أعاني من مشاكل عائلية ، ومنذ فترة وأنا أتعالج نفسياً ، فلا شيء يتغير في حياتي ، حيث يبدو أنني أعاني من السحر والعين ، حيث اكتشفت أن أبي وأمي يثقون بأناس لا يعالجون السحر حسب القرآن والسنة ، وهم على ذلك منذ سنوات عديدة ، وقد كنت أمشي على خطاهم طوال تلك المدة .
فهل تنصحوني بالتوقف عن اتباعهم فيما يفعلون لأتمكن من البحث عن طريقة يمكنني فيها تحسين وضعي .
ولعلي يمكنني الذهاب للعيش مع عمتي ، حيث عرضت علي ذلك ، فهي تبعد عنا 40 ميلاً . فهل يجوز لي السفر لها مع عدم وجود محرم .
هل يشرع لنا الصبر ، أم العمل على تحسين أمورنا في هذه الحالة .
وهل المشاكل النفسية هي نفسها مس الجن أم لا . هل ما أعاني منه هو بسبب الشيطان . وكيف يمكنني تشخيص حالتي ؟
هل مشاكلي النفسية والعائلية مس من الجن ؟
السؤال: 236223
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
قد يقع بعض الناس أسيرا للأوهام حين يظنون أن أزماتهم العائلية أو المجتمعية أو المالية أو الصحية إنما وقعت بسبب المس أو السحر ، فتراهم يلجئون لتفسير كل ما يقع لهم من معوقات في حياتهم بإحالتها إلى هذه الظنون الواهمة ، فذلك أيسر عليهم من مواجهة الحقيقة بالأخذ بالأسباب ، والاجتهاد في العلاج ، مع الصبر والمصابرة . وهكذا جبل الإنسان على طلب الأيسر والأسهل .
يجب أن يتذكر جميع المسلمين أن الله عز وجل حين خلق الدنيا لم يتركها عبثا يتسلط فيها الناس بعضهم على بعض بقوى غيبية ، ونفوذ سحري جني ، ولو كان الشأن كذلك لفسدت الدنيا واختلت قوانين الحياة ، ولذلك أمرنا عز وجل أن نتبع الأسباب التي ركّب الكون عليها ، فمن طلب الرزق عليه بالعمل ، ومن طلب الولد عليه بالزواج ، ومن يبحث عن العلم فعليه بالدرس والحفظ والفهم ، ومن طلب الحياة الأسرية المطمئنة فعليه بالكلمة الطيبة ، والحوار الهادئ ، والعفو عن الزلات ، واحتمال الأذى ، وخفض الجناح ، ولين الجانب مع أهل بيته ، وهكذا تكون الأسباب مؤدية إلى نتائجها بإذن الله عز وجل وتقديره ، ولكن الشيطان يسول للإنسان ترك هذه الأسباب ، ويخيل إليه أنه مسحور أو محسود ، ليقعد عن الأخذ بها ، وييأس من إصلاح حاله من خلالها ، فيظل يركض في أوهام السحر وعلاجه ما بين الرقاة الصادقين أو الكاذبين ، وهو في ذلك لا يتقدم خطوة واحدة إلى الأمام .
ونحن هنا لا ننكر وجود السحر والحسد ، ولكننا ننكر مبالغة الناس في نسبة كل شيء إليها ، حتى صارت أوهاما غالبة .
بل حتى السحر ، لا يضر الإنسان شيئا إلا بإذن الله ، كما قال تعالى : (وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ) البقرة/102 ، فقد يتغلب الإنسان على السحر بتوكله على الله ودعائه والإخلاص له وقراءة القرآن .
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
” على أنني أنصح هذا وغيره من اتباع الأوهام التي يلقيها الشيطان في قلب الإنسان ؛ فإن كثيراً من الناس إذا أحس بنفسه أدنى مرض قال : هذه عين ، هذا سحر ، وما أشبه ذلك ، فتتولد هذه الأوهام حتى تكون عقداً في نفسه ، ثم تكون مرضاً حقيقياً . وما أكثر ما يمرض الإنسان بسبب أوهام تتولد في قلبه حتى تتطور وتكون حقيقة ، فإذا غفل الإنسان عن الشيء ، وأعرض عنه ، وتلهى عنه ، فإنه يزول بإذن الله ” انتهى من ” فتاوى نور على الدرب للعثيمين ” (24/ 2، بترقيم الشاملة آليا)
فالنصيحة لك :
أولا : أن تعملي على تحسين أحوالك بالوقوف على أسبابها ، والتفكر في الحلول ، وتحقيق ما يلزم لتجاوز المشاكل ، من عمل ، أو زيارات ، أو تعليم ، أو تفاهم ، أو توسيط أهل الخير للإصلاح ، أو الانتقال للعيش في مكان آخر ، المهم أن تبدئي طريق العلاج.
ثانيا : أن تتركي الذهاب لهؤلاء الذين يعالجون السحر بغير الرقية الشرعية ، وقد يكون هؤلاء سببا في زيادة المشكلة والضيق النفسي الذي تشعرين به .
ولا مانع من استعمال الرقية الشرعية ، بقراءة الفاتحة وآية الكرسي والمعوذات ، كما لا مانع أيضا من الذهاب إلى أحد الرقاة الثقات الذين يعالجون بالرقية الشرعية ، دون أن يصل الأمر إلى حد الأوهام وتعليق كل ضيق على السحر مما يقعدك عن الجد في الأخذ بالأسباب .
وأما زيارتك لعمتك على بعد أربعين ميلا ، فلا حرج عليك في القيام بها بدون محرم ، فهي مسافة قصيرة تساوي تقريبا (64 كم)، فلا تعد في عرف الناس اليوم سفرا ، فلا يشملها النهي عن سفر المرأة بغير محرم .
وقد سبق في موقعنا بيان أن شرط تحريم سفر المرأة بغير محرم أن ينطبق عليه عرفا بين الناس كونه ” سفرا “، حتى لو كان قصيرا أقل من ثمانين كيلومتر ، ولكن لا بد أن يسمى في عرف الناس سفرا ، ينظر (101520) ، (110929) ، (127076) ، (174855)
وأخيرا نوصيك بالحرص على الأذكار الشرعية ، التي تسن للمسلم في يومه وليلته ، والأذكار أدبار الصلوات ، فهي ملجأ المسلم لعلاج ضيق صدره مما أصابه ، وهي حرز له عن كل ما يسوؤه بإذن الله . ولا تيأسي من دعاء الله تعالى ، وسؤاله بقلب خاشع خاضع أن يفتح عليك أبواب رحمته ، وأن يكتب لك تجاوز هذه الأزمات ، لتنطلقي إلى العمل والنجاح والتفوق بإذن الله، وما ذلك بالأمر الصعب ولا المستحيل ، المهم أن تبدئي الخطوة الأولى ، وتتوكلي على الله سبحانه . يقول الله تعالى : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ) الطلاق/3. ويقول عز وجل : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا . ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا ) [الطلاق: 4-5]
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة