0 / 0

ما حكم عرض الصور الدموية للمسلمين التي تظهر التعذيب والقتل والأشلاء

السؤال: 223274

ما حكم عرض الصور الدموية للمسلمين التي تظهر أشلاءهم وجثثهم وآثار التعذيب عليهم كما هو الحال في فلسطين وغيرها من الدول ؟ ألا ينبغي عرض صورهم وهم في أكفانهم فقط وذلك احتراماً لهم ولعائلاتهم ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولاً :
فإنه لا يشك أحد فيما للإعلام المرئي من أثر بالغ في نفوس من يشاهده ، وقد ظهر عظيم تأثيره في أزمات وأحوال نُقلت للناس بالصوت والصورة ، فكان أن ساهمت في تغيير مجرى حياة دول وشعوب .
وقد تنبه القدماء لأثر الصورة في واقع حياتهم ، ومع أن تصويرهم لا يعدو أن يكون رسماً بدائيا، إلا أنهم نطقوا ببيان عظيم أثرها ، ففي المثل الصيني : ” الصورة بألف كلمة ” ! ، ولو قالها الصينيون العصريون لقالوا : ” بمليون كلمة ” ، ومن أقوال ” أرسطو ” المنسوبة إليه : ” إن التفكير مستحيل من دون صور ” .
ولذا فلا عجب أن تعمل الصورة في الذهن أكثر من عمل القراءة والسماع ، وقد جاء في بعض الدراسات ” أن الناس يتذكرون 10% فقط مما يسمعون ، و30% فقط مما يقرؤونه ، في حين يصل ما يتذكرونه من بين ما يرونه أو يقومون به إلى 80% ” .
وبما أننا نعيش بما أطلق عليه بعضهم ” عصر الصورة ” ، ونحن نعاصر ” ثورة الإعلام والاتصالات ” : فإن هذا مدعاة لتحرير هذه المسألة وبيان حكم عرض صور القتلى والجرحى والمنكوبين ، والذين تتعرض ديارهم لغزو غاشم ، أو جوع كاسر ، أو فتنة عظيمة ، وهل يجوز نقل صور أولئك في وسائل الإعلام ليقف الناس على حقيقة ما حلَّ بهم ؟.

ثانيا:
لا حرج في عرض صور ومقاطع الناس المنكوبين والقتلى والجرحى منهم ، مع مراعاة الضوابط الشرعية في هذا الباب ، ومنها :
1. عدم نشر صور النساء مطلقاً .
فالمرأة عورة ، ولا حاجة لعَرض صورة امرأة جريحة ، أو قتيلة ، أو جائعة ، وصور الرجال والأطفال تسد مسدَّها .

2. وجوب طمس العورات .
فكثير من الصور لا يراعي ناشروها حكم الله عند تصويرها ، والواجب مراعاة ذلك عند عرضها من قبَل أهل الاستقامة ؛ لأن عورة المسلم واجب عليه سترها ، وحيث كان هو جريحاً ، أو قتيلاً ولا يستطيع ذلك : فهو معذور ، وليس هناك عذر لمن نشر تلك الصورة .

3. عدم نشر الانتهاكات الجنسية والاغتصاب .
سواء للرجال ، أو النساء ؛ فإن هذا من فضح ما يجب ستره ، وقد انتشرت في مواقع الإنترنت صور لأناس أبرياء ، انتُهك عرضهم من قبَل من لا يخاف الله من الطغاة والمجرمين ، ومثل هذه الأمور لا يجوز مشاهدتها ؛ لعموم قوله تعالى : ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ) النور/30-31

4. عدم نشر صور الأشلاء ، والرؤوس المقطوعة .
حفاظاً على حرمة المسلم ؛ ولما قد تورثه هذه المشاهد والصور من يأس وقنوط وجزع في نفوس بعض الناس.
ويستفاد ذلك مما جاء عن النبي في غزوة أحد عندما مُثِّل بحمزة رضي الله عنه ، فمنع النبي صلى الله عليه وسلم صفية بنت عبد المطلب من رؤيته.
فعَنْ عُرْوَةَ قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبِي الزُّبَيْرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ أَقْبَلَتْ امْرَأَةٌ تَسْعَى حَتَّى إِذَا كَادَتْ أَنْ تُشْرِفَ عَلَى الْقَتْلَى.
قَالَ : فَكَرِهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَرَاهُمْ، فَقَالَ: (الْمَرْأَةَ الْمَرْأَةَ).
قَالَ الزُّبَيْرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : فَتَوَسَّمْتُ أَنَّهَا أُمِّي صَفِيَّةُ ، فَخَرَجْتُ أَسْعَى إِلَيْهَا فَأَدْرَكْتُهَا قَبْلَ أَنْ تَنْتَهِيَ إِلَى الْقَتْلَى. رواه أحمد (1418) وصححه الألباني.
ولذلك فمن المهم التنبيه قبل فتح المقطع أن لا يراه من يتضرر برؤيته كالصغار والنساء .

