تنزيل
0 / 0

إشكال حول سماع الملائكة للقرآن وهم في السماء

السؤال: 234342

الملائكة تحبّ القرآن وسماعه ، ومنهم من يتنزل من السماء حين يقرأ القرآن ، هل هذا يدل على سماع الملائكة للأصوات من مسافات كبيرة ، لست من هواة البحث في الغيبيات ، لكن أخاف أن أشرك مع الله أحدا في صفاته، لأنني أعلم أن من دعا غائباً أو دعا ميتاً وهو بعيد عن قبره ، وهو يعتقد أن هذا المدعو يسمع كلامه، أو يعلم بحاله فقد وقع في الشرك الأكبر، سواء أكان هذا المدعو نبياً أو ولياً، أم عبداً صالحاً أم غيرهم ، فهل تسمع الملائكة القرآن وهي في السماء؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

الحديث الذي سألت عنه هو :
عن أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ : ” أَنَّ أُسَيْدَ بْنَ حُضَيْرٍ بَيْنَمَا هُوَ
لَيْلَةً يَقْرَأُ فِي مِرْبَدِه ِ، إِذْ جَالَتْ فَرَسُهُ ، فَقَرَأَ ، ثُمَّ
جَالَتْ أُخْرَى ، فَقَرَأَ ، ثُمَّ جَالَتْ أَيْضًا ، قَالَ أُسَيْد ٌ: فَخَشِيتُ
أَنْ تَطَأَ يَحْيَى ، فَقُمْتُ إِلَيْهَا ، فَإِذَا مِثْلُ الظُّلَّةِ فَوْقَ
رَأْسِي فِيهَا أَمْثَالُ السُّرُجِ ، عَرَجَتْ فِي الْجَوِّ حَتَّى مَا أَرَاهَا ،
قَالَ : فَغَدَوْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،
فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ بَيْنَمَا أَنَا الْبَارِحَةَ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ
أَقْرَأُ فِي مِرْبَدِي ، إِذْ جَالَتْ فَرَسِي ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( اقْرَأِ ابْنَ حُضَيْرٍ ) ، قَالَ : فَقَرَأْتُ ،
ثُمَّ جَالَتْ أَيْضًا ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (
اقْرَأِ ابْنَ حُضَيْرٍ ) ، قَالَ : فَقَرَأْت ُ، ثُمَّ جَالَتْ أَيْضًا ، فَقَالَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( اقْرَأِ ابْنَ حُضَيْرٍ ) قَالَ
: فَانْصَرَفْتُ ، وَكَانَ يَحْيَى قَرِيبًا مِنْهَا ، خَشِيتُ أَنْ تَطَأَهُ ،
فَرَأَيْتُ مِثْلَ الظُّلَّةِ فِيهَا أَمْثَالُ السُّرُج ِ، عَرَجَتْ فِي الْجَوِّ
حَتَّى مَا أَرَاهَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (
تِلْكَ الْمَلَائِكَةُ كَانَتْ تَسْتَمِعُ لَكَ ، وَلَوْ قَرَأْتَ لَأَصْبَحَتْ
يَرَاهَا النَّاسُ مَا تَسْتَتِرُ مِنْهُمْ ) : .
رواه البخاري (5018) ، ومسلم (796) واللفظ له .

وهذا الحديث ، وما يشبهه ،
ليس فيه أن الملائكة يسمعون تلاوة العبد ، وهم في السماء ، بل فيه أن الملائكة
نزلوا ، حتى كانوا مثل الظلة ، وهو ما يستظل به الإنسان ، وهو يدل على أنهم صاروا
قريبين منه جدا ، بحيث يسمعونه سماعا ، لا إشكال فيه ، ولا استبعاد له ، حتى لو كان
من بشر ، في مثل مسافتهم ؛ فكيف إذا كانوا ملائكة الله .

ومن الملائكة من ينزل من
السماء ، يغشى الناس في مجالسهم ، يلتمسون حلق الذكر ، ومجالس العلم .
عن أَبي هريرة – رضي الله عنه – ، قَالَ : قَالَ رسول الله – صلى الله عليه وسلم –
: ( إنَّ للهِ تَعَالَى مَلائِكَةً يَطُوفُونَ في الطُّرُقِ يَلْتَمِسُونَ أهْلَ
الذِّكْرِ ، فإذا وَجَدُوا قَوْمَاً يَذْكُرُونَ اللهَ – عز وجل – ، تَنَادَوْا :
هَلُمُّوا إِلَى حَاجَتِكُمْ ، فَيَحُفُّونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِم إِلَى السَّمَاءِ
الدُّنْيَا ، فَيَسْألُهُمْ رَبُّهُمْ – وَهُوَ أعْلَم – : مَا يقولُ عِبَادي ؟
قَالَ : يقولون : يُسَبِّحُونَكَ ، ويُكبِّرُونَكَ ، وَيَحْمَدُونَكَ ،
ويُمَجِّدُونَكَ ، فيقول : هَلْ رَأَوْنِي ؟ فيقولونَ : لا واللهِ مَا رَأَوْكَ .
فيقولُ : كَيْفَ لَوْ رَأوْني ؟! قَالَ : يقُولُونَ : لَوْ رَأوْكَ كَانُوا أَشَدَّ
لَكَ عِبَادَةً ، وَأَشَدَّ لَكَ تَمْجِيداً ، وأكْثَرَ لَكَ تَسْبِيحاً ، فَيقُولُ
: فماذا يَسْألونَ ؟ قَالَ : يقُولُونَ : يَسْألُونَكَ الجَنَّةَ ، قَالَ : يقولُ :
وَهل رَأَوْها ؟ قَالَ : يقولون : لا واللهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا . قَالَ :
يقول : فَكيفَ لَوْ رَأوْهَا ؟ قَالَ : يقولون : لَوْ أنَّهُمْ رَأوْهَا كَانُوا
أشَدَّ عَلَيْهَا حِرْصاً ، وأشدَّ لَهَا طَلَباً ، وأعْظَمَ فِيهَا رَغْبَةً ،
قَالَ : فَمِمَّ يَتَعَوَّذُونَ ؟ قَالَ : يقولون : يَتَعَوَّذُونَ مِنَ النَّارِ ؛
قَالَ : فيقولُ : وَهَلْ رَأوْهَا ؟ قَالَ : يقولون : لا واللهِ مَا رَأوْهَا ،
فيقولُ : كَيْفَ لَوْ رَأوْهَا ؟! قَالَ : يقولون : لَوْ رَأوْهَا كانوا أشَدَّ
مِنْهَا فِرَاراً ، وأشَدَّ لَهَا مَخَافَةً . قَالَ : فيقولُ : فَأُشْهِدُكُمْ
أنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُم ، قَالَ : يقولُ مَلَكٌ مِنَ المَلاَئِكَةِ : فِيهم
فُلاَنٌ لَيْسَ مِنْهُمْ ، إنَّمَا جَاءَ لِحَاجَةٍ ، قَالَ : هُمُ الجُلَسَاءُ لا
يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ ) . متفق عَلَيْهِ .
وعنه وعن أَبي سعيدٍ رضي الله عنهما ، قالا : قَالَ رسولُ الله – صلى الله عليه
وسلم – : ( لا يَقْعُدُ قَومٌ يَذكُرُونَ اللهَ – عز وجل – إِلاَّ حَفَّتْهُمُ
المَلائِكَةُ وغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ ؛
وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ ) رواه مسلم .
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة ، معلومة .
وفي هذا كله : ما يدل على أنهم ينزلون من السماء ، يستمعون لمجالس الذكر والتلاوة .

والملائكة من عالم الغيب فلا
يمكن القطع بكيفية سماعهم هذا ، فالله تعالى – يسمعهم الصوت من غير أن نعلم كيفيته
-، ويشبه هذا علم الملائكة بما ينويه الإنسان من خير أو شر .

وإذا افترضنا أنهم يسمعون
قراءة الناس ، وهم في السماء ؛ فليس هذا بأعجب من علمهم بما يهم العبد به ،
فيكتبونه ، بأمر الله لهم بذلك .
فيقال هنا أيضا : إن الله قادر على أن يسمع الملائكة ما يقوله العبد كيف يشاء .

وقد سُئِل شيخ الإسلام ابن
تيمية رحمه الله :
” عن قوله صلى الله عليه وسلم: ( إذا هم العبد بالحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة
…. ) الحديث . فإذا كان الهم سرا بين العبد وبين ربه فكيف تطلع الملائكة عليه ؟
فأجاب : “الحمد لله ، قد روي عن سفيان بن عيينة فى جواب هذه المسألة قال : ” إنه
إذا هم بحسنة شم الملك رائحة طيبة ، وإذا هم بسيئة شم رائحة خبيثة ” .
والتحقيق : أن الله قادر أن يعلم الملائكة بما فى نفس العبد كيف شاء ” .
انتهى من ” مجموع الفتاوى ” (4 / 253) .

ثانيا :
هناك فرق بين السماع الذي يثبته المشركون لمعبوداتهم ، وبين سماع الملائكة هذا :
الفرق الأول : أنه ، إذا افترضنا أن النص الشرعي يدل على هذا السماع ، فيكون سماع
الملائكة ـ حينئذ ـ قد أثبته النص الشرعي ، أمّا السماع الذي يدعيه المشركون
لمعبوداتهم من الغائبين والموتى ، فهو سماع نفاه الشرع والحس ، بل هو قول على الله
بغير علم .
الفرق الثاني : سماع الملائكة هو تصرف من تصرفات الله تعالى في هذا الكون ، فإثباته
إثبات لكمال ربوبية الله تعالى وألوهيته ، لأن الذي أسمعهم ذلك هو الله ، وتنزلت
الملائكة لاستماع القرآن والذكر بأمر الله .
عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ،
قَالَ : ” قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِجِبْرِيلَ :
(أَلاَ تَزُورُنَا أَكْثَرَ مِمَّا تَزُورُنَا ؟ ) ، قَالَ : فَنَزَلَتْ : ( وَمَا
نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ ، لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا
)” سورة مريم /64 ، رواه البخاري (3218) .
أما السماع الذي يدّعيه المشركون لمعبوداتهم : فهو سماع شركي ، لأنهم ينسبون لهم ،
بناء على هذا السماع ، بعض التصرفات التي هي خاصة بالله تعالى ، لا يشاركه فيها أحد
من خلقه ، من العطاء والمنع ، والخفض والرفع ، وغفران الذنوب ، وكشف الكروب ، ونحو
ذلك .
والغائب والميت ، حتى لو فرضنا ـ جدلا ـ أنه يسمع من يناديه ، فهو لا يملك إجابته ،
لأن هذا من خصائص الربوبية .
قال الله تعالى : ( وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن
قِطْمِيرٍ ، إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا
اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا
يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ) فاطر /13 – 14 .

والله أعلم .

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android
at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android