تنزيل
0 / 0

الحكمة من اختلاف بعض الروايات

السؤال: 225967

قرأت عندكم الجمع بين أحاديث خلود المنتحر ، ورحمة الله له بأن أهل الكبائر أمرهم إلى الله ، إن شاء عذبهم على قدر ذنبهم ثم يدخلهم الجنة ، أو يغفر لهم دون عذاب .
سؤالي : إذًا لماذا لم يُنهِ رسولُنا الكريم صلى الله عليه وسلم هذه الإشكالية ، بدلا من إخبارنا أن المنتحر ” مخلد ” يبين لنا أن المنتحر أمره إلى الله ؟
أعني لماذا استخدم رسولنا الكريم لفظ مخلد ؟
وكذلك الحال في أحاديث بيع القطط ، والنهي عن بيعها ، لماذا هذا التعارض ؟
وكذلك حديث ( رجل وجد كلبا فسقاه الماء )، وفي رواية أخرى ( بغي ) ، ما سبب هذا التعارض .
حسب علمي لا يوجد منسوخ في نص المنتحر ، والمرأة البغي مع الكلب ؟
أرجو منكم مساعدتي في دحض هذه الشبهات التي في داخلي ، وفرج الله عنكم .

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

عن هذا السؤال هو الجواب ذاته عن الحكمة الإلهية في تنزيل النصوص المتشابهة
ظاهريا ، سواء في ذلك نصوص الكتاب الكريم أم السنة النبوية .
وهي الحكمة ذاتها التي تستكمل حكمة الخلق كله ، في قول الله عز وجل : ( الَّذِي
خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ
الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ) الملك/2.
ذلك أن الحياة الدنيا جبلت على سنة الابتلاء والاختبار ، في كل تفاصيلها اختبار ،
وفي جميع شهواتها وملذاتها ومصاعبها وأفراحها وأحزانها : محنة متوازنة للإنسان ،
فقد تميز الإنسان عن سائر الخلق بالروح والإرادة الحرة .
وقد اختار الله عز وجل أن تكون الشريعة الإسلامية أيضا جزءا من هذا ” الابتلاء
المعرفي “:
فأنزل فيها المحكمات والثوابت التي لا تشتبه على أحد ، ولا تحتمل التبديل والتغيير
والتأويل ، سواء في أركان الإيمان ، أم أركان الإسلام ، أم مقاصد الشريعة ، ومقاطع
الإجماع .
وأنزل أسباب الاجتهاد في بعض فروع الإسلام ، العلمية أو العملية ، كي يجتهد العلماء
والفقهاء والمفسرون في البحث والنظر والتأمل ، وتتنوع آراؤهم وأقوالهم إثراء لهذا
الدين ، وفسحة لأتباعه في كل زمان ومكان ، كي يتمكنوا من استخراج كنوزه وتفجير
معارفه ، وليتمكنوا أيضا من تحكيمه بينهم ، واستنباط ما يناسب ظرفهم بقوانين
الاجتهاد المنضبطة .
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
” الحكمة في تنوع القرآن إلى محكم ومتشابه : لو كان القرآن كله محكما : لفاتت
الحكمة من الاختبار به تصديقا وعملا ؛ لظهور معناه ، وعدم المجال لتحريفه والتمسكِ
بالمتشابه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله .
ولو كان كله متشابها : لفات كونه بيانا ، وهدى للناس ، ولما أمكن العمل به ، وبناء
العقيدة السليمة عليه .
ولكن الله تعالى بحكمته جعل منه آيات محكمات ، يُرجع إليهن عند التشابه ، وأخر
متشابهات ، امتحانا للعباد ، ليتبين صادق الإيمان ممن في قلبه زيغ ، فإن صادق
الإيمان يعلم أن القرآن كله من عند الله تعالى ، وما كان من عند الله فهو حق ، ولا
يمكن أن يكون فيه باطل ، أو تناقض لقوله تعالى : ( لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ
بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ) فصلت/ 42.
وقوله تعالى : ( لَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ
اخْتِلافاً كَثِيراً ) النساء/ 82.
وأما من في قلبه زيغ ، فيتخذ من المتشابه سبيلا إلى تحريف المحكم ، واتباع الهوى في
التشكيك في الأخبار ، والاستكبار عن الأحكام ، ولهذا تجد كثيرا من المنحرفين في
العقائد والأعمال، يحتجون على انحرافهم بهذه الآيات المتشابهة ” انتهى من ” أصول في
التفسير ” (ص: 45) .
ومن هذا التأصيل نفهم أن قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ تَرَدَّى مِنْ
جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ ، فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا
مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا ) رواه البخاري (5778) ، ومسلم (109) صدر على وجه
الابتلاء المعرفي ، تماما كما يقع الابتلاء في أوجه الحياة الأخرى ، في الصحة
والمال والبدن وفي الطاعة والمعصية وفي كل تفاصيل الحياة ، ليخوض العلماء في تفسير
هذا الحديث، فينال بعضهم الأجرين ، وينال آخرون أجرا واحدا لخطئهم في الاجتهاد ،
ويصيب فريق ثالث من الإثم بسبب خوضهم بغير علم ولا هدى ، أو اتباعهم أهواءهم في
الفهم والتفسير والتقرير ، بعيدا عن ضوابط العلم وقواعده .
ولا يقف وجه الحكمة عند هذه النتيجة فحسب ، فمثل هذه النصوص ستؤدي إلى ولادة قواعد
العلوم الشرعية كلها ، ونشوء أصولها وقيام سوقها ؛ لأن البلوغ إلى فهم هذا النص أو
تفسير تلك الكلمة لا بد أن يتم عبر آليات العلم وقواعده ، وحينئذ ينشأ في الإسلام
العلماء والفقهاء ، ويبني كل منهم على ما أسسه من قبله ، ويبذل عمره وفهمه وعقله في
سبيل التحرير والتطوير والتحقيق ، فتكتب المصنفات ، وتتنوع المدارس ، وينتشر طلاب
العلم في الآفاق ، وتدور عجلة المعرفة في العالم الإسلامي ، وفي التاريخ كله ،
فتكتب الأجور ، ويقع الابتلاء ، وتتحقق حكم لا يدرك مداها وغورها إلا الله سبحانه
وتعالى .
وهذا لا يعني أن الله عز وجل قد ترك النص الشرعي موهما ملتبسا ، من غير علامات هدى
ولا أمارات إرشاد ، وإلا لوقع الضلال في أكثر أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، ولكننا
في واقع الأمر نجد السواد الأعظم من هذه الأمة ، والتيار الأعم الأغلب من علمائها
قد هدوا إلى طريق الحق والاستقامة ، ولم يتحرف عليهم الدين ، ولم تشتبه عليهم
العقيدة ، وهذا من فضل الله عز وجل على أمتنا ، أن أصول الدين وثوابت الملة وأركان
العقائد لم يقع فيها تبديل ولا تحريف على مستوى جسد الأمة الكبير ، وهذا أمر ظاهر
للعيان ، وإنما دخل على الناس الشبهات بسبب ما يرونه من بعض الاختلافات ، لكن لو
تأمل الجميع في المتفق عليه ، وفي أركان الإسلام والإيمان ، لوجدناها كلها محل
اتفاق وإجماع والحمد لله .
فلفظ ( الخلود ) مثلا في الحديث الشريف تفسره عشرات النصوص التي تدل على أن الله
يغفر كل ذنب ما عدا الشرك به سبحانه ، وأن نفرا يسيرا قتلوا أنفسهم على عهد النبي
صلى الله عليه وسلم ، ومع ذلك لم يحكم عليهم بالكفر والردة ، وغسلوا وكفنوا وصلى
عليهم الصحابة الكرام ؛ مما يعني أن معنى ( الخلود ) في الحديث الشريف ، هو: طول
المكث ، وليس على وجه التأبيد .
ينظر في موقعنا الفتوى رقم : (69770) ، (70363)
، (163938)
، (181675)
.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
” أما قول السائل : ما الحكمة في أنه لم يوجد فيه من الشارع نص يعصم من الوقوع في
المهالك ، وقد كان حريصاً على هدي أمته ؟
فنقول : هذا السؤال مبني علي الأصل الفاسد المتقدم ، المركب من الإعراض عن الكتاب
والسنة ، وطلب الهدي في مقالات المختلفين المتقابلين في النفي والإثبات للعبارات
المجملات المشتبهات ، الذين قال الله فيهم : (وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي
الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ ) [البقرة/176]، وقال تعالى : ( وَمَا اخْتَلَفَ
الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا
بَيْنَهُمْ ) [آل عمران: 19] ، وقال تعالى : ( فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ
زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ) [المؤمنون: 53].
وبذلك يتبين أن الشارع عليه الصلاة والسلام نص على كل ما يعصم من المهالك نصاً
قاطعاً للعذر ، وقال تعالى : ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ
هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ ) [التوبة: 115] ، وقال تعالى :
( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي
وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ) [المائدة: 3] ، وقال تعالى : ( لِئَلَّا
يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ) [النساء: 165] ، وقال
تعالى : ( وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ) [النور: 54] ،
وقال : (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ) [الإسراء: 9] ،
وقال تعالى : ( وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا
لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66) وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا
عَظِيمًا (67) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ) [النساء: 66-68] ، وقال
تعالى : (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ
اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ ) [المائدة: 15-16] .
وقال أبو ذر : ” لقد توفي رسول الله صلي الله عليه وسلم وما طائر يقلب جناحيه في
السماء إلا ذكر لنا منه علماً “.
وفي صحيح مسلم : ” أن بعض المشركين قالوا لسلمان: لقد علمكم نبيكم كل شيء حتى
الخراءة . قال : أجل “.
وقال صلى الله عليه وسلم : ( تركتكم على البيضاء ، ليلها كنهارها ، لا يزيغ عنها
بعدي إلا هالك ) وقال : ( ما تركت من شيء يقربكم إلى الجنة إلا وقد حدثتكم به ، ولا
من شيء يبعدكم عن النار إلا وقد حدثتكم عنه ) وقال : ( ما بعث الله من نبي إلا كان
حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه خيراً لهم ، وينهاهم عن شر ما يعلمه شراً
لهم )
وهذه الجملة يعلم تفصيلها بالبحث ، والنظر ، والتتبع ، والاستقراء ، والطلب لعلم
هذه المسائل في الكتاب والسنة ، فمن طلب ذلك وجد في الكتاب والسنة من النصوص
القاطعة للعذر في هذه المسائل ما فيه غاية الهدى والبيان والشفاء .
وذلك يكون بشيئين :
أحدهما : معرفة معاني الكتاب والسنة .
والثاني : معرفة معاني الألفاظ التي ينطق بها هؤلاء المختلفون ، حتى يحسن أن يطبق
بين معاني التنزيل ومعاني أهل الخوض في أصول الدين ، فحينئذ يتبين له أن الكتاب
حاكم بين الناس فيما اختلفوا فيه ، كما قال تعالى : ( كَانَ النَّاسُ أُمَّةً
وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ
مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا
فِيهِ ) [البقرة: 213] ، وقال تعالى : ( وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ
فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ) [الشورى: 10] ، وقال : ( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي
شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا . أَلَمْ تَرَ إِلَى
الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ
مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا
أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا .
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ
رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا ) [النساء: 59-61] .
وأما المختلفون في الكتاب ، المخالفون له ، المتفقون على مفارقته ، فتجعل كل طائفة
ما أصلته من أصول دينها الذي ابتدعته هو الإمام الذي يجب اتباعه ، وتجعل ما خالف
ذلك من نصوص الكتاب والسنة من المجملات المتشابهات ، التي لا يجوز اتباعها ، بل
يتعين حملها على ما وافق أصلهم الذي ابتدعوه ، أو الإعراض عنها ، وترك التدبر لها .
وهذان الصنفان يشبهان ما ذكره الله في قوله : (أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُوا
لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ
يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ..) [البقرة: 75-79] .
فإن الله ذم الذين يحرفون الكلم عن مواضعه ، وهو متناول لمن حمل الكتاب والسنة على
ما أصله هو من البدع الباطلة ، وذم الذين لا يعلمون الكتاب إلا أماني ، وهو متناول
لمن ترك تدبر القرآن ، ولم يعلم إلا مجرد تلاوة حروفه ، ومتناول لمن كتب كتاباً
بيده مخالفاً لكتاب الله لينال به دينا ، وقال : إنه من عند الله ، مثل أن يقول :
هذا هو الشرع والدين ، وهذا معنى الكتاب والسنة ، وهذا قول السلف والأئمة ، وهذا هو
أصول الدين الذي يجب اعتقاده على الأعيان أو الكفاية ، ومتناول لمن كتم ما عنده من
الكتاب والسنة لئلا يحتج به مخالفه في الحق الذي يقوله ، وهذه الأمور كثيرة جداً في
أهل الأهواء جملة ، كالرافضة والجهمية ونحوهم من أهل الأهواء والكلام ، وفي أهل
الأهواء تفصيلاً ، مثل كثير من المنتسبين إلى الفقهاء مع شعبة من حال الأهواء ” .
انتهى باختصار من ” درء تعارض العقل والنقل ” (1/72-78) .
وهناك حكمة أخرى من إطلاق أحاديث الوعيد بمثل هذه الصيغة ، وهي أنها تكون أبلغ في
الزجر والتخويف ، فيحصل المقصود منها ، وهو اجتناب العباد هذا الفعل المحرم ، فإذا
سمع المسلم أن المنتحر (في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا) فلا شك أنه لن يقدم على
هذا الفعل أبدا ، بخلاف ما لو قيل له : إنه قد يعفو الله عنه ويدخله الجنة بلا
عذاب! فقد يكون في ذلك تشجيع له على هذه المعصية .
ولأجل ذلك كان من عظيم فقه السلف : أنهم يُمِرون نصوص الوعيد كما جاءت ؛ لأن
تأويلها: يذهب فائدتها ، أو يضعفها .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ” عامة علماء السلف يقرون هذه الأحاديث
ويمرونها كما جاءت ، ويكرهون أن تتأول تأويلات تخرجها عن مقصود رسول الله صلى الله
عليه وسلم، وقد نقل كراهة تأويل أحاديث الوعيد: عن سفيان. وأحمد بن حنبل رضي الله
عنهم وجماعة كثيرة من العلماء ونص أحمد على أن مثل هذا الحديث لا يتأول تأويلا
يخرجه عن ظاهره المقصود به..” انتهى “مجموع الفتاوى” (7/674).
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله ، في شرح : “باب : من حمل علينا السلاح فليس منا ” :
” والأولى عند كثير من السلف إطلاق لفظ الخبر من غير تعرض لتأويله ليكون أبلغ في
الزجر ، وكان سفيان بن عيينة ينكر على من يصرفه عن ظاهره فيقول : معناه ليس على
طريقتنا ، ويرى أن الإمساك عن تأويله أولى لما ذكرناه ..” انتهى من “فتح الباري”
(13/24) .
وأخيرا ننبه إلى أن الأمثلة الأخرى التي وردت في السؤال غير دقيقة ، فليس ثمة
أحاديث بجواز بيع القطط ، وما سبق الاستدلال به في الفتوى رقم : (181675)
إنما هو تفقه من جمهور الفقهاء في معنى الحديث ، وليس تعارضا صريحا بين الروايات ،
وللتوسع ينظر أيضا : (69770)
وأما حادثة سقاية الكلب وغفران الذنب بسببها فقد وقعت لكل من الرجل ، والمرأة البغي
، ولا تعارض بينهما ، ويتحقق ذلك لكل من سقى حيوانا ، رحمة وشفقة واحتسابا للأجر
عند الله ، وما أكثر ما وقع ذلك .
عن محمد بن سيرين ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ
بِرَكِيَّةٍ ، كَادَ يَقْتُلُهُ العَطَشُ ، إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا
بَنِي إِسْرَائِيلَ ، فَنَزَعَتْ مُوقَهَا فَسَقَتْهُ فَغُفِرَ لَهَا بِهِ ) رواه
البخاري (3467) ، ومسلم (2245) .
وعَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَنَّ رَجُلًا رَأَى كَلْبًا يَأْكُلُ
الثَّرَى مِنَ العَطَشِ ، فَأَخَذَ الرَّجُلُ خُفَّهُ ، فَجَعَلَ يَغْرِفُ لَهُ
بِهِ حَتَّى أَرْوَاهُ ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ ، فَأَدْخَلَهُ الجَنَّةَ ) رواه
البخاري (173) ،ومسلم (2244) .
يقول الإمام العيني رحمه الله :
” يقطع بأنه قضيتان ، إحداهما للرجل ، والأخرى للمرأة ” انتهى من ” عمدة القاري ”
(16/54) .
وفي الختام ، نصيحتنا لك أن تحرص على طلب العلم ، والقراءة في كتب العلماء ،
والدراسة المتخصصة في الجامعات أو في المساجد ، وحينها ستفسح لك الحقائق بشكل أفضل
، أما الخوض في الشبهات عن غير علم ولا بصيرة ، فذلك طريق خاطئ لا يؤدي بك إلى
العلم ، وإنما إلى القلق والاضطراب .
والله أعلم .

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android