أنا بحمد الله تعالى سلفي المعتقد ، وأدعو الناس إلى التوحيد ، وعندي سؤال ، وهو نحن نعلم يقينا أن الله أحاط بكل شيء علما وهو يعلم ما كان وما يكون ومالم يكن وإذا كان كيف يكون
ولكن لدي شيء لا أدري أهو صحيح أم لا ؟ أنا أرى أن الله تبارك وتعالى لم ير أعمالنا ، بخلاف علمه سبحانه وتعالى ، أذا وقع الفعل بعد ذلك يراه وبخلاف علمه تبارك وتعالى
وإني قلت ذلك لأدلة كثيرة ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمة يوحي بما أقوله وهو (فينظر كيف تعملون) وأشباه هذا اللفظ لذلك أرى أن الله لم ير أعمالنا إلا بعد وقوعها لذلك إذا لم نقل ذلك فيرجح قل من يقول نحن مسيرون ولسنا مخيرون جزاكم الله خيرا ، أجيبوني وأنا بحمد الله لم أدع أحدا إلى قولي ولا أذكره لأحد لأن الناس قد لا يفهمونه (كلموا الناس على قدر عقولهم) جزاك الله خير الجزاء
الله يعلم أعمال عباده قبل وقوعها ويراها إذا عملوها
السؤال: 247404
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
يجب الإيمان بعلم الله المحيط الشامل، فهو يعلم ما كان وما يكون، وما تقدم وما تأخر، ولا يعزب عن علمه شيء في السماوات ولا في الأرض. قال سبحانه: وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ الملك/13-14، وقال: وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ الأنعام / 59، وقال: لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا الطلاق/12، وقال: عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ سبأ/3، إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن الله بكل شيء عليم. ومن ذلك علمه بما سيكون من عباده، من يطيع ومن يعصي، ومن يسعد، ومن يشقى، وجميع أحوالهم وأمورهم وهم في أصلاب آبائهم إلى أن يدخلوا الجنة أو النار وما بعد ذلك، وقد كتب سبحانه ذلك في كتاب قبل أن يخلق السماوات والأرض، كما يأمر الملك أن يكتب عمل الإنسان وأجله ورزقه وشقي أو سعيد، وهو في بطن أمه.
وانظر: جواب السؤال رقم (245070) ففيه بيان أنواع الكتابة القدرية: الأزلية والعمرية والحولية.
ثانيا:
الأمر كما ذكرت من أن الله تعالى يرى أعمالنا إذا صدرت منا، وليس قبل ذلك.
ففرق بين العلم ، والرؤية البصرية. فهو سبحانه وتعالى يعلم ما سيكون من عبده، من خير وشر، قبل أن يخلقه، فإذا وجد العبد، وصدرت منه الأفعال والأقوال، رأى الله أفعاله، وسمع أقواله، وجازاه عليها، كما قال : وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ التوبة/105، وقال: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى النجم/39- 41، وقال سبحانه: قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى طه/46، وقال: أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (13) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى العلق/13، 14.
ولا علاقة لهذا بكون الإنسان مخيرا أو مسيرا، فالمانع من رؤية الشيء قبل وجوده، أن البصر يتعلق بالمبصَرات الموجودة، بخلاف العلم، فإنه يتعلق بكل شيء، موجودا كان أو معدوما، فالله تعالى يعلم ما لم يكن، لو كان كيف يكون، قال تعالى: وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ الانعام/28، وقال: وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ الأنعام/111.
قال السفاريني رحمه الله:
والعلم والكلام قد تعلقا … بكل شيء يا خليلي مطلقا
وسمعه سبحانه كالبصرِ … بكل مسموع وكل مبصرِ
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه: “(والعلم والكلام قد تعلقا بكل شيء) ، يعني: أن الله يمكن أن يتكلم بالشيء المستحيل، ويعلم بالشيء المستحيل، فالله سبحانه وتعالى يقول: (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا) (الأنبياء: الآية 22) فقال بالمستحيل ، يعني تكلم عن شيء مستحيل، وكذلك قال تعالى: (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا) (الأنبياء: 22) (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ) (المؤمنون: الآية 91) فتكلم بشيء مستحيل.
والعلم أيضاً يتعلق بالمستحيل والدليل قوله تعالى: (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا) (الأنبياء: الآية 22) فهذا خبر يخبر الله فيه أنه لو كان في السماء والأرض آلهة إلا الله لفسدتا، وهذا خبر عن شيءٍ مستحيل. إذاً الكلام يتعلق بالمستحيل.
وكذلك يتعلق بالواجب من باب أولى، فالله تعالى يتكلم بالشيء الواجب، ومما تكلم به من الأمور الواجبة أن الله واحد لا شريك له، قال تعالى: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (آل عمران: 18) .
والعلم أيضاً يتعلق بالماضي والمستقبل والحاضر؛ لأن الله بكل شيء عليم. فكل شيء فالله عليم به.
وسمعه سبحانه كالبصر … بكل مسموع وكل مبصَر
أي أن السمع يتعلق بالمسموعات، لا بكل شيء، لا يتعلق بالمرئيات، فلا يقال: سمع الله فلانا ، أي نظر إليه؛ لأن السمع يتعلق بالمسموعات. فالأقوال من شأن السمع .
والبصر كذلك يتعلق بالمبصرات، فالأفعال، من شأن البصر .
لأن الفعل يُرى ولا يسمع، فالذي يُسمع ليس الفعل ، وإنما هو حركة الفاعل.
