في البداية، ذُكر في الحديث: أن الله يغضب على من لا يدعوه، فكيف يكون ذلك الغضب؟ وهل عدم فعل ذلك مكروه، ولا يعاقب الشخص عليه؟ وإذا غضب الله على شخصٍ ما، فهل يعتبر ذلك إثمًا؟ وهل يستوجب دخول النار؟ وعندما يقول الناس: إن علينا أن نكثر من الدعاء، فماذا يعنون بذلك؟ هل ندعو بدعاءٍ واحدٍ ونلح فيه دائمًا، أم ندعو بأدعية مختلفة ومتنوعة؟ لقد قرأت المقال الموجود على الموقع بخصوص آداب الدعاء ولكنه لا يكفي، فما زالت هناك شكوك تقلقني، ولا تريح بالي. وخاصة أن أحداً أخبرني إنه لا ينبغي لي أن أسأل الله شيئًا إلا الجنة.
فضل الدعاء
السؤال: 243742
ملخص الجواب
على فرض صحة حديث (إنه من لم يسأل الله يغضب عليه) فهو يدل على فضل الدعاء في الإسلام وأن دعاء الله وسؤاله واجب في الجملة بحيث إن من ترك دعاء الله بالكلية، فإن الله يغضب عليه، لأنه ترك هذه العبادة العظيمة التي هي الدعاء، ولأن ذلك يشعر بتكبره ودعواه أنه مستغن عن الله غير محتاج إليه.
Table Of Contents
صحة حديث (إنه من لم يسأل الله يغضب عليه)
روى الترمذي (3373) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهُ مَنْ لَمْ يَسْأَلِ اللَّهَ يَغْضَبْ عَلَيْهِ.
قال الترمذي: "هَذَا الحَدِيثَ وَلاَ نَعْرِفُهُ إِلاَّ مِنْ هَذَا الوَجْهِ" اهـ. وحسنه الألباني في صحيح الترمذي. وقد رواه الحاكم في مستدركه (1806)، ثم قال عقب روايته له (1/668): هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، فَإِنَّ أَبَا صَالِحٍ الْخُوزِيَّ وَأَبَا الْمَلِيحِ الْفَارِسِيَّ لَمْ يُذْكَرَا بِالْجَرْحِ إِنَّمَا هُمَا فِي عِدَادِ الْمَجْهُولِينَ لِقِلَّةِ الْحَدِيثِ اهـ. وينظر "الكامل" لابن عدي (7/294)، "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (9/393)، "ميزان الاعتدال" (4/538).
وقد أعل الحديث بجهالة أبي صالح هذا، فإنه لم يرو عنه سوى أبي المليح، وليس له سوى هذا الحديث، ومثل هذا لا يحتمل تفرده.
قال ابن طاهر: "رواه أبو المليح، عن أبي صالح، عن أبي هريرة. وأبو المليح هذا لم يسمه ابن عدي، وهو ضعيف". اهـ ذخيرة الحفاظ" لابن طاهر (4/2403). وينظر "الفتاوى الحديثية" للحويني (1/193) ـ الشاملة، "مسند أحمد "، ط الرسالة (15/438)، حاشية المحققين.
فضل الدعاء
هذا الحديث ـ على فرض صحته ـ يدل على أن دعاء الله وسؤاله واجب في الجملة، بحيث إن من ترك دعاء الله بالكلية، فإن الله يغضب عليه، لأنه ترك هذه العبادة العظيمة التي هي الدعاء، ولأن ذلك يشعر بتكبره ودعواه أنه مستغن عن الله غير محتاج إليه.
قال ابن القيم رحمه الله:
" هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ رِضَاءَهُ فِي سُؤَالِهِ وَطَاعَتِهِ، وَإِذَا رَضِيَ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَكُلُّ خَيْرٍ فِي رِضَاهُ، كَمَا أَنَّ كُلَّ بَلَاءٍ وَمُصِيبَةٍ فِي غَضَبِهِ " انتهى من الجواب الكافي (ص 18)
وقال أيضا:
" وَالْغَضَب لَا يكون إِلَّا على ترك وَاجِب أَو فعل محرم " انتهى من جلاء الأفهام (ص 352)
وقال القاري رحمه الله في شرحه لهذا الحديث:
" لِأَنَّ تَرْكَ السُّؤَالِ تَكَبُّرٌ وَاسْتِغْنَاءٌ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ لِلْعَبْدِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يُسْأَلَ مِنْ فَضْلِهِ، فَمَنْ لَمْ يَسْأَلِ اللَّهَ يَبْغَضُهُ، وَالْمَبْغُوضُ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِ لَا مَحَالَةَ " انتهى من مرقاة المفاتيح (4/ 1530)
من غضب الله عليه عذبه الله إلا أن يعفو الله عنه
من غضب الله عليه عذبه الله، إلا أن يعفو الله عنه لسبب من الأسباب كالتوبة والاستغفار.. وغير ذلك.
قال ابن القيم رحمه الله:
" وَالْقُرْآنُ مَمْلُوءٌ بِذِكْرِ سُخْطِهِ وَغَضَبِهِ عَلَى أَعْدَائِهِ، وَذَلِكَ صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِهِ، يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الْعَذَابُ وَاللَّعْنَةُ، لَا أَنَّ السُّخْطَ هُوَ نَفْسُ الْعَذَابِ وَاللَّعْنَةِ؛ بَلْ هُمَا أَثَرُ السُّخْطِ وَالْغَضَبِ وَمُوجَبُهُمَا، وَلِهَذَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا النساء/ 93. فَفَرَّقَ بَيْنَ عَذَابِهِ وَغَضَبِهِ وَلَعْنَتِهِ، وَجَعَلَ كُلَّ وَاحِدٍ غَيْرَ الْآخَرِ." انتهى.
فضل الإكثار من الدعاء
روى أحمد (10749) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلا قَطِيعَةُ رَحِمٍ إِلا أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلاثٍ: إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا، قَالُوا: إِذًا نُكْثِرُ. قَالَ: اللَّهُ أَكْثَرُ وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب".
قال القاري: " (إذًا نُكْثِرُ) أَيْ: مِنَ الدُّعَاءِ الْعَظِيمِ فَوَائِدُهُ " انتهى من مرقاة المفاتيح (4/ 1538)
وقال ابن علان رحمه الله: " (إذاً نكثر) أي: إذا كانت الدعوة بما عدا ما ذكر مجابة، نكثر من سؤال خيري الدارين لتحصيلهما بالوعد الذي لا يخلف " انتهى من دليل الفالحين (7/ 304)
وعن عائشة رضي الله عنها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إِذَا تَمَنَّى أَحَدُكُم فَلْيُكثِر، فَإِنَّمَا يَسأَلُ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ رواه ابن حبان (2403) والطبراني في "الأوسط" (2/301) وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/150): رجاله رجال الصحيح. وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1325)
والله يحب الملحين في الدعاء. قال ابن القيم:
" إنّ اللهَ لَا يَتَبَرَّمُ بِإِلْحَاحِ الْمُلِحِّينَ، بَلْ يُحِبُّ الْمُلِحِّينَ فِي الدُّعَاءِ، وَيُحِبُّ أَنْ يُسْأَلَ، وَيَغْضَبُ إِذَا لَمْ يُسْأَلْ " انتهى من الجواب الكافي (ص 230)
وقال أيضا:
" وأحب خلقه إليه أكثرهم وأفضلهم له سؤالا، وهو يحب الملحين في الدعاء، وكلما ألح العبد عليه في السؤال أحبه وقربه وأعطاه " انتهى من حادي الأرواح (ص 91)
فالمراد بالإكثار من الدعاء الأمران: الإلحاح فيه، وتنوع الدعاء، فيسأل المسلم ربه كل شيء من خيري الدنيا والآخرة، ويلح على الله في هذا السؤال ويكرره، لأن ذلك من تمام عبادته وكمال التوكل عليه وحسن الظن به والرجاء فيه.
هل يجوز أن نسأل الله أمور الدنيا؟
قد أخطأ من أخبرك: إنه لا ينبغي لأحد أن يسأل الله شيئًا إلا الجنة.
بل يسأل العبد ربه كل شيء من أمور الدنيا والآخرة صغيرها وكبيرها، فإن أي شيء إن لم ييسره الله لم يتيسر.
ومن أجمع الأدعية التي وردت في القرآن الكريم قوله تعالى: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [سورة البقرة/201]، فهذا الدعاء لم يترك شيئا من خيري الدنيا والآخره إلا تضمنه.
وروى مسلم (2679) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ فَلَا يَقُلْ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ، وَلَكِنْ لِيَعْزِمْ الْمَسْأَلَةَ، وَلْيُعَظِّمْ الرَّغْبَةَ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَتَعَاظَمُهُ شَيْءٌ أَعْطَاهُ.
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري":
"وَمَعْنَى قَوْله: لِيُعَظِّم الرَّغْبَة أَيْ يُبَالِغ فِي ذَلِكَ بِتَكْرَارِ الدُّعَاء وَالْإِلْحَاح فِيهِ، وَيَحْتَمِل أَنْ يُرَاد بِهِ الْأَمْر بِطَلَبِ الشَّيْء الْعَظِيم الْكَثِير، وَيُؤَيِّدهُ مَا فِي آخِر هَذِهِ الرِّوَايَة: فَإِنَّ اللَّه لَا يَتَعَاظَمهُ شَيْء" انتهى.
وقال أبو سعيدٍ الخدريُّ: إِذَا دَعَوْتُمُ اللَّهَ، فَارْفَعُوا فِي الْمَسْأَلَةِ، فَإِنَّ مَا عِنْدَهُ لَا يَنْفَدُهُ شَيْءٌ. "جامع العلوم والحكم" (2/48).
وروى ابن السني في عمل اليوم والليلة (355) بسند صحيح عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: (سَلُوا اللَّهَ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى الشِّسْعَ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِنْ لَمْ يُيَسِّرْهُ لَمْ يَتَيَسَّرْ)، ومعنى: (حتى الشسع) أي: حتى إصلاح النعل إذا انقطع.
وفي الحديث القدسي قول الله تبارك وتعالى:
يَا عِبَادِي ! كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ، يَا عِبَادِي ! كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يَا عِبَادِي ! كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ… يَا عِبَادِي ! لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ رواه مسلم (2577)
ويقول ابن رجب في "جامع العلوم والحكم" (1/225):
" وفي الحديث دليل على أن الله يحب أن يسأله العباد جميع مصالح دينهم ودنياهم من الطعام والشراب والكسوة وغير ذلك، كما يسألونه الهداية والمغفرة، وفي الأثر: (ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى شسع نعله إذا انقطع)، وكان بعض السلف يسأل الله في صلاته كل حوائجه، حتى ملح عجينه وعلف شاته، وفي الإسرائيليات: أن موسى عليه الصلاة والسلام قال: يا رب؛ إنه ليعرض لي الحاجة من الدنيا، فأستحي أن أسألك. قال: سلني حتى ملح عجينك وعلف حمارك. فإنَّ كلَّ ما يحتاج العبد إليه إذا سأله من الله، فقد أظهر حاجته فيه، وافتقاره إلى الله، وذاك يحبه الله." انتهى
ولمزيد الفائدة، ينظر هذه الأجوبة: 153316، 13506، 22438، 403095، 327408، 130175، 320772.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الاسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة