عن أبي ذر رضي الله عنه ، قال : ” كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : ( لغير الدجال أخوفني على أمتي ( قالها ثلاثًا ) ” ، قال : قلت : يا رسول الله ! ما هذا الذي غير الدجال أخوفك على أمتك ؟ قال : ( أئمة مضلين ) مسند أحمد 145/5 حديث رقم 21334 ، 21335 .
هل هذا الحديث صحيح ، وما شرحه ؟
الكلام على حديث : ( لَغَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُنِي عَلَى أُمَّتِي ) قيل : من ؟ قَالَ : ( أَئِمَّةً مُضِلِّينَ ) سندا ومتنا .
السؤال: 227248
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
هذا الحديث رواه الإمام أحمد (21296) من طريق ابْن لَهِيعَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ هُبَيْرَةَ ، أَخْبَرَنِي أَبُو تَمِيمٍ الْجَيْشَانِيُّ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو ذَرٍّ ، قَالَ : ” كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : ( لَغَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُنِي عَلَى أُمَّتِي ) قَالَهَا ثَلَاثًا . قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، مَا هَذَا الَّذِي غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُكَ عَلَى أُمَّتِكَ ؟ قَالَ : ( أَئِمَّةً مُضِلِّينَ ) ” .
وهذا إسناد ضعيف ، ابن لهيعة ضعيف الحديث ، وكان قد اختلط .
انظر : ” الميزان ” (2/476) .
غير أن هذا الحديث قد ورد بعدة أسانيد وله شواهد يرتقي بها إلى درجة الصحة .
فمن ذلك :
– ما رواه أبو داود (4252) ، والترمذي (2229) عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه مرفوعا بلفظ : ( إِنَّمَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي الْأَئِمَّةَ الْمُضِلِّينَ ) ، وصححه الألباني رحمه الله في ” صحيح سنن أبي داود ” .
وقد جاء في صحيح مسلم (2937) الإشارة إليه ، فعَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ رضي الله عنه ، قَالَ : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُنِي عَلَيْكُمْ ، إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ ، فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ ، وَإِنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ ، فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ ، وَاللهُ خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ ) .
قال النووي رحمه الله في ” شرح صحيح مسلم ” :
” وَأَمَّا مَعْنَى الْحَدِيث فَفِيهِ أَوْجُه أَظْهَرهَا أَنَّهُ مِنْ أَفْعَل التَّفْضِيل , وَتَقْدِيره غَيْر الدَّجَّال أَخْوَف مُخَوِّفَاتِي عَلَيْكُمْ , ثُمَّ حَذَفَ الْمُضَاف إِلَى الْيَاء , وَمِنْهُ : أَخْوَف مَا أَخَاف عَلَى أُمَّتِي الْأَئِمَّة الْمُضِلُّونَ ) ” انتهى .
وقد ذكر الألباني رحمه الله طرق الحديث وصححه في ” سلسلة الأحاديث الصحيحة ” (1582) ، (1989) .
وقد جود إسناده الحافظ العراقي في ” تخريج الإحياء ” (ص72) ، وكذا ابن كثير في ” مسند الفاروق ” (2/535) ، والمناوي في ” التيسير ” (2/ 162) ، وقال الشيخ أحمد شاكر في ” تحقيق مسند أحمد ” (1/150) : إسناده حسن . انتهى .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
“حديث الأئمة المضلون محفوظ ، وأصله في الصحيح ” انتهى من ” بيان تلبيس الجهمية ” (2/293) .
ثانيا :
معنى الحديث : أن الأئمة المضلين من أشد ما يخاف النبي صلى الله عليه وسلم على أمته ، حتى إنهم أخوف عنده على أمته من الدجال .
قال المناوي رحمه الله :
” قال أبو البقاء : معناه : أني أخاف على أمتي من غير الدجال أكثر من خوفي منه .
وقال ابن العربي : هذا لا ينافي خبر : ( لا فتنة أعظم من فتنة الدجال ) ؛ لأن قوله هنا : ( غير الدجال … إلخ ) ، إنما قاله لأصحابه ، لأن الذي خافه عليهم أقرب إليهم من الدجال ، فالقريب المتيقن وقوعه لمن يُخاف عليه ، يشتد الخوف منه ، من البعيد المظنون وقوعه ، ولو كان أشد ” انتهى من ” فيض القدير ” (4/535) .
وقال النووي رحمه الله في ” شرح مسلم ” (18/64) :
” ( أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي الْأَئِمَّةَ الْمُضِلُّونَ ) مَعْنَاهُ : أَنَّ الْأَشْيَاءَ الَّتِي أَخَافُهَا عَلَى أُمَّتِي ، أَحَقُّهَا بِأَنْ تُخَافَ : الْأَئِمَّةُ الْمُضِلُّونَ ” انتهى .
والمقصود بالأئمة المضلين : الأئمة المتبوعون الذين يضلون الناس عن سبيل الله ، فيدخل في ذلك : الحكام الفسدة ، والعلماء الفجرة ، والعُبَّاد الجهلة .
وكما وجد في أهل الكتاب علماء فجرة يصدون الناس عن سبيل الله ويضلونهم كما قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنْ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ) التوبة/34 ، فقد وجد من هذه الأمة من العلماء والعباد من كان مثل علماء وعباد أهل الكتاب .
” قال سفيان بن عيينة رحمه الله : كَانُوا يَقُولُونَ : مَنْ فَسَدَ مِنْ عُلَمَائِنَا فَفِيهِ شَبَهٌ مِنْ الْيَهُودِ ، وَمَنْ فَسَدَ مِنْ عُبَّادِنَا فَفِيهِ شَبَهٌ مِنْ النَّصَارَى . وقال غير واحد من السلف : احْذَرُوا فِتْنَةَ الْعَالِمِ الْفَاجِرِ وَالْعَابِدِ الْجَاهِلِ ، فَإِنَّ فِتْنَتَهُمَا فِتْنَةٌ لِكُلِّ مَفْتُونٍ” انتهى من ” مجموع الفتاوى ” لابن تيمية (1/197) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
” فالأئمة المضلون هم الأمراء ” انتهى من ” مجموع الفتاوى” (1/355) .
وقال السندي في ” حاشية ابن ماجة ” (2/465) :
” ( أئمة مضلين ) أي : داعين الخلق إلى البدع ” انتهى .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
” ( الأئمة المضلين ) أئمة الشر ، وصدق النبي صلى الله عليه وسلم ، إن أعظم ما يخاف على الأمة الأئمة المضلون ، كرؤساء الجهمية والمعتزلة وغيرهم الذين تفرقت الأمة بسببهم .
والمراد بقوله : ( الأئمة المضلين ) : الذين يقودون الناس باسم الشرع ، والذين يأخذون الناس بالقهر والسلطان ، فيشمل الحكام الفاسدين ، والعلماء المضلين ، الذين يدعون أن ما هم عليه شرع الله ، وهم أشد الناس عداوة له ” انتهى من ” القول المفيد على كتاب التوحيد ” (1/365) .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب