0 / 0

لا يجوز بيع الوقف ولا شراؤه

السؤال: 228381

قام رجلان بجعل معظم أملاكهم وقف لله سبحانه وتعالى ، ولكن بعد تعرضهم لضائقة مالية قاموا ببيع جزء من هذا الوقف ، وبعد وفاتهما قام ورثتهما ببيع جزء آخر من هذا الوقف ، وقد قام والدي بشراء بعض هذه الممتلكات من رجل آخر اشتراها من أحد أبناء الرجلين ، فما الحكم الشرعي وهل يأثم أبي إن باع هذه الممتلكات أو استخدمها بعد أن اشتراها ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
روى البخاري (2764) ، ومسلم (1632) أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أراد أن يتصدق بنخل له ، فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم ، فأمره أن يوقفه ، فقال صلى الله عليه وسلم : ( تَصَدَّقْ بِأَصْلِهِ ، لاَ يُبَاعُ وَلاَ يُوهَبُ وَلاَ يُورَثُ، وَلَكِنْ يُنْفَقُ ثَمَرُهُ ) .
ولفظ مسلم : ( لَا يُبَاعُ أَصْلُهَا، وَلَا يُبْتَاعُ ) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
زَادَ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ : ( حَبِيسٌ [أي : وقف] مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ ) " انتهى من "فتح الباري" (5/ 401) .
وقال الشيخ عبد الله البسام رحمه الله :
" يؤخذ من قوله: (لا يباع أصلها ولا يوهب ولا يورث) حكم التصرف في الوقف ، فإنه لا يجوز نقل الملك فيه ، ولا التصرف الذي يسبب نقل الملك، بل يظل باقيا لازما، يعمل به حسب شرط الواقف الذي لا حيف فيه ولا جنف " انتهى من "تيسير العلام" (ص 535) .
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( لَا يُبَاعُ أَصْلُهَا، وَلَا يُبْتَاعُ ) يدل على أن الوقف لا يصح بيعه ولا شراؤه .
قال أبو الحسن الماوردي رحمه الله :
" شِرَاءُ الْوَقْفِ بَاطِلٌ بِوِفَاقٍ [أي : باتفاق العلماء]" انتهى من "الحاوي" (3/ 332) .

ثانيا :
إذا وقف الإنسان شيئا لزم الوقف ، وانقطع حق الواقف في التصرف في العين الموقوفة ، فلا يباع ولا يوهب ولا يورث .
وليس للواقف الرجوع في وقفه ، حتى وإن احتاج إليه .

سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء عن رجل وقف أرضا لتكون مقبرة ، وبقيت سنوات لم يدفن فيها أحد ، وأحيل إلى التقاعد (المعاش) ، وأراد الرجوع فيها ، أو في بعضها ، لحاجته إليها. فهل يجوز ذلك ؟
فأجابت:
" لا يجوز الرجوع فيما وقفته من الأرض ، ولا في بعضها؛ لأنها خرجت عن ملكك بالوقف ، إلى الانتفاع بها فيما جُعلتْ له ، فإن احتيج إليها في تلك الجهة للدفن فيها فبها، وإلا بيعت وجعل ثمنها في مقبرة في جهة أخرى ، وذلك التصرف بمعرفة قاضي تلك الجهة التي فيها الأرض الموقوفة .
وضعف حالك بعد إحالتك على التقاعد : لا يبرر لك الرجوع في وقفك ، وارج الله أن يأجرك ، ويخلف عليك خيرا مما أنفقت " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (16/ 96) .
وينظر جواب السؤال رقم : (103236) ، (140176) .
ثالثا :
من استولى على الوقف وباعه ، فهو غاصب لهذا الوقف ، حتى وإن كان هو مالكه الأصلي ، قبل أن يصير وقفا ، والواجب عليه أن يرده ، أو ويرد بدله إن تعذر رده بعينه ، وكذا الحكم في كل من انتقل إليه الوقف ببيع إو إجارة أو هدية أو ميراث .. إلخ .
وقد سبق في السؤال رقم : (10323 ) أن الأيدي التي ينتقل إليها المغصوب عن طريق الغاصب ، كلها تضمن المغصوب إذا تلف فيها , كيد المشتري, ويد المستأجر .
وفي كل الصور: إذا علم الثاني بحقيقة الحال , وأن الدافع إليه غاصب ؛ فالضمان يستقر عليه في النهاية ؛ لأنه متعمد للعدوان على ملك غيره ، وإن لم يعلم بحقيقة الحال ، فالضمان على الغاصب الأول .
جاء في "الفتاوى الكبرى" لابن تيمية (5/ 418):
" قَالَ فِي " الْمُحَرَّرِ " : وَمَنْ قَبَضَ مَغْصُوبًا مِنْ غَاصِبِهِ ، وَلَمْ يَعْلَمْ : فَهُوَ بِمَنْزِلَتِهِ فِي جَوَازِ تَضْمِينِهِ الْعَيْنَ وَالْمَنْفَعَةَ، لَكِنَّهُ يَرْجِعُ إذَا غَرِمَ ، عَلَى غَاصِبٍ ، بِمَا لَمْ يَلْزَمْهُ ضَمَانُهُ خَاصَّةً " انتهى .
وقال ابن رجب رحمه الله في "القواعد" (ص 210):
" مَنْ قَبَضَ مَغْصُوبًا مِنْ غَاصِبِهِ ، وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مَغْصُوبٌ : فَالْمَشْهُورُ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبِ ، فِي جَوَازِ تَضْمِينِهِ مَا كَانَ الْغَاصِبُ يَضْمَنُهُ ، مِنْ عَيْنٍ وَمَنْفَعَةٍ " انتهى .

والخلاصة :
أن شراء والدك للوقف شراء باطل ، ولا يجوز له تملكه والانتفاع به ، فيرجع والدك على من باع له ، ويسترد منه الثمن ، ويعود الوقف وقفاً كما كان .
هذا هو الواجب شرعا .

والله تعالى أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android