5. أن لا يصاحبها شيء من المعازف أو الغناء المحرم . وينظر جواب السؤال رقم : (5000).

6. عدم المبالغة في إظهار قوة العدو بحيث يصل إلى بث اليأس في نفوس المسلمين ، وتقرير الضعف فيهم ، وعجزهم عن مواجهة عدوهم .

7. تحري المصداقية في النقل .
فالبعض في سبيل نصرة المستضعفين ينشر صورا مفبركةً ليستدر عطف الناس، وهذا من الكذب والتدليس المحرم .

8. تجنيب المساجد تلك الصور .
وقد أصبحت كثير من المساجد معارض لعرض الصور ، وهذا لا يليق أن يُفعل في بيوت الله تعالى ، ولا مانع من عرضها في أماكن عامة ، أو مؤسسات خيرية، أو جمعيات دعوية .

9. إذا كانت الصورة لمقتول أو من تم التمثيل بجثته فينبغي عدم إظهار وجهه حتى لا يتعرف الناس عليه ، مراعاةً لحرمته .

ثالثاً :
المصالح المتحققة في نشر صور ومقاطع التعذيب :
لا شك أن الإعلام الآن سلاح يُقاتَل به ، ويدافع به ، ولا جدال في هذا ، ونحن نعيش في عالم الغاب ، القوي يأكل الضعيف ، والعاجز الخانع لا قيمة له في هذا العالَم .
وها هي بلاد المسلمين تُقصف بالطائرات جوّاً ، والمدافع برّاً ، والبارجات بحراً ، وأنَّى للمسلمين في أقطار الأرض أن يعلموا حقيقة ما يجري في تلك الأرض لولا ما يُنقل لهم من صور تعبِّر عن واقعهم ؟
وأنَّى للمسلمين أن يهبُّوا لنجدة إخوانهم وهم لا يعرفون مدى السوء الذي وصلوا إليه ؟!
ويمكن إجمال المصالح المتحققة في استعمال سلاح الصورة بما يلي :

1. التأثير على الرأي العام للوقوف مع المسلمين المستضعفين ، وإيقاف الحرب أو التعذيب والانتهاكات .
ويكون ذلك بنشر صور ضحايا المسلمين ، حتى يعرف العالَم مدى الدمار والسوء الذي لحِق بالبلاد المحتلة وبأهلها ، ويحصل الضغط على المعتدين القتلة لإيقاف عدوانهم.
وكذلك نشر صور قتلى المعتدين تساهم في إثارة الرأي العام في بلدانهم .
ولذا فإن نشر صور القتلى والجرحى يحقق مصالح عظيمة ، ومن أبرزها إيقاف نزيف الدم الهادر من أبناء المسلمين ، وإيقاف الدمار في بلادهم ، وهذه المصلحة قد يترخص في فعل بعض المحرمات أو ترك بعض الواجبات من أجل تحقيقها ، فكيف إذا كان ذلك بنشر صورة مختلف في تحريمها أصلاً ؟! .

2. تثبيت الجريمة على فاعلها .
ويستفاد من ذلك : تصحيح الصورة في العالَم .
فاليهود الأخباث الآن ، ومعهم وسائل إعلام غربية عالمية كثيرة تنقل صور مآسي اليهود جرّاء إطلاق المجاهدين عليهم بعض الصواريخ بدائية الصنع ، فيستعطفونهم ، ويبتزونهم ، ويوهمون العالَم أنهم شعب مظلوم مقهور ! ولا يمكن تصحيح هذا الخلل إلا بسلاح الإعلام الذي يبين الحقيقة من غير رتوش ، ولا دجل .
ويستفاد منه أيضاً : محاكمة ومعاقبة الفاعلين إن تيسر ذلك .
كما حصل في محاكمة طغاة ” الصرب ” بنشر صور جثث القتلى من المسلمين ، وإيقاف العالَم على الكم الهائل الذي راح ضحية مذابحهم ، وقد كان للصور أبلغ الأثر في تثبيت التهمة على أولئك الطغاة وغيرهم ممن يمكن أن يأتي دورهم .
وعلماؤنا الأجلاء يجوزون نشر صور المتهمين في قضايا سرقة واعتداء ، وما نحن فيه الآن أبلغ بكثير ، حيث يكون أولئك قتلة لألوف المسلمين .

3. الرد على إعلام العدو النافي لوقوع ضحايا ، وكشف زيف ادعائه للحرية والإنسانية .
وفي عدد من الأحوال والأوضاع كان لنشر صور الضحايا أثر كبير في فضح أرباب الأديان والطوائف الضالة وأن عقائدهم تدفعهم للعدوان.
فكم تحصَّل من مصالح في هذا النشر ، من مراقبة السجون ، وطرد الضباط والمسئولين عن التعذيب من وظائفهم ، وإحكام الرقابة على المعتقلات ، وتحسين أوضاع المساجين ، وغير ذلك من مصالح ، لا يشك الواقف عليها أن الشريعة تتشوَّف لها ، وتدعو إليها ، ولو ارتكب في ذلك ما فيه مفسدة ، فكيف إذا كان ذلك في قضية مختلف فيها أصلاً ؟! .

4. جمع الصدقات ، والتبرعات ، وكفالة الأيتام ، ورعاية الأرامل .
فللصورة أبلغ الأثر في حث الناس على إعانة إخوانهم المستضعفين ، فرؤية الأطفال الجوعى ، والذين التصق بطنهم بظهرهم ، يغني عن مئات المحاضرات النظرية في جلب المساعدات والإعانات له ولأهله ، وكذا تصوير الجرحى لاستقبالهم في المستشفيات وعلاجهم فيها ، وهكذا في مصالح عظيمة يمكن تحقيقها إن أحسنَّا استعمال هذا السلاح ، وكما قدَّمنا فإن تأثير الصورة يبقى في ذهن رائيها أضعاف تأثير المسموع والمقروء .

5. التهييج على الجهاد ، والانتقام لدماء المسلمين .
ولا ينكر أحد التأثير البالغ الذي أحدثته صور أطفال غزة ضحايا بين الأنقاض ، وقتلى بنيران العدو ، ولا ينسى أحد صورة الطفل الفلسطيني ” محمد الدرة ” عندما اخترق جسمه الصغير النحيل رصاصات العدو الصهيوني ، وهو في حضن والده .
ومن شأن مثل هذه المشاهد أن تحرِّك الدماء في عروق المجاهدين ، وتدفعهم للمشاركة مع إخوانهم المجاهدين أينما كانوا ، ولا يُنكر أحد أن الناس قد تثاقلوا عن الخروج للجهاد ، ونصرة إخوانهم ، وأن متاع الدنيا قد صار أضعاف متاع السابقين ، وهذا ما جعلهم يركنون إلى الراحة والدعة ، ويطلبون السلامة لأنفسهم ، فتأتي مثل هذه المشاهد لتزهدهم في حياتهم الدنيوية ، ولتحرك دماءهم ليقوموا غضبة لدينهم .

رابعا:
هذا ، ولا ننكر أن هناك مفاسد حتى من نشر ما هو جائز – بشروطه وضوابطه – من الصور ، وهو ما يستدعي من القائمين على الإعلام الإسلامي أن يتصفوا بالحكمة والعقل في التعامل معها ، ومن هذه المفاسد :
1. تبلد الإحساس بكثرة العرض لصور القتلى والجرحى .
ولذا فلا عجب أن ترى الأسرة تأكل ، وتشرب ، وهم يرون مناظر الحرب ، وصورها المفزعة .
وعلاج ذلك : الإحسان في كمية وكيفية عرض الصور على الناس ، فيختار الوقت المناسب ، والقدْر المناسب لعرضه على الناس .
2. توقف التأثر عند عدم وجود شيء في الصور .
وهذا ما يحصل عند طائفة من الناس ، وهو أن الكلمة لا يكون لها تأثير عليه حتى يرى الصورة المعبِّرة .
وعلاج ذلك : بأن يحسن المتكلم – بدون صورة – توصيف الحدث ، حتى يجعل السامع كأنه يرى الحدث بعينه .
ولذلك أصل في الشريعة : عن ابنِ عُمَرَ قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُ رَأْيُ عَيْنٍ ، فَلْيَقْرَأْ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَإِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ وَإِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ ) ، رواه الترمذي ( 3333 ) وصححه الألباني في ” صحيح الترمذي ” .

3. التسبب بالضرر العظيم على المسلمين وخاصة المدنيين .
وهذا مثل ما حصل في صور التمثيل بالمقاولين الأمريكيين الأربعة في الفلوجة ، مما تسبب بحصار جائر ، وعذاب شديد .
والحكمة تقتضي حسن اختيار ما يُنشر مما فيه نفع للمسلمين ، ودفع للضرر والأذى عنهم ، وهذا يحتاج لأهل علم وعقل ، وهم يجتهدون في ذلك بما لا يرجع بالضرر على المسلمين .
وقد يوجد غير ذلك من المفاسد ، لكنه قليل في جنب ما ذكرناه من مصالح عظيمة .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android