0 / 0

تفسير قوله تعالى : ( هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) والرد على من يحتج به على وحدة الوجود .

السؤال: 231114

ما تفسير هذه الآية من سورة الحديد : (هو الأول والآخر والظاهر والباطن )؟
لأني رأيت بعض الناس يفسرها ويربطها بوحدة الوجود.
وما تفسير قولنا ” لا إله إلا الله ” ؟ وهل صحيح أن لهذه العبارة ثلاثة معانٍ منها أن “لا موجود إلا الله ” ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
سبق في الفتوى رقم : (147639) بيان عقيدة وحدة الوجود وأنها من أعظم الكفر والإلحاد بالله تعالى .
ثانيا :
تفسير كلمة التوحيد : (لا إله إلا الله) بمعنى : (لا موجود إلا الله) تفسير باطل ، لا يدل عليه لغة ولا شرع . وهذا التفسير الباطل هو قول أهل وحدة الوجود . لأنه يعني: أن كل موجود فهو الله . تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ” وَأَمَّا النَّوْعُ الثَّالِثُ: مِمَّا قَدْ يُسَمَّى فَنَاءً: فَهُوَ أَنْ يَشْهَدَ أَنْ لَا مَوْجُودَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ وُجُودَ الْخَالِقِ هُوَ وُجُودُ الْمَخْلُوقِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الرَّبِّ وَالْعَبْدِ فَهَذَا فَنَاءُ أَهْلِ الضَّلَالِ وَالْإِلْحَادِ الْوَاقِعِينَ فِي الْحُلُولِ وَالِاتِّحَادِ” انتهى من ” مجموع الفتاوى ” (10/222) .
وكلمة التوحيد : ( لا إله إلا الله ) ليس لها إلا معنى واحد ، وهو أنه لا معبود بحق إلا الله .
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
” معنى (لا إله إلا الله) : لا معبود بحق إلا الله ، وهي نفي وإثبات. (لا إله) نافيا جميع العبادة لغير الله ، (إلا الله) مثبتا جميع العبادة لله وحده لا شريك له ” .
انتهى من “فتاوى اللجنة الدائمة” (1/ 86).
ثالثا:
أما قوله تعالى : ( هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) الحديد/ 3 ، فيخبر تعالى أنه كان قبل كل شيء ، وهو الباقي بعد فناء كل شيء، وأنه قد أحاط بكل شيء علما ، وأنه لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء،
قال الشوكاني رحمه الله :
” هُوَ الْأَوَّلُ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ ، وَالْآخِرُ بَعْدَ كُلِّ شَيْءٍ ، أَيِ: الْبَاقِي بَعْدَ فَنَاءِ خَلْقِهِ ، وَالظَّاهِرُ الْعَالِي الْغَالِبُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، أَوِ الظَّاهِرُ وَجُودُهُ بِالْأَدِلَّةِ الْوَاضِحَةِ، وَالْباطِنُ أَيِ: الْعَالِمُ بِمَا بَطَنَ، مِنْ قَوْلِهِمْ: فُلَانٌ يُبْطِنُ أَمْرَ فُلَانٍ، أَيْ: يَعْلَمُ دَاخِلَةَ أَمْرِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى الْمُحْتَجِبُ عَنِ الْأَبْصَارِ وَالْعُقُولِ، وَقَدْ فَسَّرَ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ الْأَرْبَعَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَيَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إِلَى ذَلِكَ، وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ لَا يَعْزُبُ عَنْ عِلْمِهِ شَيْءٌ مِنَ الْمَعْلُومَاتِ ” .
انتهى من “فتح القدير” (5/ 199) .
وفُسِّر الباطن أيضا بالقريب ، قال ابن جرير : ” فلا شيء أقرب إلى شيء منه ، كما قال : (ونحن أقرب إليه من حبل الوريد)” انتهى من ” تفسير ابن جرير الطبري ” (22/385) .
وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم : ( اللَّهُمَّ أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ ، وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ ، اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ وَأَغْنِنَا مِنْ الْفَقْرِ) رواه مسلم (2713) .
فهذه الآية تدل على وحدانية الله تعالى وكمال علمه ، فكيف تكون دالة على وحدة الوجود ؟!

وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله تعالى تأويل ملاحدة الوجودية والاتحادية ، لهذه الآية وأمثالها على مذهبهم الباطل ، ثم قال :
” إِلَى أَمْثَال ذَلِك من هَذَا الْكَلَام الَّذِي يُسَمِّيه أَصْحَاب مَذْهَب الْوحدَة وَيَقُولُونَ : إِن الْوُجُود واحد كما يَقُوله ابْن عَرَبِيّ صَاحب الفتوحات وَابْن سبعين وَابْن الفارض والتلمساني وأمثالهم عَلَيْهِم من الله مَا يستحقونه ، فَإِنَّهُم لَا يجْعَلُونَ للخالق سُبْحَانَهُ وجودا مباينا لوُجُود الْمَخْلُوق ، وَهُوَ جَامع كل شَرّ فِي الْعَالم ، ومبدأ ضلالهم من حَيْثُ لم يثبتوا للخالق وجودا مباينا لوُجُود الْمَخْلُوق ، وهم يَأْخُذُونَ من كَلَام الفلاسفة شَيْئا ، وَمن الْكَلَام الْفساد من كَلَام المتصوفة والمتكلمين شَيْئا ، وَمن كَلَام القرامطة والباطنية شَيْئا ، فيطوفون على أَبْوَاب الْمذَاهب ويفوزون بأخس المطالب ..” .
انتهى من “جامع الرسائل” (1/167) .
وقال أيضا :
” وفى النصوص ما يبين نقيض قولهم فإنه قال : (سبح لله ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم ) فكل من في السموات والأرض يسبح ، والمسبِّح غير المسبَّح ، ثم قال : (له ملك السموات ) فبين أن الملك له ثم قال : (هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم) وفى الصحيح : (أنت الاول فليس قبلك شيء ، وأنت الآخر فليس بعدك شيء ، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء ، وأنت الباطن فليس دونك شيء) فإذا كان هو الأول كان هناك ما يكون بعده ، وإذا كان آخرا كان هناك ما الرب بعده ، وإذا كان ظاهرا ليس فوقه شيء كان هناك ما الرب ظاهر عليه ، وإذا كان باطنا ليس دونه شيء كان هناك أشياء نفى عنها أن تكون دونه” انتهى من “مجموع الفتاوى” (5/228) .
فتبين بذلك أن الآية تبطل قول القائلين بوحدة الوجود ، لأنها تدل على أن وجود الله تعالى له من الصفات ما هو خاص بالله عز وجل ولا يليق إلا به ، وأن هناك وجودا آخر يختلف عن وجود الله ، وهو وجود المخلوقين .
والله أعلم .

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android