رأيت مقاطع وثائقية عن أشخاص يروون قصتهم أنهم اقتربوا من الموت وعادوا إلى الحياة
فيتكلمون أنهم رأوا نور وكانوا سعيدين جدا وتمنوا أن لا يعودوا إلى الحياة .
السؤال : كيف يرون هكذا أشياء رغم أنهم نصارى وغير مسلمين ونحن نعلم إن الكافر يبشر بالنار وليس بالسعادة ورؤية النور ؟
صور من فتنة الشيطان لأوليائه وإضلاله لهم
السؤال: 227237
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
ميزان الخير والشر ، والصلاح والفساد ، هو العمل ، فمن عمل صالحا فهو من أهل الخير والصلاح في الدنيا والآخرة ، وله الحياة الطيبة في الدارين ، ومن عمل سوءا فهو من أهل الشر والفساد في الدنيا والآخرة ، وله حياة النكد والشقاء في الدارين ، قال تعالى : ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) النحل/97 .
قال ابن كثير رحمه الله :
” هذا وعد من الله تعالى لمن عمل صالحا – وهو العمل المتابع لكتاب الله تعالى ، وسنة نبيه ، من ذكر أو أنثى من بني آدم ، وقلبه مؤمن بالله ورسوله ، وإن هذا العمل المأمور به مشروع من عند الله – بأن يحييه الله حياة طيبة في الدنيا ، وأن يجزيه بأحسن ما عمله في الدار الآخرة .
والحياة الطيبة تشمل وجوه الراحة ، من أي جهة كانت ” انتهى من ” تفسير ابن كثير ” (4 /601) .
ثانيا :
يحرص الشيطان على إغواء بني آدم وإضلالهم وصدهم عن طريق الله ، ووسائل الشيطان وطرقه في ذلك كثيرة ، ولا ينجو منها إلا من عصمه الله ، ولذلك .. شرع لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الاستعاذة بالله من فتنة المحيا والممات . وهي الفتن التي يتعرض لها الإنسان في حياته ، وعند وفاته ، وبعد وفاته وذلك بالسؤال في القبر .
انظر جواب السؤال رقم : (60191) .
فالشيطان يتسلط على ابن آدم ، وخاصة عند الموت : إما ليغويه إن كان على استقامة في أيام حياته ؛ لئلا يفوته بالموت ، وإما ليثبته على الغي ، ويحول بينه وبين التوبة إن كان من أهل الضلالة .
فربما عرض للمؤمن قبل موته ليفتنه عن دينه ، ويخبره أن دين النصرانية أو اليهودية هو دين الحق ، ويدعوه إليه .
وقد يعرض للكافر في مرضه الشديد ، فيريه أنه على خير ، ويبشره ، ويخيِّل له خيالات وأوهاما ، مما يغرّ به أولياءه ، وقد قال تعالى : ( فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ) لقمان/ 33 ، والغرور : الشيطان .
وقد يلقي في قلبه الانشراح والفرحة الزائفة الزائلة ، ويريه نورا وجنات وأنهارا ، يوهمه أنه يرى جنة الخلد ، وما هو إلا كذبه وخيالاته ، فيغتر به الغويّ ، ويثبت على ما هو عليه من الضلال .
فإذا عافاه الله من مرضه ، استبشر ، وذهب يخبر الناس بما رأى ، فيزداد غيا إلى غيه ، وكذا من يصدقه ويتابعه .
وقد يتبدى لهم الشيطان في صورة نور يظهر في الأفق ، ويوهمهم أنه ملك من الملائكة ، أو صالح من الصالحين ، أو مريم العذراء البتول ، ويفعل الشيطان ذلك كثيرا مع أهل الضلال من النصارى وغيرهم ، ومن أهل البدعة من المسلمين ، بأنواع من الغوايات والأضاليل .
قال شيخ الإسلام ابن تيمة رحمه الله :
” أعرف من تخاطبه النباتات بما فيها من المنافع ، وإنما يخاطبه الشيطان الذي دخل فيها ، وأعرف من يخاطبهم الحجر والشجر ، وتقول : هنيئا لك يا ولي الله ، فيقرأ آية الكرسي ، فيذهب ذلك .
وأعرف من يقصد صيد الطير ، فتخاطبه العصافير وغيرها ، وتقول : خذني حتى يأكلني الفقراء ، ويكون الشيطان قد دخل فيها ، كما يدخل في الإنس ، ويخاطبه بذلك ، ومنهم من يكون في البيت وهو مغلق ، فيرى نفسه خارجه وهو لم يفتح ، وبالعكس ، وكذلك في أبواب المدينة ، وتكون الجن قد أدخلته وأخرجته بسرعة ، أو تريه أنوارا ، وتُحْضِرُ عنده مَنْ يطلُبه ، ويكون ذلك من الشياطين يتصورون بصورة صاحبه ، فإذا قرأ آية الكرسي مرة بعد مرة ، ذهب ذلك كله .
وأعرف من يخاطبه مخاطب ويقول له : أنا من أمر الله ، ويعده بأنه المهدي الذي بشر به النبي صلى الله عليه وسلم ، ويظهر له الخوارق ، مثل أن يخطر بقلبه تصرف في الطير والجراد في الهواء ، فإذا خطر بقلبه ذهاب الطير أو الجراد يمينا وشمالا ، ذهب حيث أراد ، وإذا خطر بقلبه قيام بعض المواشي ، أو نومه ، أو ذهابه ، حصل له ما أراد من غير حركة منه في الظاهر ، وتحمله إلى مكة ، وتأتي به ، وتأتي بأشخاص في صورة جميلة ، وتقول له : هذه الملائكة الكروبيون أرادوا زيارتك ، فيقول في نفسه : كيف تصوروا بصورة المردان ؟ فيرفع رأسه فيجدهم بلحى ، ويقول له : علامة أنك أنت المهدي أنك تنبت في جسدك شامة ، فتنبت ويراها ، وغير ذلك ، وكله من مكر الشيطان .
وهذا باب واسع ، لو ذكرت ما أعرف منه لاحتاج إلى مجلد كبير ” انتهى من ” الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ” (ص 188-190) .
وقال شيخ الإسلام أيضا :
” …. وَعِنْدَ الْمُشْرِكِينَ عُبَّادِ الْأَوْثَانِ وَمَنْ ضَاهَاهُمْ مِنْ النَّصَارَى وَمُبْتَدِعَةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ فِي ذَلِكَ مِنْ الْحِكَايَاتِ مَا يَطُولُ وَصْفُهُ ، فَإِنَّهُ مَا مِنْ أَحَدٍ يَعْتَادُ دُعَاءَ الْمَيِّتِ وَالِاسْتِغَاثَةَ بِهِ نَبِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَ نَبِيٍّ ، إلَّا وَقَدْ بَلَغَهُ مِنْ ذَلِكَ مَا كَانَ مِنْ أَسْبَابِ ضَلَالِهِ ؛ كَمَا أَنَّ الَّذِينَ يَدْعُونَهُمْ فِي مَغِيبِهِمْ وَيَسْتَغِيثُونَ بِهِمْ فَيَرَوْنَ مَنْ يَكُونُ فِي صُورَتِهِمْ أَوْ يَظُنُّونَ أَنَّهُ فِي صُورَتِهِمْ ، وَيَقُولُ : أَنَا فُلَانٌ وَيُكَلِّمُهُمْ وَيَقْضِي بَعْضَ حَوَائِجِهِمْ ، فَإِنَّهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّ الْمَيِّتَ الْمُسْتَغَاثَ بِهِ هُوَ الَّذِي كَلَّمَهُمْ وَقَضَى مَطْلُوبَهُمْ ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ الْجِنِّ وَالشَّيَاطِينِ .
وَأَوْلِيَاءُ اللَّهِ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ الْمُتَّقُونَ وَكَرَامَاتُهُمْ ثَمَرَةُ إيمَانِهِمْ وَتَقْوَاهُمْ ، لَا ثَمَرَةُ الشِّرْكِ وَالْبِدْعَةِ وَالْفِسْقِ ” انتهى باختصار من ” مجموع الفتاوى ” (1/171-177) .
فالذي يراه هؤلاء النصارى وغيرهم من أهل الضلال – إن صدقوا في هذا – إنما هو من خيالات الشيطان وخبالاته ، فيريهم نورا ، ويوهمهم بالسعادة ، ويقذف في قلوبهم أنهم من الصفوة الأخيار ، وأن لهم السعادة الأبدية بعد الموت ، فيظنون أن ذلك حقٌ ، فيسعدون به ، ويتمسكون بما هم عليه من الباطل ويفتنون غيرهم .
أما في حال النزع الذي لا يرجع صاحبه إلى الناس ، ولا يمكنه أن يخبرهم بحاله : فالكافر يبشر بالنار ، ويضيق صدره ، ويذوق من كرب الموت وشدته ما يكون بالنسبة له بدء العذاب السرمدي الأبدي .
قال تعالى : ( وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ ) الأنعام/ 93 ، وقال تعالى : ( وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ) الأنفال/ 50 .
قال ابن القيم رحمه الله :
” فَهَذِهِ الإذاقة هِيَ فِي البرزخ وأولها حِين الْوَفَاة ، فَإِنَّهُ مَعْطُوف على قَوْله ( يضْربُونَ وُجُوههم وأدبارهم ) … وَكِلَاهُمَا وَاقع وَقت الْوَفَاة ” انتهى من ” مفتاح دار السعادة ” (1/ 43) .
وقال ابن كثير رحمه الله :
” يقول تعالى : ولو عاينت يا محمد حال توفي الملائكة أرواح الكفار ، لرأيت أمرا عظيما هائلا فظيعا منكرا ؛ إذ يضربون وجوههم وأدبارهم ، ويقولون لهم : ( ذوقوا عذاب الحريق ) ” انتهى من ” تفسير ابن كثير ” (4/76) .
وينظر للاستزادة في جواب السؤال رقم : (34361) ، (221938) .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة