0 / 0
11,92113/06/2015

هل السلفية تدعو لرد التفقه على المذاهب الفقهية ؟

السؤال: 230985

هل يمكنكم التعليق حول ما يثار حول السلفية من ردهم للمذاهب ، واستنباط الأحكام مباشرة من القرآن والسنة ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

دعوة أهل العلم -المقتفين لمنهج السلف الصالح- إلى التمسك بالكتاب والسنة وعدم التعصب للمذاهب ليس فيه دعوة إلى الإعراض عن قراءة كتب المذاهب ، ولا إلى عدم الاهتمام بأقوال علمائها ، أو هدر اجتهاداتهم .
وإنما المفهوم الصحيح لدعوتهم قائم على عدّة أصول وهي :
الأصل الأول :
أن أقوال علماء المذاهب وأئمتها ليست دليلا في حدّ ذاتها ، وهذا متفق عليه بين جميع المسلمين
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى :
” اتفق أهل العلم – أهل الكتاب والسنة – على أن كل شخص سوى الرسول فإنه يؤخذ من قوله ويترك ، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه يجب تصديقه في كل ما أخبر ، وطاعته في كل ما أمر ، فإنه المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى ” .
انتهى من ” منهاج السنة ” ( 6 / 190 – 191 ) .
الأصل الثاني :
أن الحق ليس محصورا في المذاهب الأربعة ، بل الحق هو ما وافق النص الشرعي .
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى :
” أهل السنة لم يقل أحد منهم إن إجماع الأئمة الأربعة حجة معصومة ، ولا قال: إن الحق منحصر فيها ، وإن ما خرج عنها باطل ، بل إذا قال: من ليس من أتباع الأئمة ، كسفيان الثوري والأوزاعي والليث بن سعد ومن قبلهم ومن بعدهم من المجتهدين قولا يخالف قول الأئمة الأربعة ، رد ما تنازعوا فيه إلى الله ورسوله ، وكان القول الراجح هو القول الذي قام عليه الدليل ” انتهى من ” منهاج السنة ” (3 / 412) .

الأصل الثالث :
أن طلب الدليل الصحيح لكل مسألة هو الواجب على القادر على ذلك ، ممن له أهلية الفهم لنصوص الكتاب والسنة ، أما العاجز عن فهم نصوص الكتاب والسنة بنفسه فهو مضطر لتقليد أحد علماء هذه المذاهب ، ممن يثق بعلمه ودينه ، ويكون هذا هو الواجب عليه .
قال الله تعالى : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ )التغابن/ 16 .
وقال الله تعالى : ( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا )البقرة /286 .
قال الشيخ محمّد الأمين الشّنقيطي رحمه الله تعالى :
” المضطر للتقليد الأعمى اضطرارا حقيقيّا ، بحيث يكون لا قدرة له ألبتّة على غيره ، مع عدم التّفريط ، لكونه لا قدرة له أصلا على الفهم ، أو له قدرة على الفهم وقد عاقته عوائق قاهرة عن التعلم ، أو هو في أثناء التعلّم ولكنّه يتعلّم تدريجيّا ؛ لأنه لا يقدر على تعلم كل ما يحتاجه في وقت واحد ، أو لم يجد كفؤا يتعلم منه ، فهو معذورٌ في التّقليد المذكور ، للضرورة ؛ لأنّه لا مندوحة له عنه .
أما القادر على التعلم المفرط فيه ، والمقدم آراء الرجال على ما علم من الوحي ، فهذا الذي ليس بمعذور” انتهى من ” أضواء البيان ” (7 / 588) .

الأصل الرابع :
ضرورة اطلاع العالم أو طالب العلم على مذاهب أهل العلم ، للآتي :
1-عدم الاطلاع على أقوال المذاهب وأدلتها يفوّت معرفة مواقع الاتفاق ومواقع الخلاف ، وهذا قد يؤدي إلى خرق ما اتفق عليه المسلمون واتباع غير سبيلهم .
قال السيوطي رحمه الله تعالى :
” من شروط الاجتهاد : معرفة أقوال العلماء من الصحابة فمن بعدهم ، إجماعا واختلافا ، لئلا يخرق الإجماع فيما يختاره ” انتهى من ” صون المنطق ” ( ص 47 ) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى :
” الذين أخذوا بالحديث دون أن يرجعوا إلى ما كتبه العلماء في الأحكام الشرعية … تجد عندهم من المسائل الغريبة : ما تكاد تجزم بأنها مخالفة للإجماع ، أو يغلب على ظنك أنها مخالفة للإجماع ، لهذا ينبغي للإنسان أن يربط فقهه بما كتبه الفقهاء رحمهم الله ، ولا يعني ذلك أن يجعل إمام هذا المذهب كالرسول عليه الصلاة والسلام يأخذ بأقواله وأفعاله على وجه الالتزام ” انتهى من ” مجموع فتاوى ابن عثمين ” (26 / 177) .
2-معرفة أقوال أهل العلم عامة أمر هام ؛ حتى لا يشذ الطالب ، أو العالم ، في مسألة ما ، أو في فهم نص ما ، بقول أو فهم لم يسبقه إليه أحد ، ويخالف به كل من سبقه من أهل العلم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
” كل قول ينفرد به المتأخر عن المتقدمين ، ولم يسبقه إليه أحد منهم ، فإنه يكون خطأ ، كما قال الإمام أحمد بن حنبل: إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام ” .
انتهى من ” مجموع الفتاوى ” (21 / 291) .
3-المسائل الفقهية منها ما قام عليه دليل صريح من الكتاب والسنة ، إلا أنه يصعب أن يحيط العالم بجميع السنة ، وعلى فرض إمكانية ذلك ، فإنه يصعب أن يستحضرها كلها حال بحثه عن حكم مسألة معينة ، خاصة وأن بعض أحاديث الأحكام قد توجد في غير مظانها من الكتب ، لكن برجوع العالم والطالب إلى أقوال المذاهب في المسألة ، ومطالعة أدلتهم ، والاستفادة من جهودهم على مدار مئات السنين يحقق له هذا التصرف فائدة جمع الأدلة في المسألة ، والمقارنة والترجيح بينها ، وهذا ما يسمّى بـ ” الفقه المقارن ” .
وهناك الكثير من الفروع الفقهية لا يوجد نص شرعي صريح عليها ، وإنما يستدل عليها بالإجماع أو القياس أو الاستصحاب وغيرها من طرق الاستدلال ، فإذا اكتفى الشخص برأي نفسه ، ولم يرجع إلى كتب المذاهب ، ويطلع على أدلتها ، ويسترشد بها في معرفة الراجح : لم يكن في هذه الحالة باذلا للجهد والوسع في معرفة الحق الذي هو واجب على المجتهد ، والمتصدر للفتوى .
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى :
” وأما المسائل التي لا نص فيها فالصواب النظر في اجتهادهم – أي أئمة المذاهب – فيها . وقد يكون اتباع اجتهادهم أصوب من اجتهادنا لأنفسنا ؛ لأنهم أكثر علما وتقوى منا ” .
انتهى من ” أضواء البيان ” (7 / 589) .
والله تعالى أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android