ما يقتل ” انتهى من ” مجموع الفتاوى ” (28/378) .

وللمزيد ينظر الفتوى رقم : (52809) .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android