حدث نقاش بيني وبين شخص آخر على أنه يمكن لشخص ما أن يرى ومن خلال فقط وجه شخص آخر الخير الذي يفعله وقرباته من الله أي أنه يستطيع أن يحكم على صلاح شخص ما وهذا من فضل الله عليه ، وأنا وافقته الرأي ، بناءا على أن ذلك الشخص الذي أعطي تلك القدرة هو أيضا صالح ، ولكنه زاد على ذلك أنه يمكنه أن يرى عدم الصلاح ، ويرى كل السيئات و الذنوب التي يرتكبها شخص ما رغم عدم معرقته السابقة به ، بل فقط من خلال وجهه ولقائه له ، فاستغربت ، وقلت له : بأنها ربما فراسة ، وهي الواردة ، وأنه غير جائز اتهام أشخاص بذنوب وأفعال ما، فالله وحده أعلم بها ، وهو يسترها على عباده ، ولكنه أجاب بلا ، وأنها هبة من الله ، وأنه متأكد من الذنوب وانواعها التي يرتكبها شخص ما ، وعلى الأرجح أي شخص يقابله .
فهل هذا يمكن أن يكون فعلا أم أنه استدراج من الشيطان له ؟
يدعي أنه ينظر في وجوه الناس فيعلم جميع ما يعملونه من معاصٍ ومخالفات
السؤال: 223357
ملخص الجواب
وخلاصة الجواب : أن ما يدعيه هذا الرجل ليس بصحيح ، وهو نوع من ادعاء علم الغيب ، فإما أن يكون هذا الرجل كذابا مشعوذا ، وإما أن يكون ممن تتنزل عليهم الشياطين ويخدعونهم ويضلونهم بما يلقونه إليهم ، قال الله تعالى : (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ) الشعراء/ 221-223. والله أعلم .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
مذهب أهل السنة الإيمان بكرامات الأولياء كما سبق بيانه في الفتوى رقم : (175604) , ومن هذه الكرامات البصيرة التي يهبها الله تعالى لمن يشاء من عباده ، ويتعرف بها على بعض حقائق الناس من خلال تعابير وجوههم ، وإليه الإشارة بقوله تعالى : ( لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ ) البقرة/ 273 ، وقوله : ( سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ) الفتح/ 29 ، أو من خلال كلامهم ، وإليه الإشارة بقوله تعالى : ( وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) محمد/ 30 .
قال ابن القيم رحمه الله في تفسير هذه الآية : “والمقصود : أنه سبحانه أقسم على معرفتهم من لحن خطابهم ؛ فإن معرفة المتكلم وما في ضميره من كلامه : أقرب من معرفته بسيماه وما في وجهه ؛ فإن دلالة الكلام على قصد قائله وضميره : أظهر من السيماء المرئية ، والفراسة تتعلق بالنوعين : بالنظر ، والسماع ” انتهى من ” مدارج السالكين ” ( 2 / 483 ) .
وقال الفخر الرازي في تعريف الفراسة : “واشتقاقها من قولهم : فرس السبع الشاة ، فكأن الفراسة اختلاس المعارف ، وذلك ضربان : ضرب يحصل للإنسان عن خاطره ولا يعرف له سبب ، وذلك ضرب من الإلهام ، بل ضرب من الوحي ، وإياه عنى النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : (إن في أمتي لمحدثين وإن عمر لمنهم) ويسمى ذلك أيضاً النفث في الروع ، والضرب الثاني من الفراسة : ما يكون بصناعة متعلمة ، وهي الاستدلال بالأشكال الظاهرة على الأخلاق الباطنة ” .
انتهى من ” تفسير الرازي “(2 / 424) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله : ” وكثير من الناس يعطيهم الله سبحانه وتعالى علماً بالفراسة ، يعلمون أحوال الإنسان بملامح وجهه ، ونظراته ، وكذلك بعض عباراته ، كما قال الله عز وجل : ( ولتعرفنهم في لحن القول ) محمد/ 30 ” .
انتهى من تفسير سورة البقرة ” ( 3 / 368 ) .
وقد ذكر عن السلف رضي الله عنهم في هذه الفراسة أشياء عجيبة ، ذكر ابن القيم رحمه الله بعضها في “مدارج السالكين” (2/486) .
هذا من حيث الأصل . أما بخصوص هذا الشخص الذي تتحدثين عنه فلا يظهر لنا صدقه ، وذلك لما يلي :
أولا :
لأن هذا الرجل ذكر أن معرفته بهذه الأشياء ليست من باب الفراسة ، وغاية ما ذكره : أن الله أطلعه على الغيب على سبيل التفصيل .
ولا شك أن هذا القول باطل ، لأن الله تعالى لم يطلع أحداً على شيء من الغيب إلا الرسل .
قال الله تعالى : (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ) الجن/26-27.
ثانيا :
معرفة جميع ما يفعله شخص من المعاصي والأخطاء – وإن كان ممكنا عقلا – إلا أننا لا نعلم أن هذا قد أعطاه الله لأحد من البشر ، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم وهو سيد ولد آدم ، معه منافقون في المدينة وهو لا يعلمهم ، وتخفى عليه أعمالهم ، قال الله تعالى : (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ) التوبة/ 101 .
جاء في “أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن” (10 / 69) : “صرح في هذه الآية الكريمة أن من الأعراب ومن أهل المدينة منافقين لا يعلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذكر تعالى نظير ذلك عن نوح في قوله عنه: (قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)” انتهى.
ولم يرد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينظر في وجوه أصحابه فيعلم جميع ما عملوه من المعاصي أو المخالفات , أفأُعطي هذا الرجل من الفراسة والكرامة ما لم يعطه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟!
ثالثا:
أن عادة أولياء الله الصالحين الذي يؤيدهم الله سبحانه بالكرامات أنهم يخفونها ولا يظهرونها, حتى قال بعض أهل العلم :” كما أوجب اللَّه عَلَى الأنبياء إظهار المعجزات أوجب عَلَى الأولياء إخفاء الكرامات” انتهى من ” ذيل طبقات الحنابلة ” (4 / 66).
وذلك لأن أولياء الله تعالى هم أكثر الخلق إخلاصا لله تعالى ، ولا يريدون العلو على الناس وإظهار الفضل عليهم ، ومن فعل ذلك لم يكن من أولياء الله المتقين .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة