تنزيل
0 / 0

هل يمكن أن يكون مرتكب الكبائر ، والمصر على الذنب ، محبا لله ورسوله ؟

السؤال: 241879

أعلم أن حب الله تعالى دعوى يكاد يدعيها كل الناس ، تقيّهم وفاجرهم ، وكل دعوى لا بد لها من بينة لتمييز صادقها من كاذبها. اتباع أوامر الرب تبارك وتعالى ، واجتناب نواهيه ، واتباع النبي صلى الله عليه وسلم هي أعظم دليل على صدق دعوى المحبة ، ولي ذنب قصم ظهري وأفسد عيشي : فتنة النظر إلى النساء ، أحاول أحيانا مقاومته وأستمر على ذلك فترة من الزمن ، لكن غالب حياتي عشتها مستسلما لنفسي وهواها ، ولا أرى أن لي حسنة ذات بال ألقى بها ربي سوى ما أحسه في قلبي من حب لله ورسوله ، وأن تكون كلمته هي العليا في الأرض ، قبل فترة من الزمن ، رأيت رؤيا أكتبها لكم هنا: رأيت أني واقف في طريق أتتبع النساء ببصري بشهوة ، وفجأة ذكرت في نفسي أن هذا الفعل محرم ، فقررت أن أغض بصري إلى الأرض ، وما إن غضضت بصري حتى رأيت في الأرض عينا كبيرة تنظر إلي نظرة غضب وتهديد، نظرة قاسية جدا ، وأُلقي في نفسي ( في الرؤيا ) أن هذا الشيطان يريد تخويفي ، ولم أخف منه ، وعزمت على قهره في تحدي ، فقررت أن أرفع رجلي اليمنى وأضعها فوق العين التي على الأرض لأقهره ، وكذلك صنعت ، فبدأت برفع رجلي اليمنى وكانت ثقيلة جدا، أكابد وأجاهد لرفعها، حتى تمكنت من ذلك بعد جهد ووضعتها فوق العين ، وقلت له بعزة : لقد قهرتك. انتهت الرؤيا.

فهل ما رأيته رؤيا حق؟ أم حديث نفس؟ وهل هي على ظاهرها إن كانت رؤيا؟ وهل يمكن أن يكون صاحب الذنوب العظام محبا لله ورسوله ؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
لا شك أن النظر إلى النساء فتنة عظيمة ، وبلية كبيرة ، ومن تعلقت نفسه بالنساء ، وبصره بالنظر إليهن ، وقلبه بمحبتهن : فهو ممن يتبع هواه، ولا يتقي الله ، (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ) القصص/50
فاتق الله ، وجاهد نفسك وهواك ، وما لا ترضاه لنفسك لا ترضاه لغيرك ، واحذر أن تُبتلى في نساء أهل بيتك بما ابتُلي الناس به في نسائهم بك .
وجدد التوبة ، وأحسن الأوبة ، وحافظ على الصلوات المكتوبات ، واشغل نفسك بالحق تنشغل عن الباطل ، وأكثر من ذكر الله ومن تلاوة القرآن ، وليكن لك حظ من قيام الليل ، وتضرع فيه إلى ربك ، وألح عليه في الدعاء ، كي يصرف عنك هذا البلاء ، فإنه من أعظم البلاء وأشده على قلبه المرء ودينه .
ولا تيأس من رحمة الله ، وأحسن الظن به ، وأحسن العمل ، واستعن على إعفاف نفسك ، وغض بصرك : بزوجتك الحلال ، والإكثار من الصوم ، مهما استطعت .
وانظر السؤال رقم : (3234) ، والسؤال رقم : (111796) .

ثانيا :
لا شك أن بغضك للسيئة وبغضك لفعلها من الإيمان ، كما روى الإمام أحمد في “مسنده” (22159) عن أَبي أُمَامَةَ عن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِذَا سَاءَتْكَ سَيِّئَتُكَ ، وَسَرَّتْكَ حَسَنَتُكَ فَأَنْتَ مُؤْمِنٌ ) وصححه الألباني في “الصحيحة” (550) .
ولكن من ساءته سيئته فتمادى فيها وأصر عليها ، غلبت عليه خسارته ؛ لأن المقصود أن المؤمن تسوؤه السيئة ، فيتركها، وتسره الحسنة ، فيقبل عليها ، فيزداد إيمانا.
أما أن تسوءه السيئة ثم يقبل عليها : فهذا لا شك من الخسران .
فاستثمر بغضك للسيئة ، ومجاهدة نفسك فيها ، وما رأيت في منامك ؛ لتحسن التوبة ، وتقبل على الله ، وتتقيه حق تقاته .

ونحن نرجو أن تكون الرؤيا التي رأيت من الله تعالى ، فإنها رؤيا خير ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( الرؤيا الصالحة من الله ) رواه البخاري (3292) ، ومسلم (2261) .
وما يراه المرء في منامه من نحو ذلك غالبا ما يكون من باب الإشارة والتنبيه والدلالة على الشيء ؛ فلعل فيها إشارة لك إلى أن هذه المعصية هي من اتباعك خطوات الشيطان وتزيينه لك ، والتغلب عليه أمر يسير ، ولكنه – فقط – يحتاج منك إلى إصرار وعزيمة صادقة ، وسوف يعينك الله عليه .
وسواء كانت الرؤيا تدل على ذلك أم لا ؟
فهذا المعنى حق ، قد دل عليه القرآن الكريم والأحاديث النبوية .

فالذي ننصحك به هو مجاهدة النفس والشيطان والتوبة إلى الله تعالى باستمرار ، فكلما أحدثت ذنبا ، فأحدث له توبة وندما ، وعزما على عدم العودة إليه مرة أخرى ، فإن غلبك شيطانك ، وضعفت نفسك ، ورجعت إلى الذنب مرة أخرى ، فتب إلى الله تعالى توبة أخرى … وهكذا .

ثالثا :
وأما كون صاحب المعاصي الكبار يكون محبا لله ورسوله .
فالجواب : نعم ، فكل مؤمن لابد أن يحب الله ورسوله ، وإذا خلا القلب من محبة الله ورسوله ، فهذا ليس بمؤمن .
وقد روى البخاري (6780) عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ : ” أَنَّ رَجُلًا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ اسْمُهُ عَبْدَ اللَّهِ ، وَكَانَ يُلَقَّبُ حِمَارًا ، وَكَانَ يُضْحِكُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَلَدَهُ فِي الشَّرَابِ ، فَأُتِيَ بِهِ يَوْمًا فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ : اللَّهُمَّ الْعَنْهُ ، مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ : فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (لَا تَلْعَنُوهُ ، فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ إِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
“وَكُلُّ مُؤْمِنٍ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَمَنْ لَمْ يُحِبَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَلَيْسَ بِمُؤْمِنِ ، وَإِنْ كَانُوا مُتَفَاضِلِينَ فِي الْإِيمَانِ وَمَا يَدْخُلُ فِيهِ مِنْ حُبٍّ وَغَيْرِهِ ” انتهى من ” مجموع الفتاوى ” (35/66) .
وقال أيضا في “منهاج السنة النبوية” (4/570) :
“ومن المعلوم أن كل مؤمن فلا بد أن يحب الله ورسوله ” انتهى .

ولكن هذا الإيمان إيمان ناقص بما أتى به من المعاصي ، وهذه المحبة ـ من ثَمَّـ محبة ناقصة ، ولو كمل إيمانه ومحبته لله ، لكان مطيعا لربه ، ونهى نفسه عن هواها .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في “جامع الرسائل” (2/259) :
“فَكَمَا أَن الْمحبَّة الْوَاجِبَة تَسْتَلْزِم لفعل الْوَاجِبَات ، فكَمَال الْمحبَّة المستحبة تَسْتَلْزِم لكَمَال فعل المستحبات ، والمعاصي تنقص الْمحبَّة ، وَهَذَا معنى قَول الشبلى لما سُئِلَ عَن الْمحبَّة فَقَالَ : مَا غنت بِهِ جَارِيَة فلَان :
تَعْصِي الْإِلَه وَأَنت تزْعم حبه … هَذَا محَال فِي الْقيَاس شنيع
لَو كَانَ حبك صَادِقا لأطعته … إِن الْمُحب لمن أحب مُطِيع
وَهَذَا كَقَوْلِه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم : (لَا يَزْنِي الزَّانِي حِين يَزْنِي وَهُوَ مُؤمن ، وَلَا يسرق السَّارِق حَيْثُ يسرق وَهُوَ مُؤمن ، وَلَا يشرب الْخمر حِين يشْربهَا وَهُوَ مُؤمن)” انتهى .

ويخشى على العاصي المتمادي في معصيته ، أن يزداد حبه للمعصية يوما بعد يوم ، ويقل حبه لله يوما بعد يوم ، حتى يتلاشى من قلبه ، ويكون ذلك عقابا له على استمراره على المعصية .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في “فتح الباري” (12/78) تعليقا على الحديث المتقدم :
“فِي هَذَا الْحَدِيث مِنْ الْفَوَائِد : …
أَنْ لَا تَنَافِيَ بَيْن اِرْتِكَاب النَّهْي ، وَثُبُوت مَحَبَّة اللَّه وَرَسُوله فِي قَلْب الْمُرْتَكِب ، لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ بِأَنَّ الْمَذْكُورَ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُوله ، مَعَ وُجُود مَا صَدَرَ مِنْهُ . وَأَنَّ مَنْ تَكَرَّرَتْ مِنْهُ الْمَعْصِيَةُ ، لَا تُنْزَعُ مِنْهُ مَحَبَّةُ اللَّهِ وَرَسُوله ….
وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون اِسْتِمْرَار ثُبُوت مَحَبَّة اللَّه وَرَسُوله فِي قَلْب الْعَاصِي مُقَيَّدًا بِمَا إِذَا نَدِمَ عَلَى وُقُوع الْمَعْصِيَة ، وَأُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدّ ، فَكَفَّرَ عَنْهُ الذَّنْبَ الْمَذْكُورَ ، بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَقَع مِنْهُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُخْشَى عَلَيْهِ بِتَكْرَارِ الذَّنْبِ ، أَنْ يُطْبَع عَلَى قَلْبِهِ شَيْءٌ ، حَتَّى يُسْلَبَ مِنْهُ ذَلِكَ ، نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ” انتهى .
نسأل الله تعالى أن يوفقك للتوبة النصوح .
وانظر للفائدة السؤال رقم : (142392).

والله أعلم .

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعتم بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android