0 / 0
62,76526/04/2016

منهجية تعلم الفقه تبدأ بدراسة مذهب معتبر

السؤال: 229254

أرغب بقراءة كتاب مفيد في الفقه ، وقمت بتنزيل مجموعة من الكتب من الإنترنت ، فأرجو إرشادي للأصح والأفضل ؛ فأنا أتحرى الدقة في البحث .
لدي الآن : ” فقه السنة ” للسيد سابق .
” تمام المنة ” في التعليق عليه للألباني .
” صحيح فقه السنة ” لكمال سيد سالم .
” فقه السنة الميسر ” للدكتور عبد الله المطلق .
” الثمر المستطاب في فقه السنة والكتاب ” للألباني .
” الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة ” وزارة الشؤون الإسلامية .
وسبب السؤال أنني لم أجد كتابا مدمجا بين كتاب السيد سابق ، وتعليق الألباني ، فحاولت دمجهما بنفسي ، ووجدت ذلك صعبا فأردت سؤالكم .
وبالنهاية : ما رأيكم في كتاب ” فقه العبادات وفقه المعاملات ” للصابوني ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

إذا أردت أن تطلب علم الفقه من بابه الصحيح ، وطلبت نصيحتنا التي نخلصها لك بإذن الله ، فدع عنك جميع الكتب التي أوردتها في السؤال ، ليس لقلة فائدتها العلمية ، بل فيها من الخير الكثير بإذن الله ، ولكن لأنها لا تسير على ” خطة ” العلم التي سار عليها فقهاء الأمة على تطاول القرون السابقة . وهذه الخطة تعتمد دراسة الفقه من المتون الفقهية ضمن أحد المذاهب الأربعة المعتبرة ، مع شروحه وتحريراته والحواشي عليه .
تُعينُ هذه المنهجية طالب العلم على استحضار الفروع تحت أصولها ، وجمع النظير إلى نظيره ، والتفرقة بين المختلفين ، وتعوده القياس الصحيح ، وتبين له القياس الفاسد ، وترتب مسائل الفقه في عقله بترتيب منهجي محكم ، وتجمع في ثناياها آلاف المسائل التي تغطي معظم ما يحتاج إليه الناس في معادهم ومعاشهم ، كل ذلك مع الدليل والتعليل .
وتوفر هذه المنهجية لطالب العلم أيضا فرصة التوسع في البحث والتفتيش في كتب المذهب الموسعة الأخرى ، وفي كتب الفروع المشابهة ، ليجد الحكم الشرعي فيما أشكل عليه متسقا مع المتن الفقهي الذي درسه ، ولا يخرج عن مسالك الاستدلال التي تعود عليها ، وتَشَكَّلَ بناؤه الفقهي على منوالها .
كما أن أفضل ما في هذه المنهجية ارتباط كتب الفقه فيها بكتب ” أصول الفقه ” التي يؤلفها فقهاء المذهب أنفسهم ، وهو علم لابد منه لطالب العلم ، كي يتعرف على أدلة الفقه الشرعية ، وكيفية استفادة الأحكام منها ، ويتمكن من فهم وجه الأحكام الفقهية الفرعية التي قرأها في المتون وشروحها ، وحينئذ تكتمل عقلية الطالب وبناؤه الفقهي ، وينضج فكره في فهم إحدى المدارس الأربعة المعتبرة ، وينطلق من هذا الفهم إلى رحاب أوسع من رحاب ” الشريعة الغراء “، التي تجمع أطياف المذاهب كلها في أطر المقاصد الشرعية ، والقواعد الفقهية ، وحِكَم التشريع العامة .
وهو في ذلك كله يستعين بشيخ من أهل الفن ، أو طالب علم متقن ، سبقه في الطلب ، ولو لم يتيسر له إلا سماع الأشرطة والمواد المسجلة ، في تدريس ذلك وشرحه ، فهو طيب نافع ، إن شاء الله .
وهذا ما نشأ عليه فقهاء الإسلام منذ فترة استقرار المذاهب إلى اليوم ، حتى كبار المحققين منهم من أمثال النووي ، والقرافي ، وابن تيمية ، وابن عابدين ، وغيرهم كثير ، كلهم نشؤوا على هذا المنهج العلمي ، وإنما ذكرنا هذه الأمثلة لأئمة من المذاهب الأربعة ، لأنهم كانت لهم اختياراتهم الفقهية خارج إطار المذهب في بعض الأحيان ، ولكن تأسيسهم العلمي ، وبناءهم الفقهي سار على الطريقة التي شرحنا ، حتى كانت مصنفاتهم وكتبهم جامعة بين فقه المذهب ، والفقه المقارن .
يقول العلامة ابن بدران الدمشقي الحنبلي رحمه الله :
” اعلم أن للمطالعة وللتعليم طرقا ذكرها العلماء ، وإننا نثبت هنا ما أخذناه بالتجربة ، ثم نذكر بعضا من طرقهم ، لئلا يخلو كتابنا هذا من هذه الفوائد .
إذا تمهد هذا : فاعلم أننا اهتدينا بفضله تعالى أثناء الطلب إلى قاعدة ، وهي أننا كنا نأتي إلى المتن أولا ، فنأخذ منه جملة كافية للدرس ، ثم نشتغل بحل تلك الجملة من غير نظر إلى شرحها ، ونزاولها حتى نظن أننا فهمنا ، ثم نقبل على الشرح فنطالعه المطالعة الأولى امتحانا لفهمنا ، فإن وجدنا فيما فهمناه غلطا صححناه ، ثم أقبلنا على تفهم الشرح على نمط ما فعلناه في المتن . ثم إذا ظننا أننا فهمناه راجعنا حاشيته إن كان له حاشية ، مراجعة امتحان لفكرنا ، فإذا علمنا أننا فهمنا الدرس تركنا الكتاب واشتغلنا بتصوير مسألة في ذهننا ، فحفظناه حفظ فهم وتصور ، لا حفظ تراكيب وألفاظ . ثم نجتهد على أداء معناه بعبارات من عندنا غير ملتزمين تراكيب المؤلف ، ثم نذهب إلى الأستاذ للقراءة ، وهنالك نمتحن فكرنا في حل الدرس ، ونقوِّمُ ما عساه أن يكون به من اعوجاج ، ونوفر الهمة على ما يورده الأستاذ مما هو زائد على المتن والشرح .
وكنا نرى أن من قرأ كتابا واحدا من فن على هذه الطريقة : سهل عليه جميع كتب هذا الفن ، مختصراتها ومطولاتها ، وثبتت قواعده في ذهنه ، وكان الأمر على ذلك “.
انتهى باختصار من ” المدخل إلى مذهب الإمام أحمد لابن بدران ” (ص: 489-491).

وقد كان ابن بدران رحمه الله قد بين خطة جزئية في دراسة الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله ، ننقلها هنا للإفادة منها ، حيث يقول :
” وذلك أن موفق الدين (يعني : ابن قدامة رحمه الله) راعى في مؤلفاته أربع طبقات :
فصنف ” العمدة ” للمبتدئين .
ثم ألف ” المقنع ” لمن ارتقى عن درجتهم ولم يصل إلى درجة المتوسطين ، فلذلك جعله عريا عن الدليل والتعليل ، غير أنه يذكر الروايات عن الإمام ، ليجعل لقارئه مجالا إلى كد ذهنه ليتمرن على التصحيح .
ثم صنف للمتوسطين ” الكافي “، وذكر فيه كثيرا من الأدلة ، لتسمو نفس قارئه إلى درجة الاجتهاد في المذهب حينما يرى الأدلة ، وترتفع نفسه إلى مناقشتها، ولم يجعلها قضية مسلمة.
ثم ألف ” المغني ” لمن ارتقى درجة عن المتوسطين ، وهناك يطلع قارئه على الروايات وعلى خلاف الأئمة ، وعلى كثير من أدلتهم ، وعلى ما لهم وما عليهم من الأخذ والرد .
فمن كان فقيه النفس حينئذ مرن نفسه على السمو إلى الاجتهاد المطلق ، إن كان أهلا لذلك وتوفرت فيه شروطه ، وإلا بقي على أخذه بالتقليد .
فهذه هي مقاصد ذلك الإمام في مؤلفاته الأربع ، وذلك ظاهر من مسالكه لمن تدبرها ، بل هي مقاصد أئمتنا الكبار ، كأبي يعلى ، وابن عقيل ، وابن حامد ، وغيرهم قدس الله أرواحهم ” .
انتهى من ” المدخل إلى مذهب الإمام أحمد لابن بدران ” (ص: 433) .

وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله السؤال الآتي :
” نرى بعض الطلاب يبدؤون دراستهم في الفقه بفقه الاختلاف ، فهل هذه الطريقة سديدة ، وهل دراسة الفقه تحتاج إلى تدرج ؟ بينوا لنا في ذلك .
فأجاب بقوله :
” ما معنى فقه الاختلاف ؟ يعني: اختلاف العلماء ، لا ، هذا غلط .
الذي يبدأ بالفقه بكتب الاختلاف فقد ضاع . يضيع بلا شك .
الأحسن أن يركز على مذهب معين ، ويتقن كتبه ، فإذا رسخ الفقه في ذهنه حينئذ ينظر في كتب الاختلاف ، حتى إذا فتح الله عليه يرجح هذا أو هذا ، أما أن يبدأ بذكر خلاف وهو ناشئ ، فهذا كالذي ألقى نفسه في اليم وهو لا يعرف السباحة ” .
انتهى من ” دروس للشيخ العثيمين ” (11/ 29، بترقيم الشاملة آليا) .

فإذا تجاوز طالب العلم مرحلة الدراسة المذهبية هذه ، وتمكن من استحضار المسائل وأدلتها ومآخذها في المذهب ، ملك دربة قوية في التفقه والتعلم ، تمكنه من الانتقال إلى مرحلة المقارنة ، ودراسة ما يسميه المعاصرون بـ ” الخلاف العالي “، يعنون به ” الفقه المقارن “، وهو الذي تعرض فيه أقوال جميع الفقهاء مع أدلتها والمقارنة بينها ، وهي المرحلة التي ابتنى عليها كتاب ” فقه السنة ” للسيد سابق رحمه الله ، لذلك كان الأولى بطالب العلم تأجيل دراسته لهذا الكتاب ، – وجميع الكتب التي ألفت عليه تحقيقا واختصارا وتهذيبا – إلى ما بعد المرحلة التأسيسية التي سبق توضيحها .
تنبيه :
هذا الجواب المذكور ، إنما هو في حق طالب العلم ، الذي يريد لنفسه منهجية ملائمة ، يتدرج بها في مدارج الطلب ، على الطريقة التعليمية التي سلكها أهل العلم ، وليس من غرضه الوقوف عند كتاب واحد يقرؤه ، بل يريد الاستمرار في طلب العلم حتى يصل فيه إلى درجة عالية .
أما المسلم العادي ، وعوام المثقفين ، ونحوهم ، ممن يريد أن يحصل ما لا يسعه جهله من علم ذلك الباب : فإن الذي نختاره له من بين الكتب المذكورة : هو كتاب ” الفقه الميسر” ، الذي أصدرته وزراة الأوقاف ، فهو أقربها مأخذا ، وأيسرها ، مع مراعاته للقول الراجح في عامة المسائل التي يوردها ، واعتماده على كتب المحققين ، ولا سيما شروح الشيخ ابن عثيمين ، رحمه الله ، وعنايته بالأدلة ، وترتيب المسائل ، وقرب المأخذ .
ثم إذا انتهى منه ، وفهمه ، فإن أمكنه أن ينتقل بعد ذلك إلى كتاب “الملخص الفقهي” للشيخ الفوزان ، مع كثرة المراجعة في كتاب “الشرح الممتع” للشيخ ابن عثيمين ، فهذا أمر حسن جدا ، وهو يكفيه وزيادة ، إن شاء الله .
وفي هذه المرحلة الثانية ، بعد أن يكون قد درس كتابا أوليا ، ووعى مقاصده : يمكن الاستفادة من كتاب “فقه السنة” ، والكتب التي دارت حوله .
وأما كتب الشيخ الألباني رحمه الله -على سبيل العموم ، التي ذكرها السائل وغيرها – فهي كتب هامة ينبغي الحرص على قراءتها والاستفادة منها ، فإنها تمتاز بذكر الأدلة مع سهولة الأسلوب والعبارة .
لكن “تمام المنة” و “الثمر المستطاب” لم يكملهما الشيخ الألباني ، ولذلك فمع أهمية الاستفادة منهما ، لكنهما لا يحسن الاكتفاء بهما ، ولا جعلهما الأصل الذي يدور عليه مذاكرته واهتمامه ، فإنهما لا يغطيان جانبا كبيرا من الأحكام التي يحتاج إليها المسلم .
نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android