0 / 0

شرح حديث ( مَنْ أَحْدَثَ فِي الْمَدِينَة حَدَثًا، أَوْ آوَى مُحْدِثًا، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ) .

السؤال: 229869

أخت تسأل وتقول : إنها تعيش حاليا بالمدينة المنورة ، وتطلب أن توضحوا لها معنى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ".. من أحدث حدثا أو آوى محدثا ، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين…" ؟ تقول : إن لها أخا له زوجة ، وبنات متبرجات تبرجا فاضحا ، وليس عندهم اهتمام بدينهم ، وأمهن وواحدة من البنات لهما جفاء في الأجوبة ، وهذه الأخت معرضة أن يزورها أخوها وزوجته وبناته بالمدينة المنورة ، وهي تود ألا يدخلن بيتها ، ولا تريد قطع الرحم ولا تعرف كيف تتخلص منهن. سؤالها: هل يعد التبرج الفاضح ، والبعد عن دين الله من الإحداث ، أم المقصود بالإحداث شيء آخر؟

ملخص الجواب

أن استقبالك لأخيك وبناته وزوجته لا يدخل في الحديث (آوى محدثا) ، بل هو من صلة الرحم والأعمال الصالحة ، ويُخشى أن يكون عدم استقبالك لهم مؤديا إلى قطيعة الرحم .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

روى البخاري (1870) ، ومسلم (1370) عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ( الْمَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ عَيْرٍ إِلَى ثَوْرٍ، فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا، أَوْ آوَى مُحْدِثًا، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفًا، وَلَا عَدْلًا ) .

قال النووي رحمه الله :
" قَالَ الْقَاضِي : مَعْنَاهُ : مَنْ أَتَى فِيهَا إِثْمًا أَوْ آوَى مَنْ أَتَاهُ وَضَمَّهُ إِلَيْهِ وَحَمَاهُ .
وَقَوْلُهُ : ( عَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ … ) إِلَى آخِرِهِ . هَذَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ لِمَنِ ارْتَكَبَ هَذَا . قَالَ الْقَاضِي : وَاسْتَدَلُّوا بِهَذَا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنَ الْكَبَائِرِ " انتهى من "شرح النووي على مسلم" (9/ 140) .
وقال ابن حجر الهيتمي رحمه الله :
" الْكَبِيرَةُ الْحَادِيَةُ وَالْخَمْسُونَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةِ: إيوَاءُ الْمُحْدِثِينَ، أَيْ مَنْعُهُمْ مِمَّنْ يُرِيدُ اسْتِيفَاءَ الْحَقِّ مِنْهُمْ، وَالْمُرَادُ بِهِمْ مَنْ يَتَعَاطَى مَفْسَدَةً، يَلْزَمُهُ بِسَبَبِهَا أَمْرٌ شَرْعِيٌّ " .
انتهى من "الزواجر" (2/ 204) .

وقال القاري رحمه الله :
" (مَنْ أَحْدَثَ) : أَيْ: أَظْهَرَ (فِيهَا) : أَيْ فِي الْمَدِينَةِ (حَدَثًا) : أَيْ: مُنْكَرًا أَوْ بِدْعَةً ، وَهِيَ مَا خَالَفَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ (أَوْ آوَى) : بِالْمَدِّ وَيُقْصَرُ (مُحْدِثًا) : أَيْ: مُبْتَدِعًا، وَقِيلَ: أَيْ: جَانِيا بِأَنْ يَحُولَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَصْمِهِ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْهُ ، وَيُرْوَى بِفَتْحِ الدَّالِ أَيْ أَمْرًا مُبْتَدَعًا وَإِيوَاؤُهُ الرِّضَاءُ بِهِ وَالصَّبْرُ عَلَيْهِ " انتهى من "مرقاة المفاتيح" (5/ 1871) .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" (من أحدث فيها) أي في المدينة حدثا أو آوى محدثا، والحدث هنا يراد به شيئان، الأول: البدعة ، فمن ابتدع فيها بدعة فقد أحدث فيها ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة) فمن أحدث فيها حدثا ، أي ابتدع في دين الله ما لم يشرعه الله في المدينة : فعليه لعنه الله والملائكة والناس أجمعين ، يعني استحق أن يلعنه كل لاعن والعياذ بالله ؛ لأن المدينة مدينة السنة مدينة النبوة ، فكيف يحدث فيها حدث مضاد لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم ؟
والنوع الثاني من الحدث: الفتنة ، أن يحدث فيها فتنة بين المسلمين ، سواء أدت إلى إراقة الدماء ، أو إلى ما دون ذلك من العداوة والبغضاء والتشتت ، فإن من أحدث هذا الحدث فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين .
أما من أحدث معصية عصى الله فيها في المدينة ، فإنه لا ينطبق عليه هذا الوعيد، بل يقال: إن السيئة في المدينة أعظم من السيئة فيما دونها، ولكن صاحبها لا يستحق اللعن ، الذي يستحق اللعن هو الذي أحدث فيها واحدا من أمرين : إما بدعة وإما فتنة " .
انتهى من "شرح رياض الصالحين" (6/ 213) .

وعلى هذا فليس المراد بـ(المحدث) من ارتكب أي معصية ، وإنما المراد من ابتدع بدعة في الدين ، أو أثار فتنة بين المسلمين ، أو أتى جريمة تستوجب حدا ، أو قصاصا ، أو دية ، أو آوى من وجب عليه حق لغيره وحماه .

وعلى هذا ؛ فالتبرج الذي تفعله المرأة في بلادها ، ثم تسافر إلى المدينة ، لا ينطبق عليه الحديث .
ثم إن الغالب أن من تأتي إلى المدينة تأتي إليها محتشمة متحجبة ، على الأقل في الطرقات ، وفي مجامع الناس ، كما هو مشاهد . واستقبال مثل هذه ، والترحيب بها في البيت مع ما فيه من حسن الخلق وصلة الرحم ، يرجى أن يكون سببا لهدايتها ، أو على الأقل التأثير فيها ، وذلك باغتنام الفرصة في نصحها ووعظها .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android