0 / 0

يزعم عدم وجوب اتباع الرسول في كل أمر

السؤال: 235537

ما رأيكم بمن يقول : إنه لا يجب أن نتبع الرسول عليه الصلاة والسلام في كل شيء ؛ ﻷنه بشر ويجتهد فيخطأ ويصيب ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم واجبة ، بل هي أصل من أصول الإيمان كما دل القرآن الكريم على ذلك ، قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا )النساء/ 59 ، وقال تعالى : ( وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ) المائدة/ 92 ، وقال تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ ) النساء/ 64 .

وقد أخبر الله تعالى أنه لا يؤمن شخص حتى يحكم الرسول صلى الله عليه وسلم فيما نزل به من نوازل ، ولا يجد في نفسه حرجا من حكمه الشريف ويسلم تسليما، قال تعالى : (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)النساء/ 65 .

قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره (2 / 349): “وَقَوْلُهُ : ( فَلا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ) : يُقْسِمُ تَعَالَى بِنَفْسِهِ الْكَرِيمَةِ الْمُقَدَّسَةِ : أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ أَحَدٌ حَتَّى يُحَكم الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَمِيعِ الْأُمُورِ، فَمَا حَكَمَ بِهِ فَهُوَ الْحَقُّ الَّذِي يَجِبُ الِانْقِيَادُ لَهُ بَاطِنًا وَظَاهِرًا ؛ وَلِهَذَا قَالَ : ( ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) ، أَيْ: إِذَا حَكَّمُوكَ يُطِيعُونَكَ فِي بَوَاطِنِهِمْ ، فَلَا يَجِدُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا حَكَمْتَ بِهِ ، وَيَنْقَادُونَ لَهُ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ ، فَيُسَلِّمُونَ لِذَلِكَ تَسْلِيمًا كُلِّيًّا مِنْ غَيْرِ مُمَانِعَةٍ ، وَلَا مُدَافِعَةٍ ، وَلَا مُنَازِعَةٍ ، كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ: ” وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ” انتهى.

وقد بوب الإمام النووي رحمه الله في كتابه النافع المبارك “رياض الصالحين” : باب في الأمر بالمحافظة على السنة وآدابها .

وذكر فيه طائفة من آيات القرآن الكريم ، التي تدل على ذلك الأصل الإيماني العظيم ، دلالة بينة واضحة ، لا لبس فيها ، ولا شبهة :

” قَالَ الله تَعَالَى : ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) الحشر / 7 ، وَقالَ تَعَالَى : ( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى ) النجم /3-4 ، وَقالَ تَعَالَى : ( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ) آل عمران / 31 ، وَقالَ تَعَالَى : ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِر ) الأحزاب /21 ، وَقالَ تَعَالَى : ( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) النساء / 65 ، وَقالَ تَعَالَى : ( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ ) النساء / 59 ، قَالَ العلماء : معناه إِلَى الكتاب والسُنّة ، وَقالَ تَعَالَى : ( مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ الله )النساء/80 ، وَقالَ تَعَالَى : ( وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِراطِ اللهِ ) الشورى/ 52-53 ، وَقالَ تَعَالَى : ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) النور /63 ، وَقالَ تَعَالَى : ( وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ ) الأحزاب /34 ، والآيات في الباب كثيرة ” انتهى .

وذكر في الباب طائفة من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في تقرير ذلك الأصل ، ومن ذلك:

عَنْ أَبي هريرةَ – رضي الله عنه – : أنَّ رَسُول الله – صلى الله عليه وسلم – ، قَالَ : ( كُلُّ أُمَّتِي يَدخُلُونَ الجَنَّةَ إلاَّ مَنْ أبَى ) ، قيلَ : وَمَنْ يَأبَى يَا رَسُول الله ؟ قَالَ : ( مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أبَى ) رواه البخاري .

وإن العجب لا ينقضي ممن يزعم أن اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم غير واجب ، والله تعالى قد رتب الهدى والفلاح على طاعته واتباعه صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: ( فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) الأعراف/ 158، ويقول سبحانه : ( وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ) النور/ 54.

ومما يجب على كل مسلم أن يعتقده أن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهي طريقته في الدين من أقوال وأفعال : معصومة .

وكان صلى الله عليه وسلم إذا ما اجتهد في أمر ، فلم يصادف وجه الصواب : نزل الوحي فورا بتصحيح الأمر ، وبيان مراد الله وحكمه في النازلة المعينة ، وهذا ما ثبت في القرآن الكريم في مثل قوله تعالى : ( مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ . لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ . فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ )الأنفال/ 67 – 69، وقوله تعالى : ( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ . وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ ) التوبة/ 113، 114، وقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ . قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ )التحريم/1، 2 .

والحاصل : أن هذا المعترض : لم يفهم شيئا عن أصول اتباع النبي صلى الله عليه وسلم ، ومكانها من دين الله جل جلاله ، ولم يفهم ما يدل على ذلك ، ولم يعترض ـ حين اعترض على ذلك الأصل المقرر بشيء ينفعه أو له تعلق بمحل بحثه ونظره .

فليت هذا المرتاب إذا أشكل عليه أمر رده إلى أولي الأمر من العلماء والفقهاء ليجيبهوه على شبهته .

هدانا الله جميعا إلى ما فيه الهدى والرشاد .

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android