0 / 0

هل يجوز السفر والإقامة في بلد يسبون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ؟

السؤال: 229595

ما حكم السفر للعمل أو الدراسة في بلاد الرافضة ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

إذا كان المسافر عالماً ، أو طالب علم قوي الحجة ، واضطر للسفر إلى هناك من أجل العمل أو غيره ، وكان قوياً في الحق ، حريصاً على نشر السنة ومواجهة أهل البدع : فذلك لا بأس به ، وليصبر على ما يصيبه من أذى في سبيل الله ، فمن وصايا لقمان الحكيم لابنه التي خلدها القرآن وامتدحها : ( يَا بُنَيَّ أَقِمْ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنْ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ ) لقمان/17 .
أما إذا كان المسافر من عامة المسلمين : فلا يجوز له السفر إلى تلك البلاد ؛ فإنه سيستمع الكفر بأذنيه ولا يستطيع رده ولا إنكاره ، بل قد يرى نفسه مضطرا إلى إظهار موافقتهم – أو على الأقل إخفاء عقيدته التي يعتقد أنها الحق وما سواها باطل – حتى يأمن من شرهم .
وقد قال الله تعالى : ( وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ ) النساء/140.
قال الشوكاني رحمه الله في تفسيره لهذه الآية الكريمة : “ومن عرف هذه الشريعة المطهرة حق معرفتها علم أن مجالسة أهل البدع المضلة فيها من المفسدة أضعاف أضعاف ما في مجالسة من يعصي الله بفعل شيء من المحرمات ، ولا سيما لمن كان غير راسخ القدم في علم الكتاب والسنة فإنه ربما يَنفق عليه من كذباتهم وهذيانهم ما هو من البطلان بأوضح مكان ، فينقدح في قلبه ما يصعب علاجه ، ويعسر دفعه ، فيعمل بذلك مدة عمره ، ويلقى الله به معتقدا أنه من الحق ، وهو والله من أبطل الباطل وأنكر المنكر ” انتهى من “فتح القدير” (2/146).

وسيستمع المسلم المقيم في تلك البلاد إلى شبهات القوم وأباطيلهم وأكاذيبهم ، وهو ليس عنده من العلم الراسخ ما يرد به تلك الشبهات ، فيتأثر قلبه بها ولابد ، إما قبولاً لها ورضى بها ، وإما نوعاً من الشك والحيرة ، وإما نوعاً من القلق والمرض الذي يصيب القلب .
ولذلك كثر تحذير السلف والأئمة من الاستماع لأهل الباطل ، حفاظاً على صحة القلب وسلامته.
قال الإمام أبو عثمان الصابوني (ت:449هـ) في “عقيدة السلف وأصحاب الحديث” (ص298-299): ” ويبغضون أهلَ البدع ، الذين أحدثوا في الدين ما ليس منه ، ولا يحبونَهم ، ولا يصحبونَهم ، ولا يسمعون كلامهم ، ولا يجالسونَهم ، ولا يجادلونَهم في الدين ، ولا يناظرونَهم ، ويرون صون آذانِهم عن سماع أباطيلهم ، التي إذا مرت بالآذان ، وقرت في القلوب ضرَّت ، وجرَّت إليها من الوساوس والخطرات الفاسدة ما جَرَّت ” انتهى .
وقالَ ابنُ قُدامة رحمه الله (ت:620هـ): ” كَانَ السَّلَفُ يَنْهَوْنَ عَنْ مُجَالَسَةِ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالنَّظَرِ فِي كُتُبِهِمْ وَالاسْتِمَاعِ لِكَلامِهِمْ ” انتهى من “الآداب الشرعية” لابن مفلح (1/251) .
وعَلَّقَ الذهبيُّ رحمه الله (ت:748هـ) على تحذير السلف من مجالسة أهل البدع بقوله : ” أَكْثَرُ أَئِمَّةِ السَّلَفِ عَلَى هَذَا التَّحذِيرِ، يَرَوْنَ أَنَّ القُلُوْبَ ضَعِيْفَةٌ ، وَالشُّبَهُ خَطَّافَةٌ “.
انتهى من “سير أعلام النبلاء” (7/261) .
ومن أجل ذلك أفتى الأئمة بتحريم الإقامة في بلد يسب فيه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال الإمام مالك رحمه الله : “لا يحل لأحد أن يقيم بأرض يُسَبُّ فيها السلف” .
قال ابن العربي: ” وهذا صحيح ، فإن المنكر إذا لم تقدر أن تغيره فَزُلْ عنه ، قال الله تعالى: ( وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) الأنعام/68″ .
انتهى من ” تفسير القرطبي ” (5/350).
قال البهوتي : ” وَتُكْرَهُ التِّجَارَةُ وَالسَّفَرُ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ وَبِلَادِ الْكُفْرِ مُطْلَقًا مَعَ الْأَمْنِ وَالْخَوْفِ ، وَإِلَى بِلَادِ الْخَوَارِجِ وَالْبُغَاةِ وَالرَّوَافِضِ ، وَالْبِدَعِ الْمُضِلَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْهِجْرَةَ مِنْهَا – أَنْ لَوْ كَانَ فِيهَا – مُسْتَحَبَّةٌ إنْ قَدَرَ عَلَى إظْهَارِ دِينِهِ ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْ إظْهَارِ دِينِهِ فِيهَا : فَحَرَامٌ سَفَرُهُ إلَيْهَا ؛ لِأَنَّهُ تَعَرَّضَ بِنَفْسِهِ إلَى الْمَعْصِيَةِ” انتهى من “كشاف القناع” (3/131).
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android