يقول الشيخ رحمت الله الهندي (ت1308هـ) في كتابه ” إظهار الحق ” ( من صفحة 617 إلى صفحة 625 ) : إن النصارى يغالطون الناس بقولهم : إن بعض النسخ القديمة من الإنجيل – كالنسخة الإسكندرية والفاتيكانية والافريمية – كتبت في القرن الرابع أو الخامس الميلادي ، قبل بعثة النبي صلى الله وعليه وسلم .
يقول الشيخ : إنه يجب علينا نحن المسلمين أن نعتقد أن هذه النسخ – كالنسخة الإسكندرية والفاتيكانية والافريمية – كتبت بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، وليس قبل بعثته في القرن الرابع أو الخامس الميلادي .
هل هذا ما يقصده الشيخ رحمة الله ؟
الشيخ رحمت الله الهندي لم يقل إن مخطوطات الإنجيل كلها كتبت بعد مبعث النبي محمد صلى الله عليه وسلم
السؤال: 223047
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
ليس هذا ما يقصده الشيخ ” رحمت الله الهندي ” رحمه الله ، فلا يجب على المسلم اعتقاد أن نسخة معينة من الإنجيل كتبت قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم أو بعده ، وليس في الكتاب ولا في السنة ما يدعونا إلى اتهام جميع نسخ الإنجيل أنها مكتوبة بعد مبعث النبي صلى الله عليه وسلم .
كيف يقال هذا وقد كان الإنجيل متوافرا في الجزيرة العربية حتى قبل مبعثه عليه الصلاة والسلام ، وكان ورقة بن نوفل يقرؤه ويعلم ما فيه ، وهكذا كان جميع النصارى في البلاد العربية .
بل يقرر الشيخ رحمه الله أن النقص والتحريف أصاب هذه الكتب قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم ، وليس أنها لم تكتب إلا بعد مبعث النبي صلى الله عليه وسلم ، وفرق ظاهر بين الأمرين .
لذلك يقول الشيخ رحمت الله – بكل وضوح -:
” لا ندَّعي أن الكتب المقدسة لهم كانت غير محرفة إلى زمان ظهور محمد صلى الله عليه وسلم، وبعد ذلك حُرِّفت .
بل ندَّعي أن هذه الكتب كانت قبل ظهور محمد صلى الله عليه وسلم ، لكنها بلا إسناد متصل ، وأن التحريف كان فيها قبله يقيناً ، ووقع في بعض المواضع بعده أيضاً .
فلا ينافي هذه الدعوى وجود النسخ الكثيرة ، فضلاً عن ثلاث نسخ ، بل لو وجدت ألف نسخة مثل إسكندريانوس لا يضرنا ، بل كان نافعاً لنا ؛ باعتبار أن اشتمال هذه النسخ على الكتب الجعلية يقيناً ، واختلافها بينها اختلافاً شديداً ، كما في كودكس اسكندر يانوس ، وكودكس واطيكانوس = من أعظم الأدلة الدالة على تحريف أسلافهم .
ولا يلزم من القَدَامة الصحة ألا ترى إلى بعض الكتب الكاذبة المندرجة في اسكندر يانوس ” انتهى من ” إظهار الحق ” (2/624) .
فواضح أن مقصد الشيخ رحمت الله هو البحث في وثاقة النسخ الخطية الموجودة في المتاحف والمعاهد النصرانية ، لغرض تأكيد حقيقة أن كلا من التوراة والإنجيل لم تنقل عبر الأجيال بالأسانيد المتصلة ، والوثائق الصحيحة الثابتة ، وإنما اعتراها الكثير من فترات الانقطاع أو الاضطراب ، حيث لم تتوفر الأسانيد الشفهية ، ولم تتوفر النسخ الخطية الثابتة والقديمة ، التي تؤكد سلامتها من النقص والخلل والزيادة .
يقول الشيخ رحمه الله :
” لم يصل إلى مصححي العهد العتيق نسخة عبرانية كتبت في المائة السابعة والثامنة ، بل لم تصل إليهم نسخة عبرانية كاملة تكون مكتوبة قبل المائة العاشرة ؛ لأن النسخة القديمة التي حصلت لكني كات هي نسخة تسمى بكودكس لاديانوس ، وقال : إنها كتبت في المائة العاشرة ، وقال موشيودي روسي : إنها كتبت في المائة الحادية عشرة .
ولما طبع واندرهوت النسخة العبرانية – بادعاء التصحيح الكامل – خالف هذه النسخة في أربعة عشر ألف موضع ، منها أزيد من ألفي موضع في التوراة فقط . فانظر إلى كثرة غلطها .
وأما نسخ الترجمة اليونانية فثلاث منها قديمة عندهم جداً :
الأولى : كودكس إسكندر يانوس .
والثانية : كودكس واطيكانوس .
والثالثة : كودكس أفريمي .
والأولى موجودة في لندن ، وكانت هذه النسخة عند المصححين في المرتبة الأولى من النسخ ، معلمة بعلامة الأول .
والثانية موجودة في بلدة روما من إقليم إطالية ، وكانت عند المصححين في المرتبة الثانية ، ومعلمة بعلامة الثاني .
والثالثة موجودة في بلدة بارس ، وفيها كتب العهد الجديد فقط، وليس فيها كتاب من كتب العهد العتيق .
ولا بد من بيان حال هذه النسخ الثلاث فأقول …
[وأفاض في النقول عن خبراء المخطوطات أنفسهم الذين تشككوا في أقدمية هذا النسخ، ثم قال]:
فظهر لك أنه لم يوجد دليل قطعي على أن هذه النسخ كتبت في القرن الفلاني ، وليس مكتوباً في آخر كتاب من كتبها أيضاً أن كاتبه فرغ في السنة الفلانية ، كما يكون هذا مكتوباً في آخر الكتب الإسلامية غالباً .
وعلماؤهم يقولون – رجماً بالغيب بالظن الذي نشأ لهم عن بعض القرائن – لعلها كتبت في قرن كذا أو قرن كذا ، ومجرد الظن والتخمين لا يتم دليلاً على المخالف ” .
انتهى باختصار من ” إظهار الحق ” (2/617-723) .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب