لماذا أضل الله عباده بعدم تعريف من هو المصلوب . لماذا القرآن غامض في وصف قصة الصلب ؟
هل أضل الله الإنسان في شأن صلب المسيح عليه السلام ؟
السؤال: 225709
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
الله عز وجل لم يضل أحدا في شأن حقيقة الصليب ، ولهذا فهو سبحانه وتعالى لم يكلف أحدا من أتباع المسيح عليه السلام – قبل مبعث النبي محمد صلى الله عليه وسلم – أن يؤمنوا بأنه لم يصلب ، ولم يقض عز وجل بكفر من آمن بوقوع الصلب ، بل عذر كل من اشتبه عليه الأمر وهم أكثر الناس . حتى بعث النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، ونزل القرآن الكريم صريحا وليس غامضا بقوله تعالى : ( وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا. بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا) النساء/157، 158.
يقول الإمام ابن حزم رحمه الله (ت456هـ):
” لم يُلزمِ الناسَ قط قبل ورود القرآن فرضٌ بشيء من ذلك ، لا بإقرار ولا بإنكار [يعني : لحقيقة الصلب]، وإنما كان خبرا لا يقطع العذر ، ولا يوجب العلم الضروري ، ممكن صدق قائله ، فقد قتل أنبياء كثيرة ، وممكن أن يكون ناقله كذب في ذلك …
ولم ينزل الله عز وجل كتابا قبل القرآن يفرض إقرارا بصلب المسيح صلى الله عليه وسلم ، ولا بإنكاره ، وإنما ألزم الفرض بعد نزول القرآن بتكذيب الخبر بصلبه ” .
انتهى من ” الفصل في الملل والأهواء والنحل ” (1/ 57) .
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
” إذا قيل : إن الحواريين ، أو بعضهم ، أو كثيرا من أهل الكتاب ، أو أكثرهم ، كانوا يعتقدون أن المسيح نفسه صلب ، كانوا مخطئين في ذلك ، ولم يكن هذا الخطأ مما يقدح في إيمانهم بالمسيح إذا آمنوا بما جاء به ، ولا يوجب لهم النار ؛ فإن الأناجيل التي بأيدي أهل الكتاب فيها ذكر صلب المسيح ، وعندهم أنها مأخوذة عن الأربعة : مرقس ، ولوقا ، ويوحنا ، ومتى . ولم يكن في الأربعة من شهد صلب المسيح ، ولا من الحواريين ، بل ولا في أتباعه من شهد صلبه ، وإنما الذين شهدوا الصلب طائفة من اليهود .
فمن الناس من يقول : إنهم علموا أن المصلوب غيره ، وتعمدوا الكذب في أنهم صلبوه وشبه صلبه على من أخبروهم ، وهذا قول طائفة من أهل الكلام المعتزلة وغيرهم ، وهو قول ابن حزم وغيره .
ومنهم من يقول : بل اشتبه على الذين صلبوه ، وهذا قول أكثر الناس .
والأولون يقولون : إن قوله : (وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ) [النساء: 157] أي : شبه للناس الذين أخبرهم أولئك بصلبه .
الجمهور يقولون : بل شبه للذين يقولون : صلبوه ” .
انتهى من ” الجواب الصحيح ” (2/ 302 – 304) .
وبهذا تعلم أن قضية صلب المسيح لم تكن يوما اختبارا وامتحانا للتمييز بين المؤمنين والكافرين ، كما لم تكن مناطا للحكم بالهدى أو الضلال ؛ رحمةً من الله عز وجل لعباده المؤمنين ، حيث علم الله سبحانه وتعالى عذر كل من انطلت عليه قصة الصلب ، ولهذا بَيَّن علماء الإسلام أنهم لا تثريب عليهم قبل مبعث النبي محمد صلى الله عليه وسلم .
وأما بعد مبعثه عليه الصلاة والسلام ، فلم تكن رسالته سبب إضلال الناس وغوايتهم ، بل كانت بعثته محنة واختبارا لأتباع المسيح عليه السلام ، في جميع تفاصيل الرسالة من عقائد وأحكام ، وليس في قضية الصلب فحسب ، فمن آمن به عليه الصلاة والسلام نبيا مرسلا واتبع النور الذي أنزل معه ، المتمثل بالقرآن الكريم ، والسنة النبوية ، حتى لو تعلق الأمر بحكم شرعي لعمل يسير ، أو لعقيدة يتلقاها المتلقون عبر الآيات المباركات في القرآن الكريم ، فقد نجا وأفلح ؛ خاصة وقد رأى من معجزات النبي الكريم عليه الصلاة والسلام ، ومن دلائل نبوته ، وسمع البشارات التي جاءت بها التوراة والإنجيل المطبوعة اليوم ، وعلم أن الأنبياء إخوة بعثوا برسالة واحدة ، وأن دين الإسلام هو الخاتم لجميع الأديان ، فحينئذ سيزول الإشكال العقلي والنفسي بإذن الله .
وللتوسع يرجى مراجعة الفتوى رقم : (224199) .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة