أنا أخت مسلمة فرنسية وأطلب مساعدتكم لتحذير وتنبيه المسلمين في فرنسا من ممارسات تحدث في أثناء عملية الرقية من المس حيث أعتقد أن ما يجري مخالف للشريعة وهذه الممارسات منتشرة لحد ما ، حيث يقوم الراقي بنقل الجن من جسد المصاب إلى جسد شخص آخر يطلق عليه ” الوسيط ” وهم يدعون أن ذلك ممكن من خلال قراءة القران والدعاء أن يساعدهم الله على نقل الجن من جسد المصاب إلى جسد الوسيط وأنه بما أنه لا يوجد شرك فيما يفعلون ولا يوجد دليل من القران والسنة ما يمنع فعل ذلك فإن فعلهم جائز ، وفي مرة ادعوا أنهم تمكنوا من القبض على جني وأنهم دعوه للإسلام وسألوه عن أمور غيبية ، لذا أرجو منكم توضيح هذه المسألة فالكثير يعتقدون بجواز ذلك .
يزعمون أنهم ينقلون الجني من بدن المصاب إلى بدن آخر ، يطلقون عليه : ” الوسيط ” ، فما حكم هذا العمل ؟
السؤال: 223625
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
دخول الجني بدن الإنسي أمر مقرر ثابت ، متفق عليه بين سلف الأمة وأئمتها ، وقد سبق بيان ذلك بدلائله في جواب السؤال رقم : (1819) .
إلا أن هذه المسألة أدخل فيها الناس ما ليس منها ، واكتنفها الكثير من البدع المحدثة ، واجتهد فيها من ليس أهلا للاجتهاد ، ولا يزال الناس يتوسعون فيها شيئا فشيئا حتى أتوا بما لا يحتمل ، ووقع كثير منهم في البدع والضلالات ، بل ربما وصل الأمر ببعضهم إلى الوقوع في الشركيات ، والعياذ بالله .
ولابد لنا من معرفة عدة أمور ، هي بمثابة ضوابط أساسية لهذه المسألة ، فمنها :
– أن عالم الجن من عالم الغيب ، والغيب كله لله ، ولا يجوز لأحد أن يتكلم في الغيب أو يخوض فيه إلا بالدليل الواضح والبرهان البين .
– أن الأصل في الجن الكافر أنه كذوب ، فإذا ادعى أنه أسلم لم يكن هناك ما يدل على إسلامه إلا مجرد دعواه ؛ بل إن الصدق يقال : أنه لا سبيل لنا إلى معرفة المسلم الحقيقي – الأصلي- منهم ، دع دعاوى من يدعي أنه تاب وأسلم ؛ فهيهات لنا أن نقف على حقيقة ذلك .
– وكذا إذا ادعى أنه خرج من بدن الإنسي ، فلا يمكن التحقق من ذلك بمجرد هذه الدعوى ، ولا بما قد يظهر على المريض من مظاهر العافية ، فإن منهم من يستكين فيه ، ويخنس ، ولا يزعجه ، فيظن الناس أنه خرج منه ، فإذا ادعى مع ذلك أنه أسلم ، ولن يضر أحدا بعد ذلك صدقوه ، وهو في الحقيقة كذوب أثيم .
وكثيرا ما تجد المعالج يخاطب الجني ويكلمه ، ويسأله عن أشياء غيبية فيخبره ، فيظن المسكين أنه يصدقه ولا يكذبه ، وأنه يطلع على بعض الغيب .
ومنهم من يستفسر من الجني عن حال الملبوس ، ومن لبسه ، وكم عددهم ، ويسأله عن أسمائهم ، ومللهم ، فيخبره ، فيصدقه الراقي ، وهو كذوب .
– العلاج من مس الجن وصرعه إنما يكون بالطرق الشرعية التي لا تدخلها البدعة ولا الخرافة ، فضلا عن الشرك والاستعانة بالجن .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله :
” العلاج لجميع الأمراض وأنواع الصرع وغيره إنما يجوز بالطرق الشرعية والوسائل المباحة ، ومنها القراءة على المريض ، والنفث عليه بالآيات والدعوات الشرعية ” انتهى من ” فتاوى إسلامية ” (1/30) .
فمن زعم أنه ينقل الجنى من بدن المصاب إلى ما يسميه بالوسيط ، فليس معه إلا مجرد زعمه ، ومن أين له أنه انتقل من هذا البدن إلى ذاك ؟ وما يدريه ، لعل الوسيط قد لبسه جني آخر ، وهو – لغفلته – يظن أنه الأول .
ومن قال لهؤلاء أن قراءة القرآن والدعاء وسيلة لنقل الجني من بدن إلى بدن ؟!
ومن سلفهم في ذلك ؟
ثم : هل هذا الوسيط سيحتاج إلى رقية أخرى ، ووسيط آخر ، لإخراج الجن منه ؟ أم سيبقى متلبسا به ؟ أم سيخرج من غير وسيط ؟
ليس من شك في أن مثل هذا التصرف : لا أصل في الشرع ، ثم يقبله عقل سليم .
ثم ما هي الفائدة المرجوة من نقل الجني إلى بدن الوسيط ، إلا ما توهموه ورسموه من منفعة ، وهي منفعة موهومة ، وقد يقع بتحصيلها أنواع من الشرك والبدعة .
ودعواهم أنهم تمكنوا من القبض على الجني ، وأنهم دعوه للإسلام فأسلم ، لا دليل عليه إلا مجرد الدعوى في أمر غيبي ، لا يطلع عليه إلا الله ، فهي دعوى فاسدة .
وسؤالهم الجني عن أمور غيبية من الشرك بالله ، إذ لا يعلم الغيب إلا الله .
فقد سئل علماء اللجنة : ” هل الجن يعلمون الغيب؟ ” .
فأجابوا :
” علم الغيب من خصائص الربوبية، فلا يعلم غيب السماوات والأرض إلا الله ، قال تعالى : ( وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ) ، وقال جل جلاله : ( قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ) ، والجن لا يعلمون الغيب ، والدليل قوله تعالى : ( فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ ) ، فمن ادعى علم الغيب فهو كافر ، ومن صدق من يدعي علم الغيب فهو كافر أيضا؛ لأنه مكذب للقرآن ” انتهى من ” فتاوى اللجنة الدائمة – المجموعة الثانية ” (2/6) .
وهذا الذي يفعلونه هو من جملة استمتاع الجن بالإنس ، والإنس بالجن ، قال تعالى : ( وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا ) الأنعام/ 128 .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
” قَالَ البغوي : قَالَ بَعْضُهُمْ : اسْتِمْتَاعُ الْإِنْسِ بِالْجِنِّ مَا كَانُوا يُلْقُونَ لَهُمْ : مِنْ الْأَرَاجِيفِ وَالسِّحْرِ وَالْكَهَانَةِ وَتَزْيِينُهُمْ لَهُمْ الْأُمُورَ الَّتِي يُهَيِّئُونَهَا وَيَسْهُلُ سَبِيلُهَا عَلَيْهِمْ، وَاسْتِمْتَاعُ الْجِنِّ بِالْإِنْسِ طَاعَةُ الْإِنْسِ لَهُمْ فِيمَا يُزَيِّنُونَ لَهُمْ مِنْ الضَّلَالَةِ وَالْمَعَاصِي.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: هُوَ طَاعَةُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضِ وَمُوَافَقَةُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا.
وَتَارَةً يَخْدِمُ هَؤُلَاءِ لِهَؤُلَاءِ فِي أَغْرَاضِهِمْ ، وَهَؤُلَاءِ لِهَؤُلَاءِ فِي أَغْرَاضِهِمْ ، فَالْجِنُّ تَأْتِيهِ بِمَا يُرِيدُ مِنْ صُورَةٍ أَوْ مَالٍ أَوْ قَتْلِ عَدُوِّهِ ، وَالْإِنْسُ تُطِيعُ الْجِنَّ .
