0 / 0
6,85813/03/2015

هل يصرف على مدرسة خاصة بتحفيظ القرآن من عائدات وقف على العلوم الشرعية ؟

السؤال: 226651

هناك في بلدنا مسجد له موقوفات كثيرة ، والواقف قد أوصى بأن تُنفق عائدات الموقوفات على مدارس العلوم الدينية وطلابها ، لذلك أنشِئت مدرسة وفيها طلاب ولا خلاف في ذلك ، أما نحن اقترحنا على إمام المسجد أن ننشئ مدرسة لحفظ القرآن خاصة ، ولكنه قال : لا يجوز ذلك لأن ” نص الواقف كنص الشارع “، والواقف إنما أوقف هذه العائدات لمدرسة تُدرس فيها العلوم الدينية فقط ، وحفظ القرآن ليس من العلوم الدينية ، فهل يجوز أن ننشئ مدرسة لحفظ القرآن من تلك العائدات ؟ وهل حفظ القرآن من العلوم الدينية ؟

ملخص الجواب

والحاصل : أن الذي نراه : أن مدارس تعليم القرآن الكريم ، هي من جملة المدارس الداخلة في شرط الواقف ، إن لم تكن أولى منها ؛ ما لم يدل دليل من نص الواقف ، أو عرف مطرد بذلك : أنه لا تدخل فيه . والله أعلم .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولاً :
يجب أن يُعمل بشرط الواقف ، فإذا خصص الوقف بجهة من جهات البر ، أو وضع شروطا للاستحقاق فالواجب العمل بهذه الشروط ، ولا يجوز إلغاؤها ولا تغييرها .
جاء في ” الموسوعة الفقهية ” (6/307) : ” لَوْ قَيَّدَ الْوَاقِفُ الاِنْتِفَاعَ بِالْوَقْفِ بِشُرُوطٍ مُحَدَّدَةٍ ، فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ يَرْجِعُ إِلَى شَرْطِ الْوَاقِفِ ، لأِنَّ الشُّرُوطَ الَّتِي يَذْكُرُهَا الْوَاقِفُونَ ، هِيَ الَّتِي تُنَظِّمُ طَرِيقَ الاِنْتِفَاعِ بِهِ ، وَهَذِهِ الشُّرُوطُ مُعْتَبَرَةٌ مَا لَمْ تُخَالِفِ الشَّرْع ” انتهى .
وقال الشيخ ابن عثيمين : ” ويجب العمل بشرط الواقف… أي : بما شرط من وصف ، أو قيد ، أو إطلاق ، أو جهة ، أو غير ذلك ، فلا يُرجع في ذلك إلى رأي الناظر ، بل إلى ما شرط الواقف ، فيُعمل به بشرط ألاّ يخالف الشرع ” انتهى من “الشرح الممتع” (11/12).
وقال البهوتي الحنبلي في “الروض المربع ” (5/561) : ” وإن وقف مدرسة على طائفة اختصت بهم ” .
قال ابن قاسم في تعليقه عليه ” (طائفة) أي : كأهل بلد أو أهل مذهب ، اختصت المدرسة بأهل البلد أو أهل المذهب … ثم قال : إن وقف على العلماء ؛ فهم حملة الشرع أهل التفسير والحديث والفقه ، أو على المتفقهة فهم طلبة الفقه ، أو أهل الحديث فهم من اشتغل بالحديث ” انتهى .
ثانيا :
يجب أن يحمل لفظ الواقف على عادته في خطابه ، ولغته التي يتكلم بها ، والعرف المستقر في بلده ، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ” وكلام الواقفين والحالفين والموصين ونحوهم : محمول على الحقائق العرفية ، دون اللغوية ” انتهى من ” الفتاوى الكبرى ” (4/319) .
فإن كان صريح لفظ الواقف أو معناه ، أو كانت هناك قرينة دالة على قصر هذه الأوقاف على طلاب علم الحديث أو التفسير أو الفقه أو نحو ذلك ، فلا يجوز في هذه الحال صرف المال في إنشاء مدرسة خاصة بتحفيظ القرآن ؛ لوجوب العمل بشرط الواقف .

ثالثا :
إن لم يكن نص الواقف أو مفهومه ، دالا على علوم دينية مخصوصة كالحديث أو التفسير أو الفقه أو نحو ذلك ، فإن صرف هذه العائدات على مدارس حفظ القرآن ، تصرف صحيح ، وليس في ذلك مخالفة لشرط الواقف ، بل هو عمل بشرطه ؛ لأن حفظ القرآن الكريم ، رأس العلم ، وأولى ما صرفت فيه الأعمار حفظا وتعلما وتدبرا ، وهو أول ما يبتدئ به طالب العلم.
قال الخطيب البغدادي في كتابه ” الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ” (1/108) : ” ينبغي للطالب أن يبدأ بحفظ كتاب الله عز وجل ، إذ كان أجل العلوم وأولاها بالسبق والتقديم ” ونقل فيه قول ابن مسلم : ” كنا إذا جالسنا الأوزاعي فرأى فينا حدثا، قال: ” يا غلام، قرأت القرآن؟ فإن قال: نعم، قال: اقرأ: (يوصيكم الله في أولادكم) [النساء: 11] وإن قال: لا، قال: اذهب ، تعلم القرآن قبل أن تطلب العلم ” انتهى من ” الجامع ” (1/108) .

وبهذا يُعلم أن قول القائل : “حفظ القرآن ليس من العلوم الدينية” : ليس بصواب .

فإن انضم إلى حفظهم للقرآن العناية بتفسيره وتعلم معانيه – وهو ما نوصي به – ، وتعليم الدارسين ، وتربيتهم بطائفة صالحة من آداب الشرع وأخلاقه : فهم داخلون في شرط الواقف بالأولوية ؛ وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم ( يقترئون من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر آيات “، فلا يأخذون في العشر الأخرى حتى يعلموا ما في هذه من العلم والعمل ، قالوا: فعلمنا العلم والعمل ) أخرجه أحمد في مسنده (5/410) .
وأخرج الطبري في تفسيره (1/35)عن ابن مسعود رضي الله عنه وصححه أنه قال: ” كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات ، لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن ، والعمل بهن” وصححه الشيخ أحمد شاكر .
رابعا :
قول من قال من الفقهاء : ” نص الواقف كنص الشارع ” قصده بذلك : أنها كنصوص الشارع في طرق فهمها ، من حيث العموم أو الخصوص ، أو الإطلاق أو التقييد … ونحو ذلك ، ولم يقصدوا أنها كنصوص الشارع في وجوب العمل بها ، فإن كلام الله لا يساويه ولا يقاربه كلام أحد من البشر كائنا من كان .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ” وقولُ الفقهاءِ: نُصوصُ الواقفِ كنُصوصِ الشارعِ : يعني في الفَهْمِ والدلالةِ ، لا في وجوبِ العملِ ” انتهى من ” الفتاوى الكبرى ” (5/429) .

وقد انتقد ابن القيم رحمه الله هذه العبارة فقال : ” هذه جملةٌ من أبطلِ الكلام ، وليس لنصوص الشارع نظير من كلام غيره أبدا ، بل نصوص الواقف يتطرق إليها التناقض والاختلاف ، ويجب إبطالها إذا خالفت نصوص الشارع وإلغاؤها ، ولا حرمة لها حينئذ ألبتة ، ويجوز – بل يترجح – مخالفتها إلى ما هو أحب إلى الله ورسوله منها ، وأنفع للواقف والموقوف عليه ” .
انتهى من ” إعلام الموقعين ” (3/293) .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android