0 / 0

إما استئجار القبر أو حرق الجسد !

السؤال: 244502

في بلدتنا التي نعيش بها في الغرب يدفن المسلمون في أقسام مخصصة لهم في مقابر الكفار، يتم استئجار المكان لمدة زمنية محددة ، ثم يتم إخراج الجسد وحرقه بعد انتهاء المدة ، إلا إذا رغب الأهل في تمديد الفترة بدفع المزيد ، فهل يجب عليهم الدفع دائماً ، أم تركهم يحرقون ما تبقى من الجسد ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولاً :
إذا دُفن الميت في القبر ، فالواجب تركه فيه حتى يبلى ، ولا يبقى له أثر ، ولا يجوز نبش القبر وإخراج عظام الميت منه إلا لمصلحة أو حاجة معتبرة .
قال الحطاب : ” وَذَلِكَ أَنَّ الْعُلَمَاءَ قَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمَوْضِعَ الَّذِي يُدْفَنُ فِيهِ الْمُسْلِمُ وَقْفٌ عَلَيْهِ مَا دَامَ مِنْهُ شَيْءٌ مَوْجُودًا فِيهِ حَتَّى يَفْنَى “انتهى من “مواهب الجليل” (5/495).
وفي “فتاوى اللجنة الدائمة” (9/ 122) : ” فالأصل أنه لا يجوز نبش قبر الميت وإخراجه منه ؛ لأن الميت إذا وضع في قبره فقد تبوأ منزلا وسبق إليه فهو حبْسٌ عليه ، ليس لأحد التعرض له ، ولا التصرف فيه ؛ ولأن النبش قد يؤدي إلى كسر عظم الميت وامتهانه .
وإنما يجوز نبش قبر الميت وإخراجه منه إذا دعت الضرورة إلى ذلك ، أو مصلحة إسلامية راجحة يقررها أهل العلم” انتهى.
وينظر جواب السؤال : (141084).
ثانياً :
1- الواجب عليكم ابتداءً السعي لتحصيل مقبرة خاصة بالمسلمين تكون وقفاً على موتاهم ، لا يُدفن فيها غيرهم ، وتُحترم فيها جثثهم .
فقد ” اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ دَفْنُ مُسْلِمٍ فِي مَقْبَرَةِ الْكُفَّارِ”.
انتهى من “الموسوعة الفقهية” (21/19).
ولكن إن تعذر ذلك ، فيدفن في مقابرهم للضرورة ، كما جاء في ” قرار مجمع الفقه الإسلامي ” : ” دفن المسلم في مقابر غير المسلمين في بلاد غير إسلامية : جائز للضرورة ” انتهى من “قرارات مجمع الفقه الإسلامي” صـ 43.
وقد سبق بيان هذا في جواب السؤال : (180576) .
2-إذا تعذر ذلك ، فالواجب عليكم استئجار القبر مدةً يَغلب على الظن أن يكون الميت قد تحلل وبلي فيها ، وهذا القدر يختلف باختلاف الأرض والبلدان ، وهو أمر يعرفه أهل الخبرة في كل بلد .
3- إذا تعذر استئجار القبر لهذه المدة الطويلة ، ورفض أصحاب المقبرة ترك الميت في قبره بعد انتهاء مدة الإجارة ، وبقي شيء من عظام الميت لم تبلى وتمكنتم من أخذها ودفنها في مكان آخر أو أي حفرة في الأرض : فيجب عليكم ذلك.
4-وإذا تعذر جميع ما سبق ، فالذي يظهر في هذه الحال أن يقال :
إذا تيسر لأولياء الميت أن يدفعوا هذا المال لتجديد عقد الانتفاع بالقبر حتى يغلب على ظنهم أن الميت قد تحلل وبلي : فيندب لهم ذلك استحباباً ، حفظاً للميت ، ورعايةً لحُرمته ، وصيانةً له .
ولكن لا يجب عليهم ذلك ، وخاصةً إذا كان في دفع هذا المال مشقةً عليه ، أو تكلفةً باهظة لا يطيقها أهل الميت ، أو تجحف بهم.
لأن الواجب الشرعي المتعلق بالميت أربعة أـمور: ( تغسيله ، وتكفينه ، والصلاة عليه ، ودفنه) ، وقد تم ذلك ، وما فوق ذلك غير لازم لهم.
ويستأنس في هذا بما ذكره الفقهاء من بعض الصور التي لا يلزم فيها أهل الميت دفع مالٍ لحفظ حرمة ميتهم بعد دفنه .
قال الدَّميري : ” إذا أعار لدفن الميت .. فلا يرجع حتى يندرس أثر المدفون ؛ لأن الدفن يُراد للدوام ، وفي النبش هتك لحرمة الميت.
ويستفاد من منع الرجوع أنه ليس له طلب الأجرة ؛ لأن العرف لم يجر به ، والميت زائل المِلك ، والأولياء لا يلزمهم ” انتهى من “النجم الوهاج في شرح المنهاج” (5/153).
وقال برهان الدين البخاري الحنفي: ” وإذا كُفِّن الميت في ثوب غصبٍ ، ودُفن وأهيل التراب عليه ، فإن كان للميت تركة أخذت القيمة من تركته ، ولا ينبش الميت ، وكذا إذا لم يكن للميت تركة ، ولكن تبرع إنسان بأداء القيمة أخذ المالك القيمة من المتبرع ، ولا ينبش القبر، وإن لم يكن شيء من ذلك فصاحب الكفن بالخيار؛ إن شاء تركه لآخرته ، وهو له فضل ، وإن شاء نبش القبر ، وأخذ الكفن” انتهى من “المحيط البرهاني في الفقه النعماني” (5/487).
ويلاحظ في هاتين المسألتين أن الفقهاء لم يوجبوا على أهل الميت وأولياءه دفع شيء من المال حفظاً لحرمة ميتهم من الهتك .
وقد سئل القاضي تقي الدين السبكي: هل يصح استئجار الأرض لدفن الموتى أم لا ؟ وهل يجوز للمستأجر لغير الدفن أن يدفن الميت، في الأرض المستأجرة؟ وإن فعل المستأجر فهل يجوز نقله عند طلب المؤجر الأجرة لإبقائه أولا ؟ وهل يلزم الوارث بذل الأجرة ، والحالة هذه أم يجوز له نقله ، لضرر الأجرة ؟
فقال: ” الحمد لله ، يصح استئجار الأرض للدفن… ولا يجوز للمستأجر لغير الدفن أن يدفن … ، وإذا دفن حيث لا يجوز الدفن : للمؤجر نقله ، وإذا طلب الأجرة لإبقائه : لم يلزم الوارث بذلها من عنده ، إلا إذا كان للميت تركة “.
ثم ذكر الخلاف في حكم نقل الميت وقال : ” فإن قلنا بالجواز: لا حجر، وإن قلنا بالمنع : فينبغي أن لا يُقدم عليه ، إلا بعد اليأس من إبقائه مجانا “.
انتهى من “قضاء الأرب في أسئلة حلب” (ص: 458).
وعلى جميع الأحوال : فلو تم إخراج الميت من القبر وإحراقه فيتحمل الإثم كاملا من قام بهذا العمل ، ولا إثم على أولياء الميت وأقاربه في هذا .

وقد تم عرض هذا الجواب على شيخنا عبد الرحمن البراك حفظه الله تعالى ، فأقره .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android