0 / 0

علاقة تقوى الله والعمل الصالح بالرزق والحياة الطيبة في الدنيا .

السؤال: 246948

أريد أن أعرف معنى الآيتين : (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) النحل / 97 .
، وقوله (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ) الرحمن/ 46 .
وعلاقتهما بالرزق ، وكيف أستفيد من الرزق الطيب من خلال التوكل واليقين وحسن الظن بالله وعلاقتها بحصول البشرى ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

قال الله تعالى : (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) النحل/ 97 .
والمقصود بالحياة الطيبة التي يحياها المؤمن في دنياه : حياة قلبه بالإيمان ، وانشراح صدره ، وسعادته بإيمانه بربه .
كما أنها تشمل الرزق الطيب الواسع الحلال ، ولكن سعة الرزق ليست شرطا لحصول الحياة الطيبة ، فقد يكون العبد فقيرا ويرزقه الله القناعة والرضى بما هو فيه ، ويبارك له في القليل ، فيكون قد أحياه الله حياة طيبة وانتفع برزقه أكثر من انتفاع كثير من الأغنياء بأموالهم .
وتقوى الله – على سبيل العموم – سبب من أسباب الرزق .
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى :
” هَذَا وَعْدٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِمَنْ عَمِلَ صَالِحًا ، وَهُوَ الْعَمَلُ المتابع لكتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى ، مِنْ بَنِي آدَمَ ، وَقَلْبُهُ مُؤْمِنٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِه بِأَنْ يُحْيِيَهُ اللَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً فِي الدُّنْيَا، وَأَنْ يَجْزِيَهُ بِأَحْسَنِ مَا عَمِلَهُ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ .
وَالْحَيَاةُ الطَّيِّبَةُ تَشْمَلُ وُجُوهَ الرَّاحَةِ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ كَانَتْ .
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٍ أَنَّهُمْ فَسَّرُوهَا بِالرِّزْقِ الْحَلَالِ الطَّيِّبِ .
وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ فَسَّرَهَا بِالْقَنَاعَةِ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةُ وَوَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ .
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عباس: أنها هي السَّعَادَةُ.
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: هِيَ الرِّزْقُ الْحَلَالُ ، وَالْعِبَادَةُ فِي الدُّنْيَا .
وَقَالَ الضَّحَّاكُ أَيْضًا: هِيَ الْعَمَلُ بِالطَّاعَةِ ، وَالِانْشِرَاحُ بِهَا .
وَالصَّحِيحُ : أَنَّ الْحَيَاةَ الطَّيِّبَةَ تَشْمَلُ هَذَا كُلَّهُ ” انتهى من ” تفسير ابن كثير ” (4/ 516) .
وانظر جواب السؤال رقم : (135711) .

وهذه الآية الكريمة علاقتها بالرزق واضحة ، وهي أن تقوى الله ، والعمل الصالح : سبب في حصول نعيم الدنيا والآخرة ، ومنه الرزق الطيب الواسع ، كما قال تعالى : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ) الطلاق/ 2،3 .
قَالَ عُمَرُ بْنُ عُثْمَانَ الصَّدَفِيُّ : ” وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ ، فَيَقِفُ عِنْدَ حُدُودِهِ ، وَيَجْتَنِبُ مَعَاصِيَهُ : يُخْرِجْهُ مِنَ الْحَرَامِ إِلَى الْحَلَالِ ، وَمِنَ الضِّيقِ إِلَى السَّعَةِ ، وَمِنَ النَّارِ إِلَى الْجَنَّةِ.
وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ : مِنْ حَيْثُ لَا يَرْجُو.
وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: ” هُوَ الْبَرَكَةُ فِي الرِّزْقِ ” .
” تفسير القرطبي ” (18/ 160) .
وقال السعدي رحمه الله :
” أي: يسوق الله الرزق للمتقي ، من وجه لا يحتسبه ، ولا يشعر به ” .
انتهى من ” تفسير السعدي ” (ص 870) .
وهذا كقوله تعالى عن أهل الكتاب : ( وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) المائدة/ 66 .
وكقوله عز وجل : ( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ) الأعراف/ 96 .
والمسلم بتمام توكله ويقينه ، وحسن ظنه بالله : يسعد في الدارين ، ويكون له فيهما الحياة الطيبة ، فيرزق الرزق الواسع ، ويهنأ عيشه ، وتطيب أيامه ، وذلك أن التوكل واليقين وحسن الظن بالله، من أهم أعمال القلوب التي تطهر القلب ، وتملؤه إيمانا .
فإذا صلح القلب صلح الجسد كله ، وإذا فسد فسد الجسد كله ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ ) رواه البخاري (52) ، ومسلم (1599) .
فيأخذ المسلم بالأسباب التي يحصل بها الرزق ، ويكون معتمدا على الله واثقا بأن الله سيأتيه برزقه ، فإنه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها ، كما تستوفي أجلها .
فيورثه ذلك مزيدا من الطمأنينة والقناعة والرضى ، ويبذل ماله في مرضات الله تعالى ، غير خائف من الفقر ولا من قلة الرزق ، بل يوقن أن ذلك من أسباب الرزق ، كما قال الله تعالى : (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ) ابراهيم/7 .
وكما قال الله تعالى في الحديث القدسي : ( يَا ابْنَ آدَمَ ، أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ ) رواه البخاري (4684) ، ومسلم (993) .

ثانيا :
أما الآية الثانية ، وهي قوله تعالى : (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ) الرحمن/ 46 .
فالمعنى : أن من خاف مقامه بين يدي الله يوم القيامة ، وأحسن الاستعداد لذلك اليوم ؛ فأدى فرائض الله ، واجتنب محارمه : فله يوم القيامة عند ربه جنتان .
قال السعدي رحمه الله :
” أي : وللذي خاف ربه وقيامه عليه ، فترك ما نهى عنه ، وفعل ما أمره به، له جنتان من ذهب ، آنيتهما وحليتهما وبنيانهما وما فيهما، إحدى الجنتين جزاء على ترك المنهيات ، والأخرى على فعل الطاعات ” انتهى من ” تفسير السعدي ” (ص 831) .
وانظر: “تفسير الطبري” (23/ 55) .
وانظر السؤال رقم : (27109) .

وهذه الآية الكريمة لا علاقة لها بالرزق في الدنيا ، إلا من جهة أن من رزقه الله الجنتين في الآخرة ، فهو ممن أحياه في الدنيا حياة طيبة ، وقد تقدم أن الحياة الطيبة في الدنيا تشمل حياة القلب وسعة الرزق .

وقد قيل : إن المقصود بالجنتين : جنة في الدنيا ، وجنة في الآخرة . وهذا خلاف المشهور من تفسير الآية .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android