إذاً الأفعال من متعلقات البصر، والأقوال من متعلقات السمع؛ ولهذا قال: (وسمعه سبحانه كالبصرِ بكل مسموع) كالأقوال، (وكل مبصر) كالأفعال” انتهى من “شرح السفارينية” (1/ 198).
ثالثا:
الإنسان مسير ومخير. مسير من جهة أنه مخلوق لله ، لا يخرج عن ملكه وسلطانه وقدرته ، وأن مشيئته تابعة لمشيئة الله جل جلاله ، وأنه لا يخرج عما علمه الله تعالى فيه ، بعلمه السابق ، وكتبه له .
ومخير من جهة أنه يعمل باختياره، لا يجبره أحد على شيء، بل إن شاء آمن ، وإن شاء كفر، وإن شاء أطاع وإن شاء عصى.
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (3/ 516): ” فهمني بإيجاز عن التسيير والتخيير؟
الجواب: الإنسان مخير ومسير، أما كونه مخيرا فلأن الله سبحانه أعطاه عقلا وسمعا وبصرا وإرادة فهو يعرف بذلك الخير من الشر، والنافع من الضار ويختار ما يناسبه، وبذلك تعلقت به التكاليف من الأمر والنهي، واستحق الثواب على طاعة الله ورسوله، والعقاب على معصية الله ورسوله.
وأما كونه مسيرا فلأنه لا يخرج بأفعاله وأقواله عن قدر الله ومشيئته، كما قال سبحانه : ( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ )، وقال سبحانه: ( لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ . وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) ، وقال سبحانه: ( هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ) الآية.
وفي الباب آيات كثيرة وأحاديث صحيحة كلها تدل على ما ذكرنا لمن تأمل الكتاب والسنة.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عبد الله بن قعود … عبد الله بن غديان … عبد الرزاق عفيفي … عبد العزيز بن عبد الله بن باز” انتهى.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: “هل الإنسان مسير أم مخير؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لو أردت أن أقول لهذا السائل: هل أنت مسير حين ألقيت هذا السؤال أو ألقيته باختيارك؟ في علمي أنه سيقول: ألقيته باختياري.
إذاً فالإنسان يفعل ما يفعله باختياره لا شك. فالإنسان يذهب ويرجع، ويصلى ويتوضأ، ويصوم ويزكي ويحج، ويبيع ويشتري، ويتزوج ويزوج، وكل ذلك باختياره، لا أحد يجبره على ذلك .
ولهذا تجده يختار أحد شيئين على الآخر: يختار مثلاً أن يدخل في كلية الشريعة دون أن يدخل في كلية الهندسة مثلاً والجامعة واحدة، من الذي أجبره على هذا؟ هل أحد أجبره؟ هو باختياره في الواقع .
ولولا أن الإنسان يفعل باختياره لكانت عقوبته على الذنوب ظلماً ، والله سبحانه وتعالى منزه عن الظلم، وما أكثر الآيات التي يضيف فيها الله تعالى الأعمال إلى الإنسان: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ ، فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ، مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ . والآيات في هذا كثيرة، والعقل شاهد بهذا .
ولا يمكن أن تستقيم قدم عاقل على القول بأن الإنسان مجبر أبداً؛ لأن هذا يكذبه الحس فضلاً عن الشرع.
ولكن يبقى النظر: هل هذا الاختيار مستقل عن إرادة الله؟
والجواب: لا، إنك ما أردت شيئاً إلا علمنا بأن الله قد أراده من قبل؛ لقول الله تعالى: لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ* وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ . فإذا أراد الإنسان أن يأكل ، فأكل، علمنا أن الله تعالى قد أراد قبل إرادته ، أن يريد الأكل ، فيأكل، وإذا أراد الإنسان أن يبيع ويشتري ، واشترى وباع، علمنا أن الله تعالى قد أراد ذلك، أي: أراد منه أن يريد ويبيع ويشتري، وهلم جرّاً ؛ فإرادة الله سابقة، وإرادة المخلوق هي اللاحقة المباشرة .
ونحن لا نعلم أن الله قد أراد بنا شيئاً إلا حين يقع، ولهذا لا يكون في هذا القول الذي قلته الآن حجة للعاصي الذي يعصي الله ويقول: إن الله قد أراد ذلك.
لأننا نقول له: ما الذي أعلمك أن الله أراد؟ أنت لا يمكن أن تعلم أن الله أراد إلا إذا فعلت، وفعلك واقع باختيارك لا شك، ولهذا لم نجد هذه الكلمة (مسير أو مخير)، ما رأيتها في كلام السابقين الأولين أبداً ، لكنها قالها بعض المحدثين، فسارت بين الناس لأنها كلمة رنانة، وإلا فمن المعلوم أن الإنسان مخير: فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ، وكفر الإنسان باختياره ، وإيمانه باختياره…
وعلى هذا فنقول: الإنسان مخير، بمعنى: أنه يفعل الشيء باختياره، لكننا نعلم أنه إذا اختار شيئاً وفعله ، فهو بإرادة الله السابقة عليه.
نعم هناك أشياء ليست باختيار الإنسان: لو سافر الإنسان مثلاً ، وأصابه حادث، هذا بغير اختياره، لو أن الإنسان عمل عملاً ناسياً ، هذا بغير اختياره، ولهذا لا يؤاخذ الله على النسيان ولا على الخطأ ولا على فعل النائم؛ لأنه غير مختار” انتهى من “فتاوى نور على الدرب” (13/ 22) ترقيم الشاملة.
وانظر للفائدة: جواب السؤال رقم :(20806)، ورقم :(49004).
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة