الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
إذا فُقد إنسان ، أو غاب غيبة منقطعة لا يدرى عن حاله فيها ، أحي هو أم ميت ؟ وكان ظاهر غيبته الهلاك ، فجمهور أهل العلم على أنه يُنتظر أربع سنوات منذ فقد ، ثم يُحكم بعدها بوفاته ، فتقسم أمواله ، وتعتد امرأته .
وذهب أبو حنيفة والشافعي في قوله الجديد إلى أنه : لا يحكم بوفاته حتى يأتي خبر موته ، أو يبلغ سنا لا يعيش فيها .
ينظر " المغني " (8/131) ، و" الموسوعة الفقهية " (29/333) .
واحتج الجمهور بما جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما أنه قضى في المفقود : أن تتربص امرأته أربع سنين ، ثم يطلقها ولي زوجها ، ثم تربص بعد ذلك أربعة أشهر وعشرا ، ثم تزوج ( أخرجه البيهقي 7/445 ) وصحح إسناده الألباني في " إرواء الغليل " (6/151) .
وقال الإمام أحمد رحمه الله : " مَنْ تَرَكَ هَذَا الْقَوْلَ ؛ أَيَّ شَيْءٍ يَقُولُ ؟! وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ. قَالَ أَحْمَدُ: خَمْسَةٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " انتهى من " المغني " (8/131) .
ومن الصور التي ذكرها العلماء للغَيبة التي ظاهرها الهلاك :
" الَّذِي يُفْقَدُ مِنْ بَيْنِ أَهْلِهِ ، لَيْلًا أَوْ نَهَارًا ، أَوْ يَخْرُجُ إلَى الصَّلَاةِ فَلَا يَرْجِعُ ، أَوْ يَمْضِي إلَى مَكَان قَرِيبٍ لِيَقْضِيَ حَاجَتَهُ وَيَرْجِعَ ، فَلَا يَظْهَرُ لَهُ خَبَرٌ، أَوْ يُفْقَدُ بَيْنِ الصَّفَّيْنِ ، أَوْ يَنْكَسِرُ بِهِمْ مَرْكَبٌ فَيَغْرَقُ بَعْضُ رُفْقَتِهِ ، أَوْ يُفْقَدَ فِي مَهْلَكَةٍ ، كَبَرِّيَّةِ الْحِجَازِ وَنَحْوِهَا " انتهى من " المغني " .
ورفع أحد القضاة إلى الشيخ محمد بن إبراهيم قضية رجل فُقد ليلة النزول من عرفة وقت الحج ، وله زوجة وميراث ، هل الغالب على الظن موته ، أو حياته ؟
فأجاب " نُفيدكم أن فقده على هذه الصورة يعتبر مما غالبه الهلاك ، حيث إن من يفقد في مثل تلك الليلة ، يكتنفه من أخطار الدهس والصدم والمرض بضربة الشمس ونحوه ، ما يعتبر مبرراً لما ذكرنا من أن فقده يلحق بمن غالبه الهلاك " انتهى من " فتاوى ابن إبراهيم " (9/264) .
وما دام السؤال إنما هو عن الصلاة عليهما ، فإنه يصلى عليهما صلاة الغائب ، لأن الغالب أن من يفقد هذه المدة الطويلة أنه يكون قد قتل أو مات ، لا سيما مع وجود بعض أخبار بأن أخاك قد قتل ، كما في السؤال ؛ فإذا قدر أنه لم يكن قد مات أو قتل حقيقة .
فأمر الصلاة على الغائب أهون ، ولم يترتب على ذلك فوات لحق أحد ، ولا إضاعة لحد من حدود الله ، وغلبة الظن معتبرة في بناء الأحكام الشرعية ، ومقصود الصلاة : إنما هو الدعاء والاستغفار .
ثانيا :
هناك أحكام أخرى تترتب على الحكم بوفاة الشخص ، كتقسيم تركته ، وحل زوجته للأزواج بعد انقضاء عدة الوفاة … إلخ ، وهذه الأحكام تحتاج إلى حكم من القاضي بوفاته ، حتى لا يحصل اضطراب وفوضى واعتداء على الحقوق .
قال الشيخ ابن عثيمين – في مسألة المفقود – :
" لا بد من حكم الحاكم ؛ لئلا يقع الناس في الفوضى ؛ لأننا إذا قلنا : كل امرأة تفقد زوجها تتربص المدة التي يغلب على ظنها أنه مات ، ثم تتزوج ، صار في هذا فوضى … لا بد من مراجعة القاضي ، وهو الذي يتولى هذا الأمر ، وهذا متعين ".
انتهى من " الشرح الممتع " (13/374) .
وانظر لمزيد الفائدة الفتوى : (2313) .
والله أعلم .