0 / 0

الإحداث في المدينة النبوية هل يعم كل المعاصي ؟

السؤال: 228704

سمعت أن من أذنب في المدينة المنورة : فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، هل يدخل في هذا الوعيد كل معصية صغيرة كانت أم كبيرة ؟

ملخص الجواب

والحاصل: أن الإحداث في المدينة النبوية يدخل فيه الجرائم والبدع والفتن التي تؤدي إلى إراقة الدماء والتشتت والعداوة والبغضاء بين المسلمين ولا تتناول عموم المعاصي. والله أعلم

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

ورد النهي عن ” الإحداث ” في المدينة في عدة أحاديث ؛ منها :
عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( المَدِينَةُ … حَرَمٌ مِنْ كَذَا إِلَى كَذَا، وَلاَ يُحْدَثُ فِيهَا حَدَثٌ ، مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا : فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) رواه البخاري ( 1867 ) ، ومسلم ( 1366 ) .
وثبت أيضا من حديث علي رضي الله عنه رواه البخاري ( 1870 ) ، ومسلم ( 1370 ) .
ومن حديث أبي هريرة رضي الله عنه رواه مسلم ( 1371 ) .

وهذه الأحاديث ـ كما سبق ـ وردت بلفظ ( مَنْ أَحْدَثَ ) ، وليس بلفظ ( من أذنب ) .
وقد ذكر العلماء في معنى ( مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا ) عدة أقوال :
القول الأول : أي : من أتى إثما .
قال القاضي عياض رحمه الله تعالى :
” وقوله : ( من أحدث حدثاً ، أو آوى محدثاً ) : أى أتى إثماً ، أو آوى من أتاه ، وحماه وضمه إليه ، وهو نحو قوله تعالى فى مكة : ( وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ) ” .
انتهى من ” إكمال المعلم ” ( 4 / 486 ) .

القول الثاني :
ليس المراد منها عموم الإثم ، وإنما إثم خاص ، وهو ما يدل عليه عرف الشارع ، وعرف الناس الذين خاطبهم الشارع في استعمال كلمة ” أحدث حدثا ” .
وهي تتناول أحد أمرين :
الأمر الأول : الظلم والجرائم وإثارة الفتن .
قال ابن حجر رحمه الله تعالى :
” والمراد بالحدث والمحدِث : الظلم والظالم ، على ما قيل ، أو ما هو أعم من ذلك ” .
انتهى من ” فتح الباري ” ( 4 / 84 ) .

ومما يستشهد به على هذا المعنى حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها ، قَالَتْ : ” لَمْ يُقْتَلْ مِنْ نِسَائِهِمْ – تَعْنِي بَنِي قُرَيْظَةَ – إِلَّا امْرَأَةٌ ، إِنَّهَا لَعِنْدِي تُحَدِّثُ ، تَضْحَكُ ظَهْرًا وَبَطْنًا ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْتُلُ رِجَالَهُمْ بِالسُّيُوفِ ، إِذْ هَتَفَ هَاتِفٌ بِاسْمِهَا ، أَيْنَ فُلَانَةُ ؟ قَالَتْ: أَنَا ، قُلْتُ : وَمَا شَأْنُكِ ؟ قَالَتْ : حَدَثٌ أَحْدَثْتُهُ ، قَالَتْ : فَانْطَلَقَ بِهَا ، فَضُرِبَتْ عُنُقُهَا … ) .
رواه أبو داود ( 2671 ) وحسّنه الألباني في ” صحيح سنن أبي داود ” ( 2671 ) .
وَذُكِر أن هذا الحدث ؛ هو أنها قد قتلت رجلا من الصحابة ، ألقت عليه رحاً .

الأمر الثاني : الابتداع في الدين .
كما في حديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ، فَهُوَ رَدٌّ ) رواه البخاري ( 2697 ) ، ومسلم ( 1718 ) .
وكما في الحديث المشهور : ( وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ … ) رواه أبو داود ( 4607 ) ، وصححه الألباني في ” صحيح سنن أبي داود ” ( 4607 ).
فالإحداث ، على ذلك ، لا يعم كل الذنوب ؛ وإنما يعم كلِّ إحداثٍ لأمر سيء غير مشروع ، يضر بجماعة المسلمين سواء في دينهم أو في دنياهم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
” وقال: ( المدينة حرم ما بين عير إلى ثور ، من أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ) .
وإن كان مقصوده ” بالإحداث ” هنا ، أخص من معنى الإحداث بمعنى الفعل ، وإنما مقصوده من أحدث فيها بدعة تخالف ما قد سن وشرع ، ويقال للجرائم : الأحداث ، ولفظ الإحداث يريدون به ابتداء مالم يكن قبل ذلك ” انتهى من ” مجموع الفتاوى ” ( 6 / 328 – 329 ) .

والقول بأنها تعم الجرائم والبدع ولا تتناول عموم المعاصي ، هو ما رجحه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى ؛ حيث قال :
” من أحدث فيها أي في المدينة ، ” حدثا أو آوى محدثا ” هنا يراد به شيئان :
الأول: البدعة : فمن ابتدع فيها بدعة ، فقد أحدث فيها ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ) . فمن أحدث فيها حدثا ، أي ابتدع في دين الله ما لم يشرعه الله ، في المدينة : فعليه لعنه الله والملائكة والناس أجمعين ، يعني استحق أن يلعنه كل لاعن ، والعياذ بالله ، لأن المدينة مدينة السنة ، مدينة النبوة ، فكيف يُحْدَث فيها حدثٌ مضاد لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم .
والنوع الثاني : الفتنة : أن يحدث فيها فتنة بين المسلمين ، سواء أدت إلى إراقة الدماء ، أو إلى ما دون ذلك من العداوة والبغضاء والتشتت . فإن من أحدث هذا الحدث : فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين .
أما من أحدث معصية ، عصى الله فيها في المدينة : فإنه لا ينطبق عليه هذا الوعيد ، بل يقال : إن السيئة في المدينة أعظم من السيئة فيما دونها ، ولكن صاحبها لا يستحق اللعن ، وإنما الذي يستحق اللعن هو الذي أحدث فيها واحدا من أمرين : إما بدعة ، وإما فتنة ، هذا عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ” انتهى من ” شرح رياض الصالحين ” ( 6 / 213 – 214).

وينظر للفائدة جواب السؤال رقم : (229869) ، ورقم : (180981) .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android