ما تفسير هذه الآية من سورة الحديد : (هو الأول والآخر والظاهر والباطن )؟
لأني رأيت بعض الناس يفسرها ويربطها بوحدة الوجود.
وما تفسير قولنا ” لا إله إلا الله ” ؟ وهل صحيح أن لهذه العبارة ثلاثة معانٍ منها أن “لا موجود إلا الله ” ؟
تفسير قوله تعالى : ( هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) والرد على من يحتج به على وحدة الوجود .
السؤال: 231114
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
سبق في الفتوى رقم : (147639) بيان عقيدة وحدة الوجود وأنها من أعظم الكفر والإلحاد بالله تعالى .
ثانيا :
تفسير كلمة التوحيد : (لا إله إلا الله) بمعنى : (لا موجود إلا الله) تفسير باطل ، لا يدل عليه لغة ولا شرع . وهذا التفسير الباطل هو قول أهل وحدة الوجود . لأنه يعني: أن كل موجود فهو الله . تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ” وَأَمَّا النَّوْعُ الثَّالِثُ: مِمَّا قَدْ يُسَمَّى فَنَاءً: فَهُوَ أَنْ يَشْهَدَ أَنْ لَا مَوْجُودَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ وُجُودَ الْخَالِقِ هُوَ وُجُودُ الْمَخْلُوقِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الرَّبِّ وَالْعَبْدِ فَهَذَا فَنَاءُ أَهْلِ الضَّلَالِ وَالْإِلْحَادِ الْوَاقِعِينَ فِي الْحُلُولِ وَالِاتِّحَادِ” انتهى من ” مجموع الفتاوى ” (10/222) .
وكلمة التوحيد : ( لا إله إلا الله ) ليس لها إلا معنى واحد ، وهو أنه لا معبود بحق إلا الله .
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
” معنى (لا إله إلا الله) : لا معبود بحق إلا الله ، وهي نفي وإثبات. (لا إله) نافيا جميع العبادة لغير الله ، (إلا الله) مثبتا جميع العبادة لله وحده لا شريك له ” .
انتهى من “فتاوى اللجنة الدائمة” (1/ 86).
ثالثا:
أما قوله تعالى : ( هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) الحديد/ 3 ، فيخبر تعالى أنه كان قبل كل شيء ، وهو الباقي بعد فناء كل شيء، وأنه قد أحاط بكل شيء علما ، وأنه لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء،
قال الشوكاني رحمه الله :
” هُوَ الْأَوَّلُ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ ، وَالْآخِرُ بَعْدَ كُلِّ شَيْءٍ ، أَيِ: الْبَاقِي بَعْدَ فَنَاءِ خَلْقِهِ ، وَالظَّاهِرُ الْعَالِي الْغَالِبُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، أَوِ الظَّاهِرُ وَجُودُهُ بِالْأَدِلَّةِ الْوَاضِحَةِ، وَالْباطِنُ أَيِ: الْعَالِمُ بِمَا بَطَنَ، مِنْ قَوْلِهِمْ: فُلَانٌ يُبْطِنُ أَمْرَ فُلَانٍ، أَيْ: يَعْلَمُ دَاخِلَةَ أَمْرِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى الْمُحْتَجِبُ عَنِ الْأَبْصَارِ وَالْعُقُولِ، وَقَدْ فَسَّرَ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ الْأَرْبَعَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَيَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إِلَى ذَلِكَ، وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ لَا يَعْزُبُ عَنْ عِلْمِهِ شَيْءٌ مِنَ الْمَعْلُومَاتِ ” .
انتهى من “فتح القدير” (5/ 199) .
وفُسِّر الباطن أيضا بالقريب ، قال ابن جرير : ” فلا شيء أقرب إلى شيء منه ، كما قال : (ونحن أقرب إليه من حبل الوريد)” انتهى من ” تفسير ابن جرير الطبري ” (22/385) .
وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم : ( اللَّهُمَّ أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ ، وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ ، اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ وَأَغْنِنَا مِنْ الْفَقْرِ) رواه مسلم (2713) .
فهذه الآية تدل على وحدانية الله تعالى وكمال علمه ، فكيف تكون دالة على وحدة الوجود ؟!
وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله تعالى تأويل ملاحدة الوجودية والاتحادية ، لهذه الآية وأمثالها على مذهبهم الباطل ، ثم قال :
” إِلَى أَمْثَال ذَلِك من هَذَا الْكَلَام الَّذِي يُسَمِّيه أَصْحَاب مَذْهَب الْوحدَة وَيَقُولُونَ : إِن الْوُجُود واحد كما يَقُوله ابْن عَرَبِيّ صَاحب الفتوحات وَابْن سبعين وَابْن الفارض والتلمساني وأمثالهم عَلَيْهِم من الله مَا يستحقونه ، فَإِنَّهُم لَا يجْعَلُونَ للخالق سُبْحَانَهُ وجودا مباينا لوُجُود الْمَخْلُوق ، وَهُوَ جَامع كل شَرّ فِي الْعَالم ، ومبدأ ضلالهم من حَيْثُ لم يثبتوا للخالق وجودا مباينا لوُجُود الْمَخْلُوق ، وهم يَأْخُذُونَ من كَلَام الفلاسفة شَيْئا ، وَمن الْكَلَام الْفساد من كَلَام المتصوفة والمتكلمين شَيْئا ، وَمن كَلَام القرامطة والباطنية شَيْئا ، فيطوفون على أَبْوَاب الْمذَاهب ويفوزون بأخس المطالب ..” .
انتهى من “جامع الرسائل” (1/167) .
وقال أيضا :
” وفى النصوص ما يبين نقيض قولهم فإنه قال : (سبح لله ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم ) فكل من في السموات والأرض يسبح ، والمسبِّح غير المسبَّح ، ثم قال : (له ملك السموات ) فبين أن الملك له ثم قال : (هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم) وفى الصحيح : (أنت الاول فليس قبلك شيء ، وأنت الآخر فليس بعدك شيء ، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء ، وأنت الباطن فليس دونك شيء) فإذا كان هو الأول كان هناك ما يكون بعده ، وإذا كان آخرا كان هناك ما الرب بعده ، وإذا كان ظاهرا ليس فوقه شيء كان هناك ما الرب ظاهر عليه ، وإذا كان باطنا ليس دونه شيء كان هناك أشياء نفى عنها أن تكون دونه” انتهى من “مجموع الفتاوى” (5/228) .
فتبين بذلك أن الآية تبطل قول القائلين بوحدة الوجود ، لأنها تدل على أن وجود الله تعالى له من الصفات ما هو خاص بالله عز وجل ولا يليق إلا به ، وأن هناك وجودا آخر يختلف عن وجود الله ، وهو وجود المخلوقين .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة