هل يعد من الشرك اعتقاد أن تجنب شراء دراجة نارية يزيد في العمر ؟ ولو أني في داخل نفسي مؤمن بأن الآجال قد كتبها الله قبل أن يخلق الإنسان ، إلا أني لم أستطع التخلص من فكرة أن شرائي لدراجة قد يتسبب في موتي لكثرة ما أراه من حوادث . والغريب في أمري أني لا أخشى شراء سيارة ، رغم أن حوادث السيارات أكثر بكثير . ولست وحدي من يفكر هكذا ، فمعظم من أعرفهم يعتقدون أن الدراجات النارية مجلبة للمهالك ، والله تعالى يقول " ولا تلقوا بأنفسكم إلى التهلكة " وأيضا " ولا تقتلوا أنفسكم " . أفيدوني : ماذا أفعل ؟ وللعلم ، فأنا محتاج للدراجة من أجل الذهاب بها إلى الجامعة .
يريد شراء دراجة بخارية ويمتنع من ذلك خوف الموت في الحوادث
السؤال: 223469
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
الموت والأجل من قضاء الله تعالى وقدره الذي كتبه في اللوح المحفوظ عنده سبحانه قبل أن يخلق الخلائق بخمسين ألف سنة ، فلا يلحقه تغيير ولا تبديل ؛ فقد كتبه سبحانه بعلمه الذي لا يخطئ ، ومشيئته التي لا تتخلف . يقول الله عز وجل : ) وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ . وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) المنافقون/10-11. ويقول تبارك وتعالى ) قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ . أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ . يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) نوح/2-4.
وذلك كله لا يعني أن الموت والأجل غير خاضعين لقانون السببية الذي خلقه الله في هذا الكون ، بل أَمْرُ الموت كسائر ما يقدَّر في هذه الدنيا ؛ مبنيٌّ على الأسباب المادية المكتوبة أيضا في اللوح المحفوظ .
والذي ينبغي على الإنسان أن يتوسط في أموره ، وتقديره للأسباب المفضية إلى الهلاك , فلا يبالغ في التحرز والحذر ، لأنه إن فعل ذلك ، وأطلق لنفسه العنان في الوساوس : فسيرى أن كل حركة ، وربما كل سكنة : سيأتيه منها الموت والهلاك , فمجرد خروج الإنسان من بيته وسيره وسط السيارات والشاحنات ونحوها ربما كان من أسباب الموت , ولكن النظر بهذه الطريقة مسلك خاطئ لا يقول به عاقل .
وفي ذات الوقت لا يُقَصِّر في الأخذ بأسباب السلامة ، فلا يعرض نفسه للمخاطر , ولا يترك الأخذ بأسباب السلامة. مع اعتقاده : أن الأمر كله بيد الله ، وأنه إنما يأخذ بالأسباب امتثالا لأمر الله تعالى ، ثم بعد ذلك يكون ما أراد الله .
ونذكر السائل بمثال رائع ، فيه العبرة من تاريخ أحد الصحابة العظماء ، وهو سيدنا خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه ؛ فإنه قد قضى كثيراً من عمره وسط المعارك وساحات القتال ، ثم كان موته على فراشه , وهذا لأن قدر الله تعالى له أن يموت هكذا.
ومن هنا تعلم أن الخوف من شراء الدراجة البخارية ، قد يكون له وجه مقبول ، إذا غلب على ظن السائل ، أو غيره ، أنها أكثر عرضة للخطر والمهالك من غيرها من وسائل الانتقال والركوب ؛ إما في حق الشخص المعين : لكون مهارته في قيادتها أقل ، أو لكونها أكثر عرضة للحوادث ، كما هو واقع في كثير من الأماكن ، أو نحو ذلك من الأسباب المقبولة = فلا حرج في ذلك كله ، وكان توقي قيادة الدراجة في مثل هذه الأحوال ، هو نوعا من الأخذ بأسباب التحرز المشروعة ، وتجنب التهلكة ، مع الإيمان بقدر الله السابق ، وقد جعل الله لكل شيء قدرا .
وإنما المحذور في ذلك : أن يكون الخوف من ركوب هذه الدراجات ، أو غيرها ، من غير سبب ظاهر ، ولا تفسير مقبول ، فهنا قد يكون نوعا من الخوف المرضي "الفوبيا" ؛ فتحتاج النفس إلى مجاهدة على تركه والتخلص منه ، ولو بنوع من العلاج النفسي المقبول ، مع دوام استحضار الإيمان بقدر الله السابق ، وأن الأسباب لا تغير من قدر الله شيئا ؛ وإنما هي من قدر الله .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب