0 / 0

هل يجب اتباع أقوال ابن عباس لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له بالعلم ؟

السؤال: 228565

هناك من يقول : بأنه لا يجوز مخالفة ابن عباس رضي الله عنهما في مسائل الفقه والتفسير، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا له (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل) ودعاء رسول الله مستجاب ، فما قولكم في هذه المسألة ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قال : ” أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الخَلاَءَ فَوَضَعْتُ لَهُ وَضُوءًا ، قَالَ : ( مَنْ وَضَعَ هَذَا ؟) ، فَأُخْبِرَ ، فَقَالَ : (اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ ) رواه البخاري ( 143 ) ، ومسلم ( 2477 ) .
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : ” ضَمَّنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَالَ : ( اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الكِتَابَ) “رواه البخاري ( 75 ) .
وروى الإمام أحمد في ” المسند ” ( 4 / 225 ) عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : ” أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَضَعَ يَدَهُ عَلَى كَتِفِي – أَوْ عَلَى مَنْكِبِي ، شَكَّ سَعِيدٌ – ثُمَّ قَالَ : ( اللهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ ، وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ ) ، وصححه الألباني في ” السلسلة الصحيحة ” ( 6 / 173 ) .
وهذا الأحاديث فيها دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنه بالفقه في الدين والعلم بالقرآن ، وهذا ما تحقق حيث أصبح ابن عباس عالما من علماء الصحابة ومفسريهم .

ثانيا :
هذه الأحاديث لا تثبت العصمة لأقوال ابن عباس رضي الله عنه :
1- لأن ليس فيها الدعوة بالعصمة من الخطأ ، وإنما فيها الدعوة بالعلم فقط .
2- عدم إصابة العالم للحق أحيانا لا يخرجه من زمرة العلماء ولا ينزع عنه صفة العلم .
3- – لا يلزم من إثبات الفقه للعالم ، الصحابي أو غيره ، أن يصيب في جميع أقواله ، فالفقهاء ما زالوا يصيبون ويخطئون ، ولكن لا شك أن لابن عباس مزية بهذا الدعاء ، فهو أقرب إلى الصواب من غيره ، وإن كان في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، من هو أولى بالفقه والصواب منه ، كأبي بكر ، وعمر ، بل وسائر الخلفاء الراشدين ، رضوان الله عليهم جميعا .
4- وقد ورد في شأن أبي بكر من الفضل ، وفي شأن عمر رضي الله عنه ، وعلمه وأن الحق ينطق على لسانه ، وفي شأن علي ، وابن مسعود ، ومعاذ بن جبل … إلخ ، ما هو أعظم مما ورد في شأن ابن عباس ولم يلزم من ذلك كله أن يكون الوحد منهم معصوما ، أو أن اتباعه فرض لازم على الأمة في كل حال . ولم يحتج لا عمر ولا ابن عباس ، ولا غيرهما من فقهاء الصحابة وفضلائهم ، على أحد من الصحابة ، بل ولا التابعين : بما ورد في فضلهم عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، مما يدل على أنهم لم يفهموا من هذا أن قولهم صار صوابا في جميع الأحوال .
5- بل أدل من ذلك : أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر باتباع سنة الخلفاء الراشدين ، ولم يمنع ذلك أن يخالفهم بعض الصحابة في مسائل ؛ قال الزركشي رحمه الله ، في بحث مسألة “قول الخلفاء الأربعة” هل هو حجة أم لا : ” .. لَنَا أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ خَالَفَ جَمِيعَ الصَّحَابَةِ فِي خَمْسِ مَسَائِلَ فِي الْفَرَائِضِ انْفَرَدَ بِهَا، وَابْنُ مَسْعُودٍ بِأَرْبَعِ مَسَائِلَ ، وَلَمْ يَحْتَجَّ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ بِإِجْمَاعِ الْأَرْبَعَةِ.” .
انتهى من “البحر المحيط في أصول الفقه” (6/452) .

ثالثا :
ربما يُشكِل على هذا القائل رواية أخرى للحديث المذكور في الدعاء لابن عباس ، وهي :
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : ” ضَمَّنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى صَدْرِهِ ، وَقَالَ: ( اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الحِكْمَةَ ) ” رواه البخاري ( 3756 ) .
فـ ” الحكمة ” هنا فسرها بعض أهل العلم بأنها الإصابة في القول ، لكن هذا مجرد قول من أقوال متعددة .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى :
” واختلف الشراح في المراد بالحكمة هنا فقيل : القرآن كما تقدم ، وقيل العمل به ، وقيل السنة ، وقيل الإصابة في القول ، وقيل الخشية ، وقيل الفهم عن الله ، وقيل العقل ، وقيل ما يشهد العقل بصحته ، وقيل نور يفرق به بين الإلهام والوسواس ، وقيل سرعة الجواب مع الإصابة … والاقرب أن المراد بها في حديث بن عباس الفهم في القرآن ” .
انتهى من ” فتح الباري ” ( 1 / 170 ) .
فرجح ابن حجر أن المراد بها القرآن فهي مفسرة بالرواية السابقة : ( اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الكِتَابَ ) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى :
” وقال : ( اللهم علمه الحكمة )، وفي لفظ : ( علمه الكتاب ) وهو يؤيد من فسر الحكمة هنا بالقرآن ” انتهى من ” فتح الباري ” ( 7 / 100 ) .
وقال ابن الملقن رحمه الله تعالى :
” المراد بالكتاب هنا : القرآن وكذا كل موضع ذكر الله تعالى فيه الكتاب ، والمراد بالحكمة أيضًا : القرآن ” انتهى من ” التوضيح لشرح الجامع الصحيح ” ( 3 / 383 ) .

رابعا :
ثمّ من المتفق عليه بين أهل السنة أن لا عصمة لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
” والقاعدة الكلية في هذا أن لا نعتقد أن أحدا معصوم بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، بل الخلفاء وغير الخلفاء يجوز عليهم الخطأ ” انتهى من ” منهاج السنة ” ( 6 / 196 ) .
وقال رحمه الله تعالى :
” اتفق أهل العلم – أهل الكتاب والسنة – على أن كل شخص سوى الرسول فإنه يؤخذ من قوله ويترك ، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه يجب تصديقه في كل ما أخبر ، وطاعته في كل ما أمر ، فإنه المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى ” .
انتهى من ” منهاج السنة ” ( 6 / 190 – 191 ) .
ولهذا يعامل أهل العلم أقوال ابن عباس كأقوال غيره من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين.

وينظر للفائدة جواب السؤال رقم : (229770 ).

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android