هل تكون النّفقة واجبة على أب تركته ابنته وذهبت لتعيش عند أمّها المرتدّة ؟
مع العلم بأنّ هذه البنت عمرها 18 عاماً ، وتركت فرائض الدّين من صلاة وزكاة وصوم…إلخ. ولعلّكم تعلمون أنّ قانون البلاد الّتي نقيم فيه حاليّاً أمريكا يرفع النّفقة عن الأب عند بلوغ الولد أو البنت سن الثامنة عشر ، فهل يستمر الأب دفع النّفقة أو دعم هذه البنت ماديّاً إذا سألته ابنته هذه مساعدة ماليّة في المستقبل ؟
هل تجب النفقة على الأب للبنت الكافرة أو العاصية المحتاجة ؟
السؤال: 238693
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
يجب على الأب الموسر أن ينفق على ابنته حتى تتزوج ، إذا لم يكن لها مال تنفق منه على نفسها ، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم : (13464).
فعلم من هذا أن ابنتك هذه إن كانت محتاجة ، وطلبت منك المساعدة : فيجب عليك أن تعطيها، لأنك إنما تعطيها بالرحم ، لا بالاستقامة على الدين .
وقد أمر الله تعالى بصلة الرحم عموما ، فقال تعالى : ( وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) النساء/ 1 .
قال الخطابي : ” الرَّحِم الْكَافِرَة : تُوصَلُ مِنَ الْمَالِ وَنَحْوِهِ ، كَمَا تُوصَلُ الْمُسْلِمَةُ ” .
انتهى من ” فتح الباري ” لابن حجر (5 / 234).
فإن قيل : فقد نهى الله تعالى عن موادة من حاد الله ورسوله ؟
قيل : البر والصلة والإحسان بالمال ، لا سيما عند الحاجة : لا يستلزم الموادة والتحاب .
قال ابن حجر في ” فتح الباري ” (5 / 233) : ” ثُمَّ الْبِرُّ وَالصِّلَةُ وَالْإِحْسَانُ : لَا يَسْتَلْزِمُ التَّحَابُبَ وَالتَّوَادُدَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : ( لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يوادون من حاد الله وَرَسُوله ) الْآيَةَ” انتهى .
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى في ” أحكام أهل الذمة ” (2 / 792) : ” والذي يقوم عليه الدليل : وجوب الإنفاق ، وإن اختلف الدينان ، لقوله تعالى : ( ووصينا الإنسان بوالديه حسنا ) [العنكبوت: 8] ، ( وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا ) [لقمان: 15] ، وليس من الإحسان ولا من المعروف ، ترك أبيه وأمه في غاية الضرورة والفاقة، وهو في غاية الغنى !!
وقد ذم الله – تبارك وتعالى – قاطعي الرحم ، وعظم قطيعتها، وأوجب حقها وإن كانت كافرة، قال تعالى: ( واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام ) [النساء: 1] ، وقال تعالى: ( والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ) [الرعد: 25] ، وفي الحديث: (لا يدخل الجنة قاطع رحم) ، ( والرحم معلقة بساق العرش تقول: يا رب، صل من وصلني، واقطع من قطعني) .
وليس من صلة الرحم : ترك القرابة تهلك جوعا، وعطشا، وعريا، وقريبه من أعظم الناس مالا ، وصلة الرحم واجبة ، وإن كانت لكافر، فله دينه ، وللواصل دينه .
وقياس النفقة على الميراث : قياس فاسد ؛ فإن الميراث مبناه على النصرة والموالاة ، بخلاف النفقة ؛ فإنها صلة ومواساة من حقوق القرابة ، وقد جعل الله للقرابة حقا – وإن كانت كافرة – فالكفر لا يسقط حقوقها في الدنيا، قال الله تعالى: ( واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم ) [النساء: 36] . وكل من ذكر في هذه الآية فحقه واجب ، وإن كان كافرا، فما بال ذي القربى وحده يخرج من جملة من وصى الله بالإحسان إليه ؟
ورأس الإحسان الذي لا يجوز إخراجه من الآية هو الإنفاق عليه عند ضرورته وحاجته ، وإلا ؛ فكيف يوصى بالإحسان إليه في الحالة التي لا يحتاج إلى الإحسان ؛ ولا يجب له الإحسان أحوج ما كان إليه؟!
والله – سبحانه وتعالى – حرم قطيعة الرحم ، وإن كانت كافرة ؛ وتركُ رحمه يموت جوعا، وعطشا، وهو من أغنى الناس ، وأقدرهم على دفع ضرورته : أعظم قطيعة ” انتهى.
والنصيحة لك أن تحتسب في هذا الإنفاق نية تأليف قلبها على الاستقامة على أمر الله جل وعلا ، وأن تذكرها دائما بالله تعالى وثوابه العظيم لمن أطاعه واتقاه ، وعقابه الأليم لمن خالف أمره وتعدى حدوده .
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة