حكم فعل الطاعات بقصد الفوائد الدنيوية
السؤال: 228454
هل يجوز للإنسان أن يفعل طاعة وعبادة لله ويقصد من ورائها الحصول على منفعة دنيوية ؟
ملخص الجواب
والخلاصة : من فعل الطاعات بقصد الثمرات الدنيوية فقط : فليس له عند الله نصيب (يتصدق للشفاء ، تقرأ البقرة للزواج ، يصوم للحمية ، يجاهد للغنيمة ، يحج للتجارة ..) . وأما من نوى وجه الله والدار الآخرة ، وجعل الفوائد الدنيوية تبعاً وضمناً ، لا أصلاً وأساساً : فلا حرج عليه . والله أعلم .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
الأصل في المسلم أن يقصد بعبادته وطاعته مرضاة الله ، وأن تكون نيته متمحضةً لذلك .
ومن فعل الطاعة أو العبادة بقصد الحصول على ثمرة دنيوية ، فإن له في ذلك حالين:
الأولى : أن تكون الثمرة الدنيوية هي كل مبتغاه وقصده .
فيصوم لأجل الحمية والريجيم ، ويحج عن غيره طلباً للمال فقط ، ويخرج للجهاد لأجل
الغنيمة ، ويتصدق بنية الشفاء أو الثناء … الخ .
فهذا ليس له في الآخرة من نصيب .
قال تعالى : (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ
إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ
الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا
فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).
قال ابن جرير الطبري : ” مَنْ عَمِلَ صَالِحًا الْتِمَاسَ الدُّنْيَا صَوْمًا
أَوْ صَلَاةً أَوْ تَهَجُّدًا بِاللَّيْلِ لَا يَعْمَلُهُ إِلَّا لِالْتِمَاسِ
الدُّنْيَا ؛ يَقُولُ اللَّهُ : أُوَفِّيهِ الَّذِي الْتَمَسَ فِي الدُّنْيَا مِنَ
الْمَثَابَةِ ، وَحَبِطَ عَمَلُهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُ الْتِمَاسَ الدُّنْيَا ،
وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ” انتهى من “جامع البيان” (12/347) .
وقال أبو العباس القرطبي : ” فأما إذا كان الباعثُ عليها غير ذلك من أعراض
الدُّنيا ؛ فلا يكونُ عبادة ، بل يكون معصية موبقة لصاحبها ، فإما كفرٌ ، وهو :
الشرك الأكبر ، وإما رياء ، وهو : الشركُ الأصغر … هذا إذا كان الباعثُ على تلك
العبادة الغرضَ الدنيوي وحده ، بحيث لو فُقِد ذلك الغرضُ لتُرِك العمل “. انتهى من
“المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم” (12/50) .
الثانية : أن يبتغي بعمله وجه الله ، ويقصد مع ذلك تحصيل الحظوظ والفوائد
الدنيوية المباحة التي تترتب على العمل .
كمن صام لله ، وقصد مع ذلك حفظ صحته ، وحج لله ونوى مع ذلك التجارة ، وجاهد في
سبيل الله وقصد الحصول على الغنائم ، وزكى لله قاصداً البركة ونماء ماله ، وتصدق
لله ونوى مع ذلك الشفاء من المرض ، ووصل رحمه ابتغاء الأجر وطول العمر وسعة الرزق .
ففي هذه الحال يختلف الحكم بحسب ” قوة الباعث ” على العمل:
١- فإن كان الباعث الأقوى هو وجه الله وابتغاء الأجر من الله ، فلا بأس .
قال الطاهر بن عاشور : ” فَأَمَّا إِنْ كَانَ لِلنَّفْسِ حَظٌّ عَاجِلٌ ،
وَكَانَ حَاصِلًا تَبَعًا لِلْعِبَادَةِ ، وَلَيْسَ هُوَ الْمَقْصُودُ ، فَهُوَ
مُغْتَفَرٌ ، وَخَاصَّةً إِذَا كَانَ ذَلِكَ لَا تَخْلُو عَنْهُ النُّفُوسُ، أَوْ
كَانَ مِمَّا يُعِينُ عَلَى الِاسْتِزَادَةِ مِنَ الْعِبَادَةِ “. انتهى من
“التحرير والتنوير” (23/ 318).
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي : ” قَصْد العامل ما يترتب على عمله من ثواب
الدنيا لا يضره إذا كان القصد من العمل وجه الله والدار الآخرة .
فإن الله بحكمته ورحمته رتب الثواب العاجل والآجل ، ووعد بذلك العاملين ؛ لأن الأمل
واستثمار ذلك ينشط العاملين ، ويبعث هممهم على الخير ، كما أن الوعيد على الجرائم ،
وذكر عقوباتها مما يخوف الله به عباده ويبعثهم على ترك الذنوب والجرائم.
فالمؤمن الصادق يكون في فعله وتركه مخلصا لله ، مستعينا بما في الأعمال من
المرغِّبات المتنوعة على هذا المقصد الأعلى “. انتهى من “بهجة قلوب الأبرار” صـ
273.
وقال الشيخ ابن عثيمين :
” إن كان الأغلب عليه نية التعبد فقد فاته كمال الأجر ، ولكن لا يضره ذلك باقتراف
إثم أو وزر لقوله تعالى في الحجاج: ( لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا
فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ) “. انتهى
٢- وأما إن كان المقصد الدنيوي هو الباعث الأقوى ، فلا ثواب له.
قال الشيخ ابن عثيمين في تتمة كلامه السابق :
” وإن كان الأغلب عليه نية غير التعبد ، فليس له ثواب في الآخرة ، وإنما ثوابه ما
حصله في الدنيا، وأخشى أن يأثم بذلك لأنه جعل العبادة التي هي أعلى الغايات وسيلة
للدنيا الحقيرة، فهو كمن قال الله فيهم: ( وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي
الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا
هُمْ يَسْخَطُونَ) …
وفي الصحيحين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، قال: ( من كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر
إليه) .
٣- وإن تساوى عنده الأمران ، فلم تغلب نية التعبد ولا نية غير التعبد فمحل نظر،
والأقرب: أنه لا ثواب له كمن عمل لله تعالى ولغيره”. انتهى من “مجموع فتاوى ورسائل
الشيخ ” (1/99) .
ومن حكمة الله تعالى أن جعل للطاعات ثوابا معجّلا هو من بركة هذه الطاعات وذَكَر
بعضها لعباده ترغيبا لهم في سلوك طريقها (فعند الله ثواب الدنيا والآخرة) .
وذِكْر هذه الثمرات والفوائد الدنيوية للأعمال الصالحة يجعل النفوس تتطلع إليها
وتقصدها .
ومن كرمه تعالى أنه يعطي العاملين – إذا قصدوا وجهه – حسنات في الدارَيْن (فآتٰهم
الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة) .
وليس الذمّ لمن أنشأ العمل لله وقصده الأول ثواب الآخرة وما في الدنيا تبعٌ وفرعٌ ،
وإنما الذم لمن لا يريد بعمل الخير إلا ثواب الدنيا أو يغلب عليه ذلك أو يُنشئ
العمل من أجله ، وقد قال تعالى : ( فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له
في الآخرة من خلاق ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا
عذاب النار )
ومن النصوص الشرعية التي فيها ترغيب بثمرات دنيوية :
قوله تعالى : ( فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا *
يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ
وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ).
وقال تعالى : ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ
فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) .
وقال تعالى: ( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا
عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ).
وقال صلى الله عليه وسلم : (تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ،
فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ ، كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ
الْحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ، وَلَيْسَ لِلْحَجَّةِ الْمَبْرُورَةِ
ثَوَابٌ دُونَ الْجَنَّةِ) رواه أحمد وصححه الألباني.
وقال: (السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ ، مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ ). رواه أحمد (33683)
وصححه الألباني.
فالأحكام الشرعية المعللة بفوائدها في الآيات والأحاديث لا تحصى كثرة.
ومن ذلك أيضاً:
* المتابعة بين الحج والعمرة بنية الخلاص من الفقر .
* الاستغفار بنية الحصول على الأموال والبنين .
* قول بعض الأذكار ليحفظه الله من الأذى .
* صلاة الفجر في جماعة ليكون في حفظ الله وكلاءته .
* التيسير على المعسر ، لييسر الله عليه في الدنيا .
* الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم للخلاص من الهموم .
* أداء الزكاة ليكثر ماله وينمو .
* الإكثار من العبادة قاصدا حفظ ذريته من بعده
* الاستغفار بنية الشفاء من المرض.
وظاهر هذه النصوص أن للإنسان أن يعمل العمل الصالح قاصداً الحصول على هذا الأثر
الدنيوي المترتب عليها ؛ لأن الله لم يجعل هذه الفوائد الدنيوية إلا ترغيباً للناس
بها ، بشرط أن يكون قصد وجه الله هو الباعث الأساس له على الطاعة ، وقصده لهذه
الثمرات الدنيوية تبعاً وضمناً.
وعلى هذا يحمل فعل بعض السلف:
كما قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: ” إِنِّي لَأَزِيدُ فِي صَلَاتِي مِنْ أَجْلِ
ابْنِي هَذَا ” ، قَالَ هِشَامٌ: رَجَاءَ أَنْ يُحْفَظَ فِيهِ. انتهى من “حلية
الأولياء” (4/279).
ويبقى أن من فعل العبادة خالصا وقاصدا أجر الله وثوابه فقط أكمل وأفضل وأكثر أجرا
ممن قصد مصلحة في الدنيا ولو تبعا
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعتم بهذه الإجابة؟