قرأت حديثا أن من قعد بالقرب من الخطيب يوم الجمعة أجلسه الله في مكان قريب منه يوم القيامة ، يوم يخرج على عباده في كل جمعة ، وهنا أتساءل: ماذا لو كان المسجد عريضا، وجئت مبكرا ووجدت لي مكانا في الصف الأول مما يلي إحدى الزوايا بعيدا عن الخطيب، فأيهما أفضل في هذه الحالة الجلوس في الصف الأول وان ابتعد عن الخطيب أم في الصف الثاني أو الثالث أمام الخطيب مباشرة ؟
هل يجلس في طرف الصف الأول بعيدا عن الخطيب يوم الجمعة ، أم يجلس أمامه في الصف الثاني أو الثالث ؟
السؤال: 231676
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
جاءت الرواية بأن جلوس الناس يوم القيامة من الله عز وجل على قدر ذهابهم إلى الجمعة ؛ ولكن المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك : إسناده ضعيف .
وورد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، من قوله ، وهو يدل على أن المرفوع له أصل.
روى ابن ماجة (1094) عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: ” خَرَجْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ إِلَى الْجُمُعَةِ فَوَجَدَ ثَلَاثَةً وَقَدْ سَبَقُوهُ ، فَقَالَ: رَابِعُ أَرْبَعَةٍ وَمَا رَابِعُ أَرْبَعَةٍ بِبَعِيدٍ ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: ( إِنَّ النَّاسَ يَجْلِسُونَ مِنَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى قَدْرِ رَوَاحِهِمْ إِلَى الْجُمُعَاتِ ، الْأَوَّلَ وَالثَّانِيَ وَالثَّالِثَ) ، ثُمَّ قَالَ: “رَابِعُ أَرْبَعَةٍ، وَمَا رَابِعُ أَرْبَعَةٍ بِبَعِيدٍ” وضعفه الألباني في “ضعيف ابن ماجة”
وروى الطبرني في “الكبير” (9169) عن ابن مسعود قال : ” سَارِعُوا إِلَى الْجُمَعِ ، فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْرُزُ إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ فِي كَثِيبٍ مِنْ كَافُورٍ، فَيَكُونُوا مِنَ الْقُرْبِ عَلَى قَدْرِ تَسَارُعِهِمْ إِلَى الْجُمُعَةِ ” .
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عدة طرق لهذا الأثر عن ابن مسعود ، ثم قال :
” وَهَذَا الَّذِي أَخْبَرَ بِهِ ابْنُ مَسْعُودٍ أَمْرٌ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا نَبِيٌّ، أَوْ مَنْ أَخَذَهُ عَنْ نَبِيٍّ ، فَيُعْلَمُ بِذَلِكَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ أَخَذَهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَخَذَهُ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ، لِوُجُوهِ:
(أَحَدُهَا) : أَنَّ الصَّحَابَةَ قَدْ نُهُوا عَنْ تَصْدِيقِ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا يُخْبِرُونَهُمْ بِهِ، فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يُحَدِّثَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِمَا أَخْبَرَ بِهِ الْيَهُودُ عَلَى سَبِيلِ التَّعْلِيمِ وَيَبْنِيَ عَلَيْهِ حُكْمًا.
(الثَّانِي) : أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – خُصُوصًا، كَانَ مِنْ أَشَدِّ الصَّحَابَةِ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ – إنْكَارًا لِمَنْ يَأْخُذُ مِنْ أَحَادِيثِ أَهْلِ الْكِتَابِ.
(الثَّالِثُ) : أَنَّ الْجُمُعَةَ لَمْ تُشْرَعْ إلَّا لَنَا، وَالتَّبْكِيرُ فِيهَا لَيْسَ إلَّا فِي شَرِيعَتِنَا، فَيَبْعُدُ مِثْلُ أَخْذِ هَذَا عَنْ الْأَنْبِيَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ ، وَيَبْعُدُ أَنَّ الْيَهُودِيَّ يُحَدِّثُ بِمِثْلِ هَذِهِ الْفَضِيلَةِ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ ، وَهُمْ الْمَوْصُوفُونَ بِكِتْمَانِ الْعِلْمِ وَالْبُخْلِ بِهِ وَحَسَدِ هَذِهِ الْأُمَّةِ ” .
ثم ذكر حديث ابن ماجة المتقدم ، ثم قال :
” وَهَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ الْعُلَمَاءُ عَلَى اسْتِحْبَابِ التَّبْكِيرِ إلَى الْجُمُعَةِ وَقَدْ ذَكَرُوا هَذَا الْمَعْنَى مِنْ جُمْلَةِ مَعَانِي قَوْلِهِ: (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ) قَالَ بَعْضُهُمْ: السَّابِقُونَ فِي الدُّنْيَا إلَى الْجُمُعَاتِ هُمْ السَّابِقُونَ فِي يَوْمِ الْمَزِيدِ فِي الْآخِرَةِ أَوْ كَمَا قَالَ ” انتهى من”مجموع الفتاوى” (6/ 405-406) .
وظاهرٌ أن هذه الفضيلة عُلِّقت على التبكير إلى صلاة الجمعة والمسارعة إليها .
وقد وردت أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم تحث على التبكير إلى صلاة الجمعة ، منها :
ما رواه البخاري (881) ، ومسلم (850) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ غُسْلَ الجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الخَامِسَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ حَضَرَتِ المَلاَئِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ) .
وقد جاء الأمر بالدنو من الإمام في بعض الأحاديث .
روى أبو داود (1108) عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رضي الله عنه أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ( احْضُرُوا الذِّكْرَ ، وَادْنُوا مِنَ الْإِمَامِ ، فَإِنَّ الرَّجُلَ لَا يَزَالُ يَتَبَاعَدُ حَتَّى يُؤَخَّرَ فِي الْجَنَّةِ ، وَإِنْ دَخَلَهَا) وحسنه الألباني في “صحيح أبي داود” .
والمراد من ذلك الدنو : الحث على الصلاة في الصف الأول .
قال المناوي رحمه الله في “فيض القدير” (1/251) : “(وادنوا من الإمام) أي : اقتربوا منه ، بأن تكونوا في الصف الأول ، بحيث تسمعون الخطبة” انتهى من “فيض القدير” (1/251) .
وهذا هو المشروع لكل من بَكَّر إلى الصلاة وسارع إليها ، أن يحرص على الصلاة في الصف الأول .
ثانيا :
إذا كان المسجد عريضا ، فالصلاة في طرف الصف الأول : أفضل من الصلاة في الصف الثاني خلف الإمام ، لأن ما ورد في فضيلة الصف الأول أكثر ، ولأن الدنو من الإمام فسَّره بعض العلماء بالصلاة في الصف الأول ، كما سبق .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
إذا دخل الرجل المسجد يوم الجمعة ، فهل يتم الصف الأول إذا كان طويلاً أم يدنو من الإمام؟
فأجاب : ” لا، الأفضل أن يتم الأول ، في الجمعة أو في غيرها، ودليل ذلك: قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلاَّ أن يستهموا عليه لاستهموا) يعني: لو لم يجدوا طريقاً إلى الصف الأول إلاَّ بالقرعة لفعلوا ذلك، وذلك لكثرة ثوابه ، وتكميل الأول فالأول أيضاً هو السنة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها، قالوا: كيف ذاك يا رسول الله؟! قال: يتراصون ويُتِمُّون الأول فالأول، أو قال: يُكمِّلون الأول فالأول(” انتهى من “لقاءات الباب المفتوح” (140/14) الشاملة .
وسئل أيضاً :
إذا دخل شخص المسجد يوم جمعة ووجد الصف الأول في طرفه فُرَج ، هل الأفضل أن يجلس في الصف الثاني قرب الإمام ، أو يجلس في طرف الصف ؟
فأجاب :
” إذا كان يدرك الخطبة كلها مثل أن يكون في المسجد مكبر صوت ، ولا يخفى عليه شيء من الخطبة، فالصف الأول أفضل بلا شك، أما إذا كان لا يدركها : فجلوسه أمام الإمام أفضل؛ وذلك لأن استماع الخطبة واجب ، والتقدم إلى الصف الأول سنة ، وغالب المساجد والحمد لله الآن فيها مكبر صوت ” انتهى من “لقاء الباب المفتوح” (124/ 17) بترقيم الشاملة .
والله تعالى أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب