قرأت في “أحد المواقع الإسلامية” أن الخسوفات الثلاث ، والنار، من علامات الساعة الكبرى التي لا يراها إلا الكفار.
هل هذا يعني أن باقي العلامات يراها المؤمنون ؟
هل من علامات الساعة ما لا يشهده المؤمن؟
السؤال: 240099
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
ظواهر الأحاديث النبوية الشريفة تدل على أن النار الحاشرة التي تسوق الناس إلى أرض المحشر لا تلحق إلا الكفار، أما المؤمنون فسيلحقون بالشام طواعية على حال من الرغبة بما عند الله ، والرهبة من عظمته وجلاله ، ولا تحشرهم النار.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى ثَلاَثِ طَرَائِقَ:
رَاغِبِينَ رَاهِبِينَ.
وَاثْنَانِ عَلَى بَعِيرٍ، وَثَلاَثَةٌ عَلَى بَعِيرٍ، وَأَرْبَعَةٌ عَلَى بَعِيرٍ، وَعَشَرَةٌ عَلَى بَعِيرٍ.
وَيَحْشُرُ بَقِيَّتَهُمُ النَّارُ، تَقِيلُ مَعَهُمْ حَيْثُ قَالُوا، وَتَبِيتُ مَعَهُمْ حَيْثُ بَاتُوا، وَتُصْبِحُ مَعَهُمْ حَيْثُ أَصْبَحُوا، وَتُمْسِي مَعَهُمْ حَيْثُ أَمْسَوْا) رواه البخاري (6522)، ومسلم (2861) .
يقول الإمام الحليمي رحمه الله :
“يحتمل أن يكون قول النبي صلى الله عليه وسلم: (يحشر الناس على ثلاث طرائق) إشارة إلى الأبرار، والمخلصين، والكفار.
فالأبرار هم الراغبون إلى الله تعالى فيما أعد لهم من ثوابه ، والراهبون الذين هم بين الخوف والرجاء. فأما الأبرار فإنهم يؤتون بالنجائب كما روي في الحديث الآخر.
وأما المخلطون فهم الذين ارتدوا في هذا الحديث. وقيل: إنهم يحملون على الأبعرة .
وأما الفجار فهم الذين تحملهم النار، بأن الله تعالى لا يمهلهم بأن يبعث إليهم الملائكة فيقبض لهم نوقهم، ولم يرد في الحديث إلا ذكر البعير” انتهى من “المنهاج في شعب الإيمان” (1/442) .
وفي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّهَا سَتَكُونُ هِجْرَةٌ بَعْدَ هِجْرَةٍ لَخِيَارِ النَّاسِ إِلَى مُهَاجَرِ إِبْرَاهِيمَ ، لَا يَبْقَى فِي الْأَرْضِ إِلَّا شِرَارُ أَهْلِهَا، تَلْفِظُهُمْ أَرْضُهُمْ ، تَقْذَرُهُمْ نَفْسُ اللَّهِ ، تَحْشُرُهُمُ النَّارُ مَعَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ، تَبِيتُ مَعَهُمْ إِذَا بَاتُوا، وَتَقِيلُ مَعَهُمْ إِذَا قَالُوا، وَتَأْكُلُ مَنْ تَخَلَّفَ) “جامع معمر بن راشد” (11/376)، “مسند أحمد” (9/396)، وصححه الألباني في “سلسلة الأحاديث الصحيحة” (3203) .
يقول الحافظ ابن رجب رحمه الله:
“يدل عَلَى أن خيار الناس في آخر الزمان مهاجرون إِلَى مهاجر إبراهيم عليه السلام – وهي الشام – طوعًا، فيجتمعون فيها.
وأما شرار الناس فيحشرون كرهًا، تحشرهم النار من بلادهم إِلَى الشام. [ثم ذكر حديث أبي هريرة السابق عن الطرائق الثلاثة، ثم قال]
هذه الثلاث المذكورة في هذا الحديث:
أحدها: من يحشر راغبًا، وهو من يهاجر إِلَى الشام طوعًا.
والثاني: من يحشر رهبة وخوفًا عَلَى نفسه ؛ لظهور الفتن في أرضه.
والثالث: من تحشره النار قسرًا، وهو شر الثلاثة” انتهى من ” مجموع رسائل ابن رجب” (3/238)
وحاصل هذه النصوص وتفاسير أهل العلم لها، أن النار التي تحشر الناس يدركها المؤمنون، ويحضرون زمانها، ولكنها لا تصيبهم ولا تلحقهم، وإنما يحشرون إلى بلاد الشام طواعية رغبة فيما عند الله ، وامتثالا لوصية النبي صلى الله عليه وسلم باللحاق بالشام في آخر الزمان.
ثانيا:
وردت بعض الأدلة بأن النار الحاشرة من أواخر الآيات العظيمة في آخر الزمان، تعقب أشراط الساعة الكبرى.
عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ الْغِفَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ: ” اطَّلَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ، فَقَالَ: ( مَا تَذَاكَرُونَ؟ ) ، قَالُوا: نَذْكُرُ السَّاعَةَ، قَالَ: ( إِنَّهَا لَنْ تَقُومَ حَتَّى تَرَوْنَ قَبْلَهَا عَشْرَ آيَاتٍ – فَذَكَرَ – الدُّخَانَ، وَالدَّجَّالَ، وَالدَّابَّةَ، وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَنُزُولَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَيَأَجُوجَ وَمَأْجُوجَ ، وَثَلَاثَةَ خُسُوفٍ: خَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ ، وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ، وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ ، وَآخِرُ ذَلِكَ نَارٌ تَخْرُجُ مِنَ الْيَمَنِ ، تَطْرُدُ النَّاسَ إِلَى مَحْشَرِهِمْ) رواه مسلم في “صحيحه” (2901)
يقول ابن بطال رحمه الله:
“جاء فى حديث أن النار آخر أشراط الساعة [وذكره]” انتهى من “شرح صحيح البخاري” (10/62).
ويقول الماوردي رحمه الله:
“وفي هذا دليل على تقدم يأجوج ومأجوج الدجال وآخرها الذي تقوم به الساعة ظهور النار” .
انتهى من ” أعلام النبوة” (ص65)
قال النووي رحمه الله:
“هذا آخر أشراط الساعة” انتهى من “شرح مسلم” (17/ 195) .
ويقول الحافظ ابن حجر رحمه الله:
“(وآخر ذلك نار تخرج من اليمن فتطرد الناس إلى محشرهم) .
قلت: وهذا في الظاهر يعارض حديث أنس المشار إليه في أول الباب، فإن فيه: (أن أول أشراط الساعة نار تحشرهم من المشرق إلى المغرب) وفي هذا أنها آخر الأشراط.
ويجمع بينهما بأن آخريتها باعتبار ما ذكر معها من الآيات ، وأوليتها باعتبار أنها أول الآيات التي لا شيء بعدها من أمور الدنيا أصلا، بل يقع بانتهائها النفخ في الصور، بخلاف ما ذكر معها فإنه يبقى بعد كل آية منها أشياء من أمور الدنيا” انتهى من ” فتح الباري” (13/ 82) .
فإذا كانت النار – التي هي آخر الآيات – ستدرك وجود المؤمنين والمسلمين على هذه الأرض، – وإن كانت لن تصيبهم -، فذلك يعني أن جميع الأشراط المذكورة في الحديث سيدركها المسلمون الأحياء حينها، بل وسيشهدونها ويعالجونها ، كالدجال، ويأجوج ومأجوج، وكذلك الخسوف الثلاثة، لا نرى سببا ولا دليلا يؤكد استثناء المسلمين من آثارها وفتنتها ومشاهدها العظام.
والأحاديث النبوية الواردة في الفتن والملاحم وأشراط الساعة – في مجملها – تخاطب المؤمنين، وتَعِدُهم برؤية تلك الآيات والعلامات (حتى ترون قبلها عشر آيات)، سواء رؤية البصر أم رؤية المعاصرة، وتتحدث عن معاناتهم وابتلائهم عند وقوعها، وتوصيهم بالصبر والثبات والثقة بالله عز وجل، كل ذلك يدل على عموم تلك الآيات وشمولها الناس الذين تصيبهم ، دون تفريق بين مؤمن وغير مؤمن.
ولو أخذنا في الاعتبار : احتمال أن النار ليست آخر الآيات العشر المذكورة في الحديث ، وأن الراوي حين قال: (وآخر ذلك نار) لم يُرِد آخرية الترتيب ، وإنما آخرية الذكر والعدد، بدليل ورود الحديث في روايات آخرين من هذا الطريق ومن غيره دون هذا اللفظ ؛ لو اعتبرنا هذا الاحتمال أيضا : فالحديث يدل كما سبق على شهود المؤمنين زمن تلك الآيات، ومعالجتهم آثارها على الأقل.
فإذا جاءت الريح الطيبة التي تقبض أرواح المؤمنين ، فلم تُبقِ أحدا منهم ، قامت الساعة على شرار الخلق ، ولم يشهد أحد من المؤمنين أهوال قيام الساعة بحمد الله وفضله.
والخلاصة :
أن ما يقع بعد قبض الريح أرواح المؤمنين لا يبقى سوى شرار الخلق لتقوم عليهم أهوال القيامة. وأما قبل ذلك من الأشراط والعلامات الكبرى فكلها تقع في وجود المؤمنين وغير المؤمنين، بل ويعالجها المؤمنون ويصيبون من آثارها وابتلائها.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب