نسمع بعض الأحاديث من المشايخ من خلال الشاشة أو التسجيلات ، فهل يجوز لنا في هذه الحالة أن نقول: حدثنا فلان ؟
وإن جاز فهل يجوز أن نسوق سنده في هذا الحديث ؟
وكذلك هل يجوز أن أقول أني تلميذ لفلان ، إذا كنت قد تتلمذت على أشرطته وكتبه ؟
هل يجوز أن يقول : ” أنا تلميذ الشيخ الفلاني ” لكونه اعتاد سماع أشرطته ، وقراءة كتبه ؟
السؤال: 224824
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
الأولى لمن سمع حديثا أو كلاما من شيخ من خلال الشاشة أو المسجل أن يحكي ما سمعه على الوجه الذي حصل فيقول : سمعت الشيخ الفلاني في الشريط ، أو على شاشة القناة الفلانية ، أو في التليفزيون ، وهو يقول : كذا وكذا .
وهذا أولى وأقرب للأمانة والصدق من قوله : حدثنا الشيخ ؛ وذلك لأن قول الطالب : ” حدثنا فلان ” مصطلح حديثي له مدلوله المعروف ، وهو أنه حدثهم في مجلسه الذي حضره هذا الطالب ، وسمعه منه مشافهة مع السامعين الحاضرين .
وقد تكلم غير واحد من أهل العلم في مصطلحات أهل الحديث المتشابهة : (حدثنا وأخبرنا وأنبأنا) فجعلوا التحديث أخص من الإخبار والإنباء ، فالتحديث يخص عندهم ما سمعه الطالب من شيخه مشافهة في مجلس العلم ، أما الإنباء والإخبار : فقد يكون فيما يخبره به كتابة أو إجازة ونحو ذلك ، وهذا من باب التدقيق .
ولو قال الطالب : ” سمعت فلانا ” ، فهو حسن ، فالناس يطلقون مثل ذلك اليوم على من سمعوا منه في شريط ، أو فضائية ، أو نحو ذلك ، دون استعمال لفظ التحديث الخاص : حدثني ، وأخبرني ، ونحو ذلك مما يفيد المجالسة ، أو المشافهة ، أو كونه خصه بذلك الحديث .
ومثل ذ لك : دعوى الشخص أنه “تلميذ” فلان ؛ فمثل هذا قد اعتاد الناس أنه إنما يطلق على التلميذ المباشر ، الذي أخذ عنه دون واسطة ، ودون هذه “الوسائط” الحديثة .
بل خصه بعض أهل العلم بمن كان له نوع اختصاص بالشيخ ، وملازمة له .
جاء في “تاج العروس” ، للزبيدي (9/380) :
” التِّلْمِيذ ، جمعه التَّلاميذ ، وهم الخَدَم والأَتباع ، ونقل شيخنا عن عبد القادر البغداديّ في شرحه على شواهد المغني وحاشيته على الكعبية أَن المراد منه المتعلّم ، أَو الخادم الخاصّ للمعلِّم ” انتهى.
وجاء في “المعجم الوسيط” (1/87) :
“(التلميذ) خَادِم الْأُسْتَاذ من أهل الْعلم أَو الْفَنّ أَو الحرفة وطالب الْعلم وَخَصه أهل الْعَصْر بالطالب الصَّغِير (ج) تلاميذ وتلامذة” .
ثانيا :
قول السائل : ” هل يجوز أن نسوق سنده في هذا الحديث “
فلا ينبغي ؛ لأنه لا حاجة لذلك ، فإن هذا الشيخ ليس محدثا يروي الأحاديث بإسناده ، وإنما هو يذكره بإسناده كما قرأه ، وحينئذ فلا حاجة إلى أن يقال : حدثنا فلان بهذا الحديث ، لأن الغالب أن الحديث موجود بسنده في الكتب ، فبإمكان الطالب عادة أن يستخرج الحديث من الكتاب ، وأن يطلع على أقوال أهل العلم فيه ، وخاصة مع هذا التقدم الحادث اليوم في التقنيات التي يسر الله بها خدمة العلم والاطلاع على الكتب .
ثم إن افترض شيخ ، يروي حديثا بإسناده في فضائية ، أو درس أو نحو ذلك ، والسامع له في مثل ذلك : يتابعه ، ويضبط إسناده ، ويرويه عنه : كل هذا من الفروض التي يصعب تحققها جدا ، والسؤال عنها أشبه بالتكلف والتنطع في أمر يعز وجوده .
ثالثا :
لا شك أن استماع المحاضرات المسجلة ، والتي تبث عبر وسائل الإعلام الحديثة ، من الوسائل المفيدة في تحصيل العلم الشرعي ، كما بيناه في جواب السؤال رقم : (104174) .
ولكن لا غنى للطالب عن مجالسة المشايخ ، والسفر إليهم ، وحضور دروسهم وخطبهم ، والتعلم من هديهم وسمتهم ، وسؤالهم عما أشكل ، والانتباه لمراجعات الطلاب مع الشيخ ، وبذلك يتتلمذ عليه .
عن الحسين بن إسماعيل، عن أبيه، قال: ” كان يجتمع في مجلس الإمام أحمد زهاء خمسة آلاف أو يزيدون ، نحو خمس مئة يكتبون ، والباقون يتعلمون منه حسن الادب والسمت ” انتهى من “سير أعلام النبلاء” (11 /316) .
وعن إبْرَاهِيمُ بْنُ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ ، قَالَ: قَالَ لِي أَبِي: ” يَا بُنَيَّ ، إِيتِ الْفُقَهَاءَ وَالْعُلَمَاءَ، وَتَعَلَّمْ مِنْهُمْ ، وَخُذْ مِنْ أَدَبِهِمْ وَأَخْلَاقِهِمْ وَهَدْيِهِمْ ، فَإِنَّ ذَاكَ أَحَبُّ إِلَيَّ لَكَ مِنْ كَثِيرٍ مِنَ الْحَدِيثِ “انتهى من “الجامع لأخلاق الراوي” (1/ 80) .
وقال ابن القيم رحمه الله :
” للعلم سِتّ مَرَاتِب : أولها: حسن السُّؤَال ، الثَّانِيَة: حسن الإنصات وَالِاسْتِمَاع ، الثَّالِثَة : حسن الْفَهم ، الرَّابِعَة: الْحِفْظ ، الْخَامِسَة: التَّعْلِيم ، السَّادِسَة: وَهِي ثَمَرَته وَهِي الْعَمَل بِهِ ومراعاة حُدُوده ، فَمن النَّاس من يحرمه لعدم حسن سُؤَاله ، أما لأنه لَا يسأل بِحَال أَوْ يسأل عَن شَيْء وَغَيره أهم إليه مِنْهُ ، كمن يسْأَل عَن فضوله الَّتِي لَا يضر جَهله بهَا ويدع مَالا غنى لَهُ عَن مَعْرفَته ، وَهَذِه حَال كثير من الْجُهَّال المتعلمين ، وَمن النَّاس من يحرمه لسوء إنصاته ، فَيكون الْكَلَام والمماراة آثر عِنْده وَأحب إليه من الإنصات ، وَهَذِه آفَة كامنة فِي أكثر النُّفُوس الطالبة للْعلم ، وَهِي تمنعهم علما كثيرا ، وَلَو كَانَ حسن الْفَهم ” انتهى .
والله تعالى أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة