0 / 0

حدث بينه وبين صاحبه نزاع فحلف له صاحبه بالله ولكنه يشعر أنه يتلاعب بالألفاظ

السؤال: 227825

كذب علي أحد الزملاء ، وكان بكذبه ظلم لي ، وكشفت كذبه بما لا يدع مجالاً للهرب من كذبته ، واعترف بلسانه أنه كاذب ، ومن ثم اعتذر عن كذبه ، وقبلت اعتذاره ، فإذا به يشير إلىِ بيديه أني مجنون أثناء حديثي معه ، وبعد أن قبلت اعتذاره فأجبته بقول أشير فيه أنه هو المجنون وأعرضت عنه ، وأصبحت لا أكلمه إلا فيما يخص العمل فقط ، وبعد فتره قصيرة قلت له : كيف تشير إلى بيديك أني مجنون بعد أن قبلت اعتذارك ، فإذا به ينكر ووضع يديه على المصحف ، وقال : أقسم بالله العظيم الذي له الأسماء الحسنى أني(لا أتذكر) أني أشرت إليك بيدي أنك مجنون ، واتهمني بأني كاذب في ادعائي عليه ، وأن هذا الأمر لا يمكن أن يصدر منه أبداً وعلى الإطلاق ، عندها أردت أن آخذ المصحف وأحلف بالله أنه فعل فأزاح المصحف عني ، وقال : لا أريدك أن تحلف ، فطلبت منه أن يحلف بالله وبالقرآن أنه لم يفعل هذا الأمر وأن يحلف بلفظ( لم أفعل) وأن لا يستخدم لفظ(لا أتذكر) فرفض! وهنا دليل على أنه يتذكر جيدا هذا الأمر وإلا لحلف أنه لم يفعل بلا تردد إلا أنه حلف بلا أتذكر حتي يسقط على تهمة الكذب وأكون كاذباً مثله جهلاً منه واستهتار بالحلف والقران وأن التلاعب بالألفاظ بالحلف بالله بكلمة (لا أتذكر) تنجي من اليمين الغموس، فذكرته أن الحلف بالله أمره عظيم ، ويهلكه في الدنيا ، وأن الله سيحكم بيننا ، فأجابني أنه حلف أنه لا يتذكر ولم يحلف أنه لم يفعل ، وعلى هذا فإن حديثه شاهد عليه ، ويبين أنه حلف كذباً فاليمين لا تنعقد ًبلفظ لا أتذكر، فما الواجب فعله تجاه هذا الشخص بما أشار إلى بيديه وبعد أن قبلت اعتذاره وبإسقاطه على تهمة الكذب ظلما بحلفه بالله كذباً متعمداً حتي أظهر أني كاذبً مثله ؟ مع العلم أنه يتذكر جوابي عليه جيداً بعد أن أشار إلى بيديه إلا أنه يحلف أنه لا يتذكر فعلته فقط .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

الحلف بالله كاذبا أمر محرم ، وهو اليمين الغموس عند بعض العلماء ، وهو كبيرة من كبائر الذنوب ؛ لما روى البخاري (6675) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( الْكَبَائِرُ : الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ ، وَقَتْلُ النَّفْسِ ، وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ( .
فالواجب على من وقع في هذا المنكر أن يتوب إلى الله تعالى ويسأله العفو والمغفرة ، ويعزم على عدم الحلف كاذباً مرة أخرى .
وهذه اليمين الكاذبة لا كفارة فيها عند كثير من أهل العلم ؛ لأنها أعظم من أن تكفّر .قال الإمام مالك رحمه الله في اليمين الغموس : ” الْغَمُوسُ : الْحَلِفُ عَلَى تَعَمُّدِ الْكَذِبِ . . . وَهُوَ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ تُكَفِّرَهُ الْكَفَّارَةُ ” انتهى باختصار من “التاج والإكليل” (4/406) ، ونحوه في “المدونة” (1/577) .
وقال ابن قدامة رحمه الله : “(ومن حلف على شيء ، وهو يعلم أنه كاذب ، فلا كفارة عليه ; لأن الذي أتى به أعظم من أن تكون فيه الكفارة) هذا ظاهر المذهب ، نقله الجماعة عن أحمد ، وهو قول أكثر أهل العلم ، منهم ابن مسعود ، وسعيد بن المسيب ، والحسن ، ومالك ، والأوزاعي ، والثوري ، والليث ، وأبو عبيد ، وأبو ثور ، وأصحاب الحديث ، وأصحاب الرأي من أهل الكوفة ، وهذه اليمين تسمى يمين الغموس ; لأنها تغمس صاحبها في الإثم . قال ابن مسعود : كنا نعدّ من اليمين التي لا كفارة لها ، اليمين الغموس . وعن سعيد بن المسيب ، قال: هي من الكبائر ، وهي أعظم من أن تكفر” انتهى من “المغني” (9/392) .
وما دام صاحبك قد حلف لك أنه لا يتذكر ذلك : فعليك أن تعذره ، وتصدقه ؛ فلربما نسي ما فعل ، ولربما كان لا يقصد هذا المعنى السيء الذي ذكرت، فما دام أنه قد حلف لك أنه لا يتذكر فعليك أن تصدقه ، وأن تكل قصده وسريرته إلى علام الغيوب الذي يعلم السر وأخفى، فقد أخرج ابن ماجه في سننه (2101) عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: ” سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يَحْلِفُ بِأَبِيهِ، فَقَالَ: (لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، مَنْ حَلَفَ بِاللَّهِ فَلْيَصْدُقْ، وَمَنْ حُلِفَ لَهُ بِاللَّهِ فَلْيَرْضَ، وَمَنْ لَمْ يَرْضَ بِاللَّهِ ، فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ ) وصححه الألباني .

ثم إن كان لا يتذكر ، فإنه يكون بارا في يمينه حتى وإن كان قد فعل هذا الفعل ونسيه .
أما إن كان يتذكر وحلف أنه لا يذكر فإنه يكون يمينا غموسا كما سبق .

والنصيحة لك أيها السائل أن تترفع عن هذه السفاسف ، وتدع الحدة وسوء الظن بإخوانك ، وأن تقدر له أنه لم يحب لك أن تحلف على أمر ، ربما تكون أنت المخطئ أو الواهم فيه ، مع أن حلفك لا يضره في شيء .
فجاهد نفسك ـ يا عبد الله ـ أن تتحلى بالحلم والعفو والصفح عمن أساء إليك ، فقد مدح الله سبحانه من يفعل ذلك بقوله : (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ . الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) آل عمران/ 133، 134، وقوله تعالى : (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ . وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) فصلت/ 34، 35 .
وتذكر أن الشيطان لا يفتر أن يحرش بين المسلمين وينزغ بينهم ، فقد قال الله تعالى : (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا) الإسراء/ 53 ، وأخرج مسلم (2812) عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: ( إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ ، وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ ).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android