تنزيل
0 / 0

نقاش حول حكم الاستمناء

السؤال: 230315

بالنسبة لمسألة الاستمناء ، فقد أباحها عدد من علماء السلف ، كعمرو بن دينار ، ومجاهد ، وغيرهم ، ومعلوم أن مجاهدا هو من كبار العلماء في تفسير القرآن الكريم ، ولم يذكر أن الاستمناء محرم بدليل آية ( والذين هم لفروجهم حافظون ) فضلا عن قوله – ومعلوم أنه عاصر زمن الصحابة – : كانوا يأمرون به شبانهم يستعفون به .
بمعنى أنه لو كان أخطأ وفسرها خطأ فغيره كان يبيحها ويأمر بها ، وهو في عصر الصحابة والتابعين .
وبعد قراءتي لعدة فتاوى في ما يفعل العامي عند اختلاف العلماء ، قال بعض العلماء : إنه يأخذ بالأيسر ، وبعضهم قال : يأخذ بكلام الأتقى والأورع والأعلم ، ومعلوم أن علماء السلف كمجاهد وعمرو بن دينار هم أعلم من علماء الخلف ، مع احترامي لجميع العلماء .

فهل أنا آثم إن أخذت بالقول الذي يبيح الاستمناء ؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

نعم ، رويت بعض الآثار التي تفيد جواز الاستمناء ، وذلك عن مجاهد رحمه الله وغيره .
انظر ” المصنف ” لعبد الرزاق (7/391) كقوله : (كان من مضى يأمرون شبانهم
بالاستمناء) .

ولكن القضية في ” الاستمناء
” ليست متوقفة على وجود فتوى هنا أو هناك ، ولا على ترخيص بعض العلماء من المتقدمين
أو المتأخرين بها ، فالمسلم يعتني بما يصلحه وينفعه ، وليس بما تطلبه نفسه وتهواه .
وسواء نظرنا في اختلاف أقوال الفقهاء ، أم لم نفعل ، فما ينفعك في دينك ودنياك ،
وقلبك وبدنك ، هو اجتناب هذه العادة السيئة :
1. لما تحدثه في بدنك من إنهاك زائد .
2. ولما تحفره في نفسك ومخيلتك من صور الحرام واستدعاء المعصية .
3. ولما تشعله من نار الشهوة وتطلب المزيد منها بدلا من إطفائها وإخمادها ، وهذا
معلوم مقرر لدى الأطباء ، أن العادة السرية لا تطفئ الشهوة إلا مؤقتا ، ولكنها
سرعان ما تستعر من جديد أفحش ما كانت .
4. ولما تفتحه عليك من أبواب معصية النظر المحرم ، واقتحام حرمات الأيام والليالي
الفاضلة ، وتقصير في أداء الصلوات على وقتها ، وشعور النقص الداخلي ، وانطواء نفسي
.
5. ولما تسببه من ضرر في العلاقة الزوجية في قابل الأيام ، حين يجد بعض الصعوبة في
التخلص منها حتى بعد الزواج . وغيرها من الآثار السيئة .
ولذلك نقل ابن العربي المالكي عن بعض العلماء قولهم : ” لو قام الدليل على جوازها ،
لكان ذو المروءة يعرض عنها لدناءتها ” انتهى من ” أحكام القرآن ” (3/315) .
ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
” وأما الرادع الحسي : فليسأل الأطباء ، حتى يتبين له أنها من أضر ما يكون على
البدن ، وإن كان الإنسان يجد فيها راحة ، لكنها راحة يسيرة يعقبها ضرر كبير . ولقد
قال لي بعض الناس : إنه ابتلي بهذا ، فابتلي بالوساوس الشيطانية والعياذ بالله ،
والمضايق النفسية . وهذا ليس ببعيد ؛ لأن الله تعالى حكيم ، جعل هذه النطفة لها محل
معين : ( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ )
[البقرة:223] ، وعلى الإنسان أن يتصبر ، ويتصبر ، ويتصبر ، ولقد ذكر النبي عليه
الصلاة والسلام دواءً ناجحاً وهو الصوم ، فقال : ( يا معشر الشباب ! من استطاع منكم
الباءة فليتزوج ؛ فإنه أغض للبصر ، وأحصن للفرج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم ، فإنه
له وجاء)” انتهى من ” اللقاء الشهري ” (61/ 24، بترقيم الشاملة آليا) .
وما ذكرتَه في سؤالك من محاولة إظهار قول مجاهد كأنه إجماع للصحابة والتابعين
فمبالغة غير مرضية .
فقد ثبت تحريم العادة السرية عن الصحابي الجليل عبد الله بن عمر ، وهو أعلم وأعلى
طبقة من مجاهد . فقد سئل عن الخضخضة – يعني العادة السرية – فقال : (ذلك الفاعل
بنفسه) . رواه ابن أبي شيبة في “المصنف” (3/ 112)، وهذه كلمة ذم وتنفير شديدة .
وشدد ابن العربي المالكي في ” أحكام القرآن ” (3/ 315) التحريم حتى قال :
” عامة العلماء على تحريمه ، وهو الحق الذي لا ينبغي أن يدان الله إلا به .
وقال بعض العلماء : إنه كالفاعل بنفسه ، وهي معصية أحدثها الشيطان وأجراها بين
الناس حتى صارت قيلة ، ويا ليتها لم تُقل ، ولو قام الدليل على جوازها لكان ذو
المروءة يعرض عنها لدناءتها … والاستمناء ضعيف في الدليل ، عار بالرجل الدنيء ،
فكيف بالرجل الكبير ” انتهى.
بل قال بعض العلماء : إن الآثار التي اشتهرت عن جابر بن زيد ، وعمرو بن دينار ،
ومجاهد ، لم يريدوا بها الجواز المطلق ، وإن كان ظاهر عبارتها يوحي بذلك ، وإنما
قصدوا جواز هذا الفعل في حال الخوف من الوقوع في الزنا ، وتعذر الزواج ، ولا شك أن
من عرض له الزنا : فالاستمناء في حقه أهون .
كما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ” قال رجل : إني أعبث بذكري حتى أنزل ؟
قال : إن نكاح الأمة خير منه ، وهو خير من الزنا” . رواه عبد الرزاق في ” المصنف ”
(7/ 390)
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
” نقل عن طائفة من الصحابة والتابعين أنهم رخصوا فيه للضرورة ، مثل أن يخشى الزنا
فلا يعصم منه إلا به ، ومثل أن يخاف إن لم يفعله أن يمرض ، وهذا قول أحمد وغيره .

وأما بدون الضرورة ، فما علمت أحدا رخص فيه ” انتهى من ” مجموع الفتاوى ” (34/
229).
كل ذلك يدل على أن المسألة لا تختزل بقول يلتقط من هاهنا ، وقول ينقل من هناك ،
ويأخذ بظاهرها بعض العلماء فيقولون بالإباحة أو الكراهة فحسب .
ولكن حقيقة المسألة أنها نتاج بحث فقهي ومصلحي ظاهر ، تُوصل من خلاله إلى ما قرره
جماهير العلماء من تحريم هذا الفعل ، والتحذير من آثاره السيئة على النفس والبدن .
فلا يُنكر الخلاف ، ولا يُبالغ في الجزم بالإجماع من غير بحث ولا نظر ، ولكن
الواجب أيضا يقضي أن يُبيَّن للناس ما هو الأقرب للصواب ، ولكل مجتهد أجره بإذن الله .
ويرجى مراجعة الأجوبة السابقة المنشورة في موقعنا تحت الأرقام الآتية :
(329) ، (20161)
، (101539) ، (145482)
.
والله أعلم .

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android