وَمِنْ اسْتِمْتَاعِ الْإِنْسِ بِالْجِنِّ : اسْتِخْدَامُهُمْ فِي الْإِخْبَارِ بِالْأُمُورِ الْغَائِبَةِ ، كَمَا يُخْبَرُ الْكُهَّانُ ، فَإِنَّ فِي الْإِنْسِ مَنْ لَهُ غَرَضٌ فِي هَذَا ؛ لِمَا يَحْصُلُ بِهِ مِنْ الرِّيَاسَةِ وَالْمَالِ وَغَيْرِ ذَلِكَ .
وَمِنْ اسْتِمْتَاعِ الْإِنْسِ بِالْجِنِّ: اسْتِخْدَامُهُمْ فِي إحْضَارِ بَعْضِ مَا يَطْلُبُونَهُ مِنْ مَالٍ وَطَعَامٍ وَثِيَابٍ وَنَفَقَةٍ؛ فَقَدْ يَأْتُونَ بِبَعْضِ ذَلِكَ وَقَدْ يَدُلُّونَهُ عَلَى كَنْزٍ وَغَيْرِهِ ” انتهى ملخصا من ” مجموع الفتاوى ” (13/80-84) .
وقال الشيخ عمر سليمان الأشقر رحمه الله :
” أحياناً تأتي الشياطين لا بطريق الوسوسة ؛ بل تتراءى له في صورة إنسان ، وقد يسمع الصوت ، ولا يرى الجسم ، وقد تتشكل بصور غريبة … وهي أحياناً تأتي الناس وتعرفهم بأنها من الجن ، وفي بعض الأحيان تكذب في قولها ، فتزعم أنها من الملائكة ، وأحياناً تسمي نفسها برجال الغيب ، أو تدعي أنها من عالم الأرواح ….
وهي في كل ذلك تحدث بعض الناس ، وتخبرهم بالكلام المباشر ، أو بوساطة شخص منهم يسمى الوسيط ، تتلبس وتتحدث على لسانه ، وقد تكون الإجابة بوساطة الكتابة …
وقد تقوم بأكثر من ذلك ، فتحمل الإنسان ، وتطير به في الهواء ، وتنقله من مكان إلى مكان ، وقد تأتي له بأشياء يطلبها ، ولكنها لا تفعل هذا إلا بالضالين ، الذين يكفرون بالله ربّ الأرض والسماوات ، أو يفعلون المنكرات والموبقات….
وقد يتظاهر هؤلاء بالصلاح والتقوى ، ولكنهم في حقيقة أمرهم من أضلّ الناس وأفسقهم ، وقد ذكر القدامى والمحدثون من هذا شيئاً كثيراً ، لا مجال لتكذيبه والطعن فيه ؛ لبلوغه مبلغ التواتر ” انتهى من ” عالم الجن والشياطين ” (ص93) .
بل إن فكرة ” الوسيط ” هذه ، هي في أصلها متلقاة عن دعوة ملاحدة ” الروحية ” الحديثة ، الذين يزعمون أنهم قادرون على الاتصال بعالم الغيب ، وتحضير الأرواح ، عن طريق هذا الشخص ” الوسيط ” .
وقد تحدث باستفاضة عن دجلهم ، وألاعيبهم : الدكتور محمد بن محمد حسين رحمه الله في كتابه ” الروحية الحديثة ” ، ويمكن الرجوع إليه لمزيد الفائدة ، وقد نقل كثيرا من مقاصده الشيخ الدكتور : عمر سليمان الأشقر رحمه الله ، في كتابه : ” عالم الجن والشياطين ” .
والحاصل : أن هذه الفكرة المذكورة : ليس لها أصل في الطرق الشرعية للرقية ، بل مبدؤها من ضلالة الملاحدة ” الروحيين ” المحدثين ، في حيلهم وأكاذيبهم في ” تحضير الأرواح ” .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة