0 / 0

حديث : ( من أدركه الفجر جنبا فلا يصم )

السؤال: 222812

أخرج الإمام أحمد بسند على شرط الشيخين وغيره عن أبي هريرة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: ( إذا نودي للصلاة وأحدكم جُنُب فلا يصم يومئذ ) . وهذا الحديث كما قال العلماء مخالف لما في الصحاح عن عائشة وعن أم سلمة : " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنبا ، ثم يغتسل ويصوم " , والجمهور كما هو معلوم على عدم العمل بحدث أبي هريرة ، فقيل : إن الحديث منسوخ ، لكن قال ابن كثير إن التاريخ لا يُعرف ، وقال أيضا: " ومنهم من حمله على نفي الكمال " فلا صوم له " لحديث عائشة وأم سلمة الدالين على الجواز ، وهذا المسلك أقرب الأقوال وأجمعها ". ما معنى قوله نفي الكمال ؟ وما هو الراجح بين هذه الأقوال ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
" مَنْ أَجْنَبَ لَيْلاً ، ثُمَّ أَصْبَحَ صَائِمًا ، فَصَوْمُهُ صَحِيحٌ ، وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَذَلِكَ: لِحَدِيثِ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ – رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا – قَالَتَا : ( نَشْهَدُ عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ كَانَ لَيُصْبِحُ جُنُبًا، مِنْ غَيْرِ احْتِلاَمٍ ثُمَّ يَغْتَسِل ، ثُمَّ يَصُومُ ) قَال الشَّوْكَانِيُّ : وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ، وَجَزَمَ النَّوَوِيُّ بِأَنَّهُ اسْتَقَرَّ الإْجْمَاعُ عَلَى ذَلِكَ ، وَقَال ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: إِنَّهُ صَارَ إِجْمَاعًا أَوْ كَالإْجْمَاعِ " انتهى من " الموسوعة الفقهية " (28/ 63) .
وانظر جواب السؤال رقم : (43307) ، (181351) .
وروى البخاري (1926) ، ومسلم (1109) أن أبا هريرة رضي الله عنه كان يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( مَنْ أَدْرَكَهُ الْفَجْرُ جُنُبًا فَلَا يَصُمْ ) فبلغه قول عائشة وأم اسلمة السابق فقال لمن أخبره : " أَهُمَا قَالَتَاهُ لَكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: هُمَا أَعْلَمُ ، ثُمَّ رَدَّ أَبُو هُرَيْرَةَ مَا كَانَ يَقُولُ فِي ذَلِكَ إِلَى الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : سَمِعْتُ ذَلِكَ مِنَ الْفَضْلِ، وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ أبو بكر بن عبد الرحمن (الراوي عن أبي هريرة) : فَرَجَعَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَمَّا كَانَ يَقُولُ فِي ذَلِكَ " .
وروى ابن ماجة (1702) عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : " لَا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ ، مَا أَنَا قُلْتُ : ( مَنْ أَصْبَحَ وَهُوَ جُنُبٌ فَلْيُفْطِرْ ) مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهُ ". وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجة" .
وروى ابن أبي شيبة (2/ 330) عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَجَعَ عَنْ فُتْيَاهُ : " مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا فَلَا صَوْمَ لَهُ "
وقد اتفق العلماء على العمل بحديث عائشة وأم سلمة وعدم العمل بحديث أبي هريرة في هذا ، ويؤيد ذلك أن أبا هريرة رضي الله عنه نفسه قد رجع عن فتياه إلى قولهما .
وقد تعددت آراء العلماء في الجواب عن حديث أبي هريرة .
فقال بعضهم : يترجح حديث عائشة وأم سلمة على حديث أبي هريرة لأنه أصح إسنادا ، ولأن رواية اثنين مقدمة على رواية واحدٍ .
انظر : "نيل الأوطار" (4/ 253) .
قال الإمام البخاري رحمه الله بعد أن روى الحديثين : " وَالأَوَّلُ أَسْنَدُ " يعني حديث عائشة وأم سلمة .
وقال بعض العلماء : إن حديث أبي هريرة منسوخ .

قال ابن المنذر رحمه الله : " أَحْسَن مَا سَمِعْتُ فِي هَذَا : أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَحْمُولًا عَلَى النَّسْخِ …… فَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُفْتِي بِمَا سَمِعَهُ مِنَ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ عَلَى الْأَمْرِ الْأَوَّلِ ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِالنَّسْخِ، فَلَمَّا سَمِعَ خَبَرَ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ صَارَ إِلَيْهِ " .
انتهى من "السنن الكبرى" للبيهقي (4/ 363)
ومن العلماء من حمل حديث أبي هريرة على نفي الكمال المستحب .
قال ابن كثير :
" وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى نَفْيِ الْكَمَالِ " فَلَا صَوْمَ لَهُ " لِحَدِيثِ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ الدَّالَّيْنِ عَلَى الْجَوَازِ ، وَهَذَا الْمَسْلَكُ أَقْرَبُ الْأَقْوَالِ وَأَجْمَعُهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ " .
انتهى من " تفسير ابن كثير" (1/ 517) .
ومعنى نفي الكمال : أن الأفضل والأكمل لمن أراد أن يصوم أن يغتسل قبل الفجر ، ليكون على طهارة من أول اليوم ، فإن أخر الاغتسال إلى ما بعد الفجر فهو جائز .
جاء في "الموسوعة الفقهية" (28/ 63):
وَحُمِل حديث أبي هريرة عَلَى النَّسْخِ أَوِ الإْرْشَادِ إِلَى الأْفْضَل ، وَهُوَ: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَغْتَسِل قَبْل الْفَجْرِ، لِيَكُونَ عَلَى طَهَارَةٍ مِنْ أَوَّل الصَّوْمِ " انتهى .
ولعل أقوى الأقوال أن حديث أبي هريرة رضي الله عنه منسوخ ، ويدل لذلك أن أبا هريرة رجع إلى العمل بحديث عائشة وأم سلمة ، وترك ما كان يحدث به .
والله تعالى أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android