0 / 0
19,25312/02/2016

هل انعقد إجماع على جواز التقليد التام لأحد المذاهب الأربعة ؟

السؤال: 240391

هل يوجد هناك إجماع على جواز التقليد التام لأحد المذاهب الأربعة في القرن الثالث للهجرة؟ وما المقصود بالآيات التالية: ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ) فقد قرأت أنّ هذه الآية تشير إلى تقليد المذاهب الأربعة ، وأنّ الأمر في الجزء الثاني من الآية هو مختص بأهل الاجتهاد وليس للعامة ؟ وهل يعني ذلك أنّ العلماء فقط هم من يمكنهم فهم القران والسنة ، وأنّ غيرهم من الناس يجب عليهم تقليد أي من هذه المذاهب الأربعة ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

لا يجب على المسلم اتباع مذهب بعينه من المذاهب الأربعة أو غيرها ، ولا يجوز لأحد أن يقلد أحدا في دين الله تعالى ، بحيث لا يخالفه لا في صغير ولا كبير .
وفي ذلك يقول الشيخ الشنقيطي رحمه الله تعالى في "أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن" (7 / 307): " وَأَمَّا نَوْعُ التَّقْلِيدِ الَّذِي خَالَفَ فِيهِ الْمُتَأَخِّرُونَ الصَّحَابَةَ وَغَيْرَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ الْمَشْهُودِ لَهُمْ بِالْخَيْرِ، فَهُوَ تَقْلِيدُ رَجُلٍ وَاحِدٍ مُعَيَّنٍ دُونَ غَيْرِهِ ، مِنْ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ ، فَإِنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنَ التَّقْلِيدِ لَمْ يَرِدْ بِهِ نَصٌّ مِنْ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ ، وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَا أَحَدٌ مِنَ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ الْمَشْهُودِ لَهُمْ بِالْخَيْرِ.
وَهُوَ مُخَالِفٌ لِأَقْوَالِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ ، فَلَمْ يُقِلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِالْجُمُودِ عَلَى قَوْلِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مُعَيَّنٍ دُونَ غَيْرِهِ، مِنْ جَمِيعِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ.
فَتَقْلِيدُ الْعَالِمِ الْمُعَيَّنِ مِنْ بِدَعِ الْقَرْنِ الرَّابِعِ ، وَمَنْ يَدَّعِي خِلَافَ ذَلِكَ ، فَلْيُعَيِّنْ لَنَا رَجُلًا وَاحِدًا مِنَ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ ، الْتَزَمَ مَذْهَبَ رَجُلٍ وَاحِدٍ مُعَيَّنٍ ، وَلَنْ يَسْتَطِيعَ ذَلِكَ أَبَدًا ; لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعِ الْبَتَّةَ " انتهى .

وقد كان الأئمة رضوان الله عليهم ينهون عن تقليدهم فقد قال الإمام أحمد : " لَا تُقَلِّدْنِي وَلَا تُقَلِّدْ مَالِكًا وَلَا الثَّوْرِيَّ وَلَا الْأَوْزَاعِيَّ ، وَخُذْ مِنْ حَيْثُ أَخَذُوا" ، وَقَالَ أيضا : "مِنْ قِلَّةِ فِقْهِ الرَّجُلِ أَنْ يُقَلِّدَ دِينَهُ الرِّجَالَ" انتهى من " إعلام الموقعين عن رب العالمين " (2 / 139).

وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" ما تقول السادة العلماء أئمة الدين – رضي الله عنهم أجمعين – في رجل سئل : إيش مذهبك؟ فقال: (محمدي) ؛ أتبع كتاب الله وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم .
فقيل: ينبغي لكل مؤمن أن يتبع مذهبا ، ومن لا مذهب له فهو شيطان .
فقال: إيش كان مذهب أبي بكر الصديق والخلفاء بعده – رضي الله عنهم -؟
فقيل له: لا ينبغي لك إلا أن تتبع مذهبا من هذه المذاهب ؛ فأيهما المصيب ؟ " .
فأجاب:
" الحمد لله ، إنما يجب على الناس طاعة الله والرسول .
وهؤلاء ـ أولو الأمر الذين أمر الله بطاعتهم في قوله : أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ـ : إنما تجب طاعتهم تبعا لطاعة الله ورسوله ، لا استقلالا ، ثم قال: فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا .
وإذا نزلت بالمسلم نازلة فإنه يستفتي من اعتقد أنه يفتيه بشرع الله ورسوله ، من أي مذهب كان ، ولا يجب على أحد من المسلمين تقليد شخص بعينه من العلماء في كل ما يقول ، ولا يجب على أحد من المسلمين التزام مذهب شخص معين غير الرسول صلى الله عليه وسلم ، في كل ما يوجبه ويخبر به ؛ بل كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك ، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
واتباع شخص ، لمذهب شخص بعينه ، لعجزه عن معرفة الشرع من غير جهته : إنما هو مما يسوغ له ، ليس هو مما يجب على كل أحد إذا أمكنه معرفة الشرع بغير ذلك الطريق ؛ بل كل أحد عليه أن يتقي الله ما استطاع ، ويطلب علم ما أمر الله به ورسوله ؛ فيفعل المأمور ، ويترك المحظور. والله أعلم" انتهى من "مجموع الفتاوى" (20/208-209) .

وقد سبق في الموقع بيان أن القادر على الاستنباط من الكتاب والسنة : يأخذ منهما كما أخذ من قبله ، ولا يجوز له أن يقلد أحدا ، بل يأخذ بما يعتقد أنه حق ، ويجوز له التقليد فيما عجز عنه ، واحتاج إليه. فليراجع ذلك في جواب السؤال رقم : (21420).

وأما قوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ) النساء/ 59 .
فليس فيه ما يدل على تقليد الأئمة الأربعة ، بل فيه الأمر بطاعة الله تعالى ورسوله الكريم وطاعة ولاة الأمر ، وولاة الأمور هم الأمراء الذين يحكمون بما أنزل الله ، والعلماء والفقهاء المتبعون لأمر الله جل وعلا ، دون تخصيص ذلك بعالم معين ، قال البغوي في تفسيره (2 / 239): " اخْتَلَفُوا فِي (أُولِي الْأَمْرِ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَجَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ: هُمُ الْفُقَهَاءُ وَالْعُلَمَاءُ الَّذِينَ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ مَعَالِمَ دِينِهِمْ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَالضَّحَّاكِ وَمُجَاهِدٍ، وَدَلِيلُهُ قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) (النِّسَاءِ -83) . وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: هُمُ الْأُمَرَاءُ وَالْوُلَاةُ ، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: حَقٌّ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَحْكُمَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ، وَيُؤَدِّيَ الْأَمَانَةَ ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَحَقٌّ عَلَى الرَّعِيَّةِ أَنْ يَسْمَعُوا وَيُطِيعُوا" انتهى.

وأما قوله تعالى : ( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ) فالمخاطب به كل من كانت له أهلية النظر في الأدلة، أما من لم تكن عنده أهلية النظر ، فعليه سؤال أهل العلم والعمل بفتاواهم .
قال الآمدي في "الإحكام في أصول الأحكام" (4 / 228): " العامي ، ومن ليس له أهلية الاجتهاد، وإن كان محصلا لبعض العلوم المعتبرة في الاجتهاد : يلزمه اتباع قول المجتهد ، والأخذ بفتواه عند المحققين من الأصوليين " انتهى.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android