ذكرتم على موقعكم، في الفتاوى رقم : (97541) ، (114129) أن بعض العلماء أجاز تناول المنتجات التي تحتوي على الحرف “إي” وبعضهم حرّم ذلك ، وقد اخترت لنفسي الذهاب مع الرأي الثاني لأن هناك الكثير من البدائل ، إلا أننا في بعض الأحيان قد نحصل على بعض تلك المنتجات من الأقارب ، فأقوم في العادة برميها وهنا أتساءل عن حكم إعطائها للفقراء أو الجوعى والمحتاجين من المسلمين ، وإذا ما جاز ذلك فأين يصبح موقعنا من قوله تعالى “يا أيها الذين ءامنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه وأعلموا أن الله غني حميد..” ؟
وإذا حرم إعطائها لفقراء المسلمين، فهل يجوز إعطائها لفقراء ومشردي الكفار؟
هل يُلْزِم غيره بالتورع عن الحرام وعن المشتبهات ؟
السؤال: 225880
ملخص الجواب
وخلاصة الجواب : إذا كنت تعتقد أن هذا الطعام حرام ، وبه لحم خنزير : فلا يجوز لك أن تطعمه مسلما أو كافرا . أما إذا كنت تتركه احتياطا وورعا : فلا حرج عليه أن تطعمه من شئت . والله أعلم .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
إذا ثبت وجود مكونات الخنزير في هذه الأطعمة وغيرها ، وتأكدت من ذلك فلا يجوز أن تأكلها وتستعملها ، ولا أن تعطيها لا لمسلم ولا لكافر ؛ لأنها محرمة علينا وعليهم ، ولا مانع من إطعامها للحيوانات ، إن كان ذلك ممكنا ؛ فذلك خير من إلقائها وإتلافها بالكلية .
وإذا لم يكن في مكونات هذه الأطعمة شيء من لحم الخنزير أو دهنه ، أو غير ذلك مما يؤخذ منه : فلا بأس بأكلها وإهدائها .
وإذا حك في صدرك شيء ، أو شككت فيه ، أو تورعت عن أكل شيء من هذه الأطعمة ، أو ما سواها : فلا حرج عليك في ذلك ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ ) رواه الترمذي (2518) وصححه الألباني .
ولكن في هذه الحالة لا بأس بإهدائها لغيرك ، مسلماً كان أو كافراً .
فما تركه المسلم تورعا واحتياطا لابأس أن يعطيه لغيره لينتفع به .
وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تورع لنفسه ولم يلزم غيره ، فعن رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ ، قَالَ : ” خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَنَازَةٍ ، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى الْقَبْرِ يُوصِي الْحَافِرَ : ( أَوْسِعْ مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْهِ ، أَوْسِعْ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ ، فَلَمَّا رَجَعَ اسْتَقْبَلَهُ دَاعِي امْرَأَةٍ فَجَاءَ وَجِيءَ بِالطَّعَامِ فَوَضَعَ يَدَهُ ، ثُمَّ وَضَعَ الْقَوْمُ ، فَأَكَلُوا ، فَنَظَرَ آبَاؤُنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلُوكُ لُقْمَةً فِي فَمِهِ ، ثُمَّ قَالَ : أَجِدُ لَحْمَ شَاةٍ أُخِذَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ أَهْلِهَا ، فَأَرْسَلَتِ الْمَرْأَةُ ، قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي أَرْسَلْتُ إِلَى الْبَقِيعِ يَشْتَرِي لِي شَاةً ، فَلَمْ أَجِدْ فَأَرْسَلْتُ إِلَى جَارٍ لِي قَدِ اشْتَرَى شَاةً ، أَنْ أَرْسِلْ إِلَيَّ بِهَا بِثَمَنِهَا، فَلَمْ يُوجَدْ ، فَأَرْسَلْتُ إِلَى امْرَأَتِهِ فَأَرْسَلَتْ إِلَيَّ بِهَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَطْعِمِيهِ الْأُسَارَى) رواه أبو داود (3332) ، وصححه الألباني .
قال الشوكاني في ” نيل الأوطار ” (5385) “وَفِيهِ : تَجَنُّبُ مَا كَانَ مِنْ الْمَأْكُولَاتِ حَرَامًا أَوْ مُشْتَبِهًا ، وَعَدَمُ الِاتِّكَالِ عَلَى تَجْوِيزِ إذْنِ مَالِكِهِ بَعْدَ أَكْلِهِ .
وَفِيهِ أَيْضًا : أَنَّهُ يَجُوزُ صَرْفُ مَا كَانَ كَذَلِكَ إلَى مَنْ يَأْكُلُهُ كَالْأُسَارَى وَمَنْ كَانَ عَلَى صِفَتِهِمْ ” انتهى .
وروى مسلم (2004) عن عبد الله بن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال : ” كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنْتَبَذُ لَهُ أَوَّلَ اللَّيْلِ فَيَشْرَبُهُ إِذَا أَصْبَحَ يَوْمَهُ ذَلِكَ ، وَاللَّيْلَةَ الَّتِي تَجِيءُ، وَالْغَدَ، وَاللَّيْلَةَ الْأُخْرَى، وَالْغَدَ إِلَى الْعَصْرِ، فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ سَقَاهُ الْخَادِمَ ، أَو أَمَرَ بِهِ فَصُبَّ) . ثم روى مسلم أحاديث أخرى بمعناه .
والنبيذ هو أن يجعل التمر أو الزبيب في الماء حتى يحلو الماء .
قال النووي في “شرح صحيح مسلم” :
فِي هَذِهِ الْأَحَادِيث دَلَالَة عَلَى جَوَاز الِانْتِبَاذ .
وَجَوَاز شُرْب النَّبِيذ مَا دَامَ حُلْوًا لَمْ يَتَغَيَّر ، وَلَمْ يَغْلِ [أي يتحول إلى خمر] ، وَهَذَا جَائِز بِإِجْمَاعِ الْأُمَّة .
وَأَمَّا سَقْيه الْخَادِم بَعْد الثَّلَاث وَصَبّه ، فَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَن بَعْد الثَّلَاث تَغَيُّره ، وَكَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَنَزَّه عَنْهُ بَعْد الثَّلَاث .
وَقَوْله : ( سَقَاهُ الْخَادِم أَوْ صَبَّهُ ) مَعْنَاهُ تَارَة : يَسْقِيه الْخَادِم ، وَتَارَة يَصُبّهُ ، وَذَلِكَ الِاخْتِلَاف لِاخْتِلَافِ حَال النَّبِيذ ، فَإِنْ كَانَ لَمْ يَظْهَر فِيهِ تَغَيُّر وَنَحْوه مِنْ مَبَادِئ الْإِسْكَار : سَقَاهُ الْخَادِم وَلَا يُرِيقهُ ; لِأَنَّهُ مَال تَحْرُم إِضَاعَته ، وَيَتْرُك شُرْبه تَنَزُّهًا ، وَإِنْ كَانَ قَدْ ظَهَرَ فِيهِ شَيْء مِنْ مَبَادِئ الْإِسْكَار وَالتَّغَيُّر : أَرَاقَهُ ; لِأَنَّهُ إِذَا أَسْكَرَ صَارَ حَرَامًا وَنَجِسًا ، فَيُرَاق ، وَلَا يَسْقِيه الْخَادِم ; لِأَنَّ الْمُسْكِر لَا يَجُوز سَقْيه الْخَادِم ، كَمَا لَا يَجُوز شُرْبه ، وَأَمَّا شُرْبه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْل الثَّلَاث فَكَانَ حَيْثُ لَا تَغَيُّر ، وَلَا مَبَادِئ تَغَيُّر ، وَلَا شَكّ أَصْلًا . وَاللَّهُ أَعْلَم” انتهى .
وحاصل الحديث : أن النبي صلى الله عليه وسلم يترك شرب النبيذ بعد ثلاث ليالٍ تورعاً ، ولكنه كان يطعمه للخادم ، إذا لم يظهر فيه شيء من التغير .
وأما قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ) سورة البقرة / 267 . فليس له ارتباط بهذه المسألة ؛ لأن مراد الآية هو منع المتصدق من إخراج الأردأ من ماله ، وأما هذه الأطعمة أو المواد المذكورة في السؤال فقد تكون من المواد الغالية والعالية أيضا .
على أن هذه الآية وردت في الصدقة الواجبة ، أما صدقة التطوع فأمرها أخف ، فيتصدق الإنسان بما يشاء ، وما يتيسر له ، ولو بشق تمرة .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب