تنزيل
0 / 0

الأفعال التي لا تفيد الكمال إلا مقيّدة ، هل يجوز وصف الله تعالى بها ؟

السؤال: 240063

هل يجوز وصف الله ببعض الأفعال التي قالها سبحانه في وصف ذاته مثلا : ( ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ) فهل يجوز أن نقول على الله : إنه ماكر ؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

بعض صفات الأفعال : نسبها الله إلى نفسه لا على وجه الإطلاق ، وإنما في مقام يقتضي
المدح والكمال .
كما في قوله تعالى :
( وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ) آل عمران /54.
وكما في قوله تعالى :
( إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا ، وَأَكِيدُ كَيْدًا ) الطارق /15 – 16.
وقوله تعالى متوعدا المنافقين :
( وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى
شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ ، اللَّهُ
يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ) البقرة /14 –
15 .
وفي قوله سبحانه وتعالى :
( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ ) النساء /142 .
فمثل هذه الصفات ( الكيد ، والمكر ، والاستهزاء ، والخداع ) هي كمالات نسبية ؛ في
بعض المقامات تقتضي المدح ، وفي مقامات أخرى قد تقتضي الذم ، والله سبحانه وتعالى
وصف بها نفسه على الوجه الذي يقتضي المدح ويفيد كمال العلم والقدرة والعزة والعظمة
والعدل .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
” كذلك ما ادعوا أنه مجاز في القرآن كلفظ ” المكر ” و ” الاستهزاء ” و ” السخرية ”
المضاف إلى الله ، وزعموا أنه مسمى باسم ما يقابله على طريق المجاز ، وليس كذلك بل
مسميات هذه الأسماء إذا فعلت بمن لا يستحق العقوبة كانت ظلما له ، وأما إذا فعلت
بمن فعلها بالمجني عليه ، عقوبة له بمثل فعله : كانت عدلا ” انتهى من ” مجموع
الفتاوى ” (7 / 111) .
وقال ابن القيم رحمه الله :
” لا ريب أن هذه المعاني يذم بها كثيرا ، فيقال : فلان صاحب مكر وخداع وكيد
واستهزاء ، ولا تكاد تطلق على سبيل المدح ، بخلاف أضدادها ، وهذا هو الذي غر من
جعلها مجازا في حق من يتعالى ويتقدس عن كل عيب وذم .
والصواب : أن معانيها تنقسم إلى محمود ومذموم ، فالمذموم منها يرجع إلى الظلم
والكذب ، فما يذم منها إنما يذم لكونه متضمنا للكذب أو الظلم أو لهما جميعا ، وهذا
هو الذي ذمه الله تعالى لأهله …
وما كان منها بحق وعدل ومجازاة على القبيح : فهو حسن محمود ، فإن المخادع إذا خادع
بباطل وظلم ، حَسُن من المجازي له أن يخدعه بحق وعدل ، وكذلك إذا مكر واستهزأ ظالما
متعديا ، كان المكر به والاستهزاء عدلا حسنا …” .
انتهى من ” مختصر الصواعق المرسلة ” (3 / 739 – 740) .

وهذه الصفات ما دامت لا تفيد المدح على وجه الإطلاق ؛ فيلزم الآتي :
1- لا يوصف الله تعالى بها على وجه الإطلاق ، وإنما يوصف بها ، في سياق ما جاءت به
النصوص ، وهو الوجه الذي يقتضي المدح ، وتكون من صفات الكمال كما هو الحال في
الآيات السابقة .
2- ولا يجوز أن يشتق منها اسم يسمى به الله تعالى .
قال ابن القيم رحمه الله :
” فعلم أنه لا يجوز ذم هذه الأفعال على الإطلاق ، كما لا تمدح على الإطلاق ، والمكر
والكيد والخداع لا يذم من جهة العلم ، ولا من جهة القدرة ، فإن العلم والقدرة من
صفات الكمال ، وإنما يذم ذلك من جهة سوء القصد وفساد الإرادة ، وهو أن الماكر
المخادع يجور ويظلم ، بفعل ما ليس له فعله ، أو ترك ما يجب عليه فعله .
إذا عرف ذلك فنقول : إن الله تعالى لم يصف نفسه بالكيد والمكر والخداع والاستهزاء
مطلقا ، ولا ذلك داخل في أسمائه الحسنى ، ومن ظن من الجهال المصنفين في شرح الأسماء
الحسنى أن من أسمائه الماكر ، المخادع ، المستهزئ ، الكايد ، فقد فاه بأمر عظيم
تقشعر منه الجلود ، وتكاد الأسماع تصم عند سماعه .
وغر هذا الجاهل أنه سبحانه وتعالى أطلق على نفسه هذه الأفعال ؛ فاشتق له [الذي اشتق
هو من يرد عليه ابن القيم ] منها أسماء ، وأسماؤه كلها حسنى ؛ فأدخلها في الأسماء
الحسنى ، وأدخلها وقرنها بالرحيم الودود الحكيم الكريم ، وهذا جهل عظيم ، فإن هذه
الأفعال ليست ممدوحة مطلقا ، بل تمدح في موضع ، وتذم في موضع ، فلا يجوز إطلاق
أفعالها على الله مطلقا ، فلا يقال : إنه تعالى يمكر ويخادع ، ويستهزئ ويكيد .
فكذلك بطريق الأولى : لا يشتق له منها أسماء يسمى بها ، بل إذا كان لم يأت في
أسمائه الحسنى المريد ولا المتكلم ولا الفاعل ولا الصانع ، لأن مسمياتها تنقسم إلى
ممدوح ومذموم ، وإنما يوصف بالأنواع المحمودة منها ، كالحليم والحكيم ، والعزيز
والفعال لما يريد، فكيف يكون منها الماكر المخادع المستهزئ ؟
ثم يلزم هذا الغالط أن يجعل من أسمائه الحسنى الداعي والآتي ، والجائي والذاهب ،
والقادم والرائد ، والناسي والقاسم ، والساخط والغضبان واللاعن ، إلى أضعاف أضعاف
ذلك من الأسماء التي أطلق على نفسه أفعالها في القرآن ، وهذا لا يقوله مسلم ولا
عاقل ” .
انتهى من ” مختصر الصواعق المرسلة ” (3 / 745 – 746) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى :
” وأما صفة الكمال بقيد ؛ فهذه لا يوصف الله بها على الإطلاق إلا مقيدا ، مثل :
المكر ، والخداع ، والاستهزاء .. وما أشبه ذلك ، فهذه الصفات كمال بقيد ، إذا كانت
في مقابلة من يفعلون ذلك ، فهي كمال ، وإن ذكرت مطلقة ، فلا تصح بالنسبة لله عز وجل
، ولهذا لا يصح إطلاق وصفه بالماكر أو المستهزئ أو الخادع ، بل تقيّد ، فنقول :
ماكر بالماكرين ، مستهزئ بالمنافقين ، خادع للمنافقين ، كائد للكافرين ، فتقيدها ؛
لأنها لم تأت إلا مقيدة ” .
انتهى من ” شرح العقيدة الواسطية ” (1 / 143) .
وينظر للفائدة : “القواعد الكلية للأسماء والصفات” د. إبراهيم البريكان (185-194) ،
“معتقد أهل السنة والجماعة في أسماء الله الحسنى” ، د. محمد خليفة التميمي
(318-329) .
والله أعلم .

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android
at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android