0 / 0

يشعر بإنكار الحساب والجنة والنار رغم محافظته على صلاته

السؤال: 231805

عندما يموت الإنسان ألا يحاسب في القبر ، أو ما هو نوع حسابه بالضبط ؟
وهل الميت يمر عليه الليل والنهار ؟ كيف يكون مرور الوقت عليه ؟
وكيف يعذب الناس ويتم حسابهم ؟ وكيف يكون وضعهم في الجنة ؟ كيف يمر عليهم الوقت ؟ في ماذا يتكلمون ؟ ألا يلعبون ؟ وهل نرى جميع من مر علينا في حياتنا ؟ هل نشاهدهم ؟ هل نرى حسابهم ؟
لا أدري – أحيانا والعياذ بالله – أنكر الحساب والجنة والنار ، دائما يأتيني هذا الشعور ، مع العلم أني محافظ على صلواتي ، ولكن يأتي دائما في الصلاة وقبل النوم ، ومع العلم أني دائما أدعو بالهداية وتقوية إيماني ، وجعل همي الآخرة ، فما هو السبب في عدم تلبية دعائي ؟
أريد باختصار تقوية إيماني ؟ وهل هناك كتب تقوى الإيمان ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أشد ما يحزننا في بعض الأسئلة الواردة هو انقلاب الهواجس النفسية ، ووساوس الشيطان ، في نفوس أصحابها ، إلى شبهات وهمية ، تستدعي منهم التساؤل حولها ، وعند بعضهم تستدعي منهم اتخاذ قرار بالعدول عن عقيدته وإيمانه ، لا قدر الله ، كل ذلك نتيجة ” خواطر ” نفسية ، ووساوس إبليسية ، ليس أكثر .
إذا أردتنا أن نساعدك في تقوية إيمانك ، فلا بد أن تساعد نفسك أولا ، وتشفق عليها من مثل هذه الاختلاجات التي تعتمل في قلبك ونفسك ، وأنت لا تدرك أن مثلها يرد في أذهان كثير من الناس ، بفعل الوسواس الخناس ، الذي يوسوس في صدور الناس ، وبإصغاء النفس الأمارة بالسوء له ؛ وإن كان ذلك لا يعني بحال من الأحوال وصوله إلى درجة ” الإنكار “، أو ” الردة ” عن عقيدة الإيمان بالغيب التي يتميز بها المسلم .
ولكي تدرك معنا أنها مجرد ” هواجس “، وليست شبهات حقيقية ، ولا أفكارا مستقرة تحتاج نظرا علميا حقيقيا ، تخيل أنك – لا قدر الله – استجبت لمثل هذه الهواجس ، ألا ترى من المنطقي أن ترتد عليها أيضا بهواجس أخرى ، فتقول في نفسك : لا بد أن أرواح الموتى ترجع إلى الدنيا ، فتنقلب إلى صورة حيوان أو إنسان آخر ، كما هي عقيدة ” تناسخ الأرواح ” ، أو تقول في نفسك : من المؤكد أنهم يعيشون حياة أخرى كحياتنا الدنيا ، كما هي عقيدة الفراعنة ، فكانوا يدفنون موتاهم مع متاعهم وأموالهم !!
هل تريد من نفسك أن تبلغ هذا القدر من الاضطراب والفوضى ، ثم تقنع نفسك أنها أفكار حقيقية ، أو توهمها بأنك اتخذت قرارك بإنكار الحساب أو الجنة والنار .
نحن ندعوك أن تقف بين القبور يوما ، لتشاهد هيبة الحق ، الحق الذي تبعثه في النفس أحداث هذه الدنيا الجسام ، من ظلم وعدوان ، وقيام أمم ، وانمحاق أخرى ، وتنوع البشر ، وتصارع الأمم ، لندرك أن ثمة نهاية لا بد منها ، تختتم كل ذلك بإقامة الحق والقسط بين الناس ، فكل قصة لا بد لها من خاتمة ، وكل حكاية تنتهي إلى نهاية ، ولا أعظم من حكاية الأرض وما يجري عليها، ولا تردد في أن أهوال ما يجري فيها لن يمر عبثا ، ولن يذهب سدى ، بل سيقتص للحق من الباطل ، وللعدل من الجور والظلم .
يقول الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله :
” الدليل النفسي على وجود العالم الآخر أن الإنسان يدرك بالحَدْس أن هذا العالم المادي ليس كل شيء ، وأن وراءه عالماً روحياً مجهولا ، يدرك منه لمحات تدل عليه .
ذلك أن الإنسان يرى اللذات المادية محدودة ، إذا هي بلغت غايتها ووصلت إلى حدها ، لم تَعُد اللذةُ لذةً ، ولكن صارت (عادة) ، فذهب طعمها ، وبطل سحرها ، وصارت كالنكتة المحفوظة ، والحديث المعاد .
يبصر الفقير سيارة الغني تمر به ، وعمارة الغني يمر بها ، فيحسب أنه يحوز الدنيا إن حاز مثلها ، فإن صارت له ، لم يعد يشعر بالمتعة بها .
ويسهر المحب يحلم بوصل الحبيب ، يظن أن متع الدنيا كلها بحبه ، والأماني كلها في قربه ، فإذا تزوج التي يحب ، ومر على الزواج سنتان ، اضمحلت تلك الأماني ، وماتت تلك المتع ، ولم يبق له منها إلا ذكرها .
ويمرض المريض ويتألم ، فيتصور اللذة كلها في ذهاب الألم والشفاء من المرض ، فإذا عاودته الصحة ، ونسي أيام المرض ، لم يعد يرى في الصحة شيئا من تلك اللذات .
ويتمنى الشاب ” الشهرة “، ويفرح إن أذاعت الإذاعة اسمه ، ونشرت الصحف رسمه ، فإذا هو اشتهر وصار اسمه ملء السمع ، وشخصه ملء البصر ، صارت له الشهرة أمراً معتادا .
ثم يجد أنه … يقرأ القصة العبقرية ، للأديب البارع ، فيحس كأنها تمشي به في مسارب عالم مسحور ، فيه مع السحر شعر وعطر ، فإذا انتهت القصة ، رأى كأنه كان في حلم لَذيذ فتّان ، وصحا منه ، فهو يحاول عبثا أن يعود إلى لذته وفتونه .
ويعيش في لحظات التجلي ، حين تصفو النفوس بالتأمل فتتخفف من أثقال المادة ، فتعلو بجناحين من الصفاء والتجرد ، حتى تصل إلى حيث ترى الأرض وما عليها ، أصغر من أن ينظر إليها ، لما تجد من لذة الروح التي لا تَعْدلها لذة الطعام للجائع ، ولا لذة الوصال للمحروم ، ولا لذائذ المال والجاه للفقير المغمور .
وإذا بالنفس تتشوق أبدا إلى هذا ( العالم الروحي ) العلوي ، العالم المجهول ، الذي لا تعرف منه إلا هذه اللمحات ، التي لا تكاد تبدو لها حتى تختفي ، وهذه النفحات التي لا تهب حتى تسكن . فيعلم أن اللذات المادية محدودة ، وأن اللذات الروحية أكبر منها كبرا ، وأعمق في النفس أثرا . ويُوقن ( بالحدس النفسي ، لا بالدليل العقلي ) ، أن هذه الحياة المادية ليست كل شيء ، وأن العالم المجهول ، المختبئ وراء عالم المادة حقيقة قائمة ، تحن إليها الأرواح ، وتحاول أن تطير إليها ، ولكن هذا الجسد الكثيف يحجبها عنها ، ويمسكها عن أن تنطلق وراءها .
وهذا هو الدليل النفسي على وجود العالم الآخر .
الاعتقاد بوجود الحياة الأخرى نتيجة لازمة للاعتقاد بوجود الله ، وبيان ذلك أن الإله لا يكون إلا عادلا ، والعادل لا يقرّ الظلم ، ولا يدع الظالم بغير عقاب ، ولا يترك المظلوم من غير إنصاف ، ونحن نرى أن في هذه الحياة من يعيش ظالما ويموت ظالما لم يعاقب ، ومن يعيش مظلوما ويموت مظلوما لم ينصف ، فما معنى هذا ؟ وكيف يتم هذا ما دام الله موجودا ، وما دام الله لا يكون إلا عادلا ؟
معناه : أنه لا بد من ( حياة أخرى ) يكافأ فيها المحسن ، ويعاقب المسيء . وأن ( الرواية ) لا تنتهي بانتهاء هذه الدنيا .
ولو أنه عرض ( فلم ) في الرائي ( التلفزيون ) ، فقطع من وسطه ، وقيل ( انتهى )، لما صدق أحد من المشاهدين انه انتهى ، ولنادوا ماذا جرى للبطل ؟ وأين تتمة القصة ؟ ذلك لأنهم ينتظرون من المؤلف أن يتم القصة ، ويسدد حساب أبطالها .
هذا والمؤلف بشر ، فكيف يصدق عاقل ، أن (قصة) الحياة تنتهي بالموت ؟ كيف ؟ ولم يسدد بعد الحساب ، ولا اكتملت الرواية ؟
فأيقن العقل من هنا أن لهذا الكون ربا ، وأن بعد الدنيا آخرة ، وأن ذاك العالم المجهول ، الذي لمحت الروح ومضة من نوره في الأغنية الحالمة ، والقصة البارعة ، واستروحت نفحة من عطره في ساعة التجلي ، ليس عالم المثل الذي كان خيالا صاغه أفلاطون ، ولكنه عالم الآخرة ، الذي هو حقيقة أبدعها خالق أفلاطون . ورأى أن أكبر لذائذ الدنيا لذة الوصال ، لا تدوم إلا نصف دقيقة ، فعلم أنها ليست إلا مثالا من لذات الآخرة ، إنها لقمة من الطعام تذوقها ، فان أعجبك اشتريت منه فأكلت حتى شبعت .
إنها نموذج تجاري تراه ، فإن ارتضيته طلبت البضاعة .
إن هذه اللذة التي لا تدوم إلا نصف دقيقة ، مثال مصغر للذات العالم الآخر ، التي تدوم أبدا ، والتي لا حد لها تقف عنده ، والتي تبقى ( لذة ) دائما ، لا تصير ( عادة ) ، كما تصير اللذات في الدنيا عادات ” انتهى بتصرف يسير من ” تعريف عام بدين الإسلام ” (ص/49-51) .
فالنصيحة التي نخلصها لك لوجه الله تعالى أن تدع عنك هذا التفكير الطائش ، وتصرف قلبك عن كل تلك الوساوس ، وتتقي الله في نفسك وعقلك ، فالجنون الحقيقي هو إنكار الخالق جل وعلا رغم عظمة هذا الخلق الذي نشاهده في أنفسنا وبديع ما حولنا في الكون ، فلا تبع آخرتك بهواجس نفسية ساذجة .
وانظر في شأن الوساوس في الإيمان : جواب السؤال رقم : (39684) ، ورقم : (210669) .
وللمزيد يرجى النظر في الفتوى رقم : (14041) ، (20059).